شارل أبي نادر*

لم يكن واضحًا ما السبب الرئيسي للاستياء شبه القاتل الذي أصاب نتنياهو بعد المشهدية التي صعقته في غزة السبت الماضي، خلال تنفيذ النسخة الخامسة من عملية التبادل مع المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت الذي ادعى فيه أن منظر وحالة الأسرى "الاسرائيليين" الثلاثة الذين أطلقت حماس سراحهم غير مقبولة، "لا صحيًا ولا إنسانيًا"، وهي التي سببت له هذا الاستياء، لا شك أنه في الحقيقة، أخفى السبب الرئيسي لذلك والذي هو: ما أظهرته حماس من قدرة وتماسك وقوة في أثناء عملية التبادل.

طبعًا، مشهدية حماس هي الأساس في استياء نتنياهو، وليست حالة الأسرى "الإسرائيليين" الذين أطلقتهم حماس، لأن الوضع الإنساني لم يحرك نتنياهو بتاتًا خلال سنة وثلاثة أشهر من القتل والدمار اللذين مارسهما ضد غزة ورغم وجود نحو مئتي أسير "إسرائيلي"( العدد التقريبي الذي أُشيع مع بداية طوفان الأقصى) كانوا موجودين في الأنفاق وبين مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي .

ومن الطبيعي أن تكون مشهدية حماس هي السبب، إذ ترجمت (هذه المشهدية) بالكامل ، مستوى الفشل "الإسرائيلي" في هذه الحرب على غزة، بعدما أثبتت أن أي هدف من أهداف هذه الحملة الإجرامية على القطاع وشعبه، لم يتحقق، فلا تحرير الأسرى بالقوة تحقق، بل بتبادل متوازن ومن الند للند، ولا تدمير أو إنهاء بنية حماس العسكرية تحقق، والدليل ما ظهر للعيان في مشهدية التبادل بنسخاتها الخمس، وخاصة في الأخيرة منها، حيث برهنت حماس عن مستوى عال جدًا من القيادة والسيطرة ومن الإدارة الأمنية والعسكرية واللوجستية، مناسب ( هذا المستوى) لإعطائها القدرة وبامتياز، على إدارة ومسك "اليوم التالي" في غزة بعد اكتمال التسوية بجميع مراحلها المحددة في الاتفاق.

من هنا، تطرح نفسها اليوم وبقوة إشكالية استمرار التسوية أو توقفها، وهل سيتخطى نتنياهو هذه المشكلة المعضلة، والتي ظهرت في قدرة حماس بعد أن فرضت نفسها، خلال الحرب وخلال التفاوض وخلال تنفيذ مراحل التبادل، بعكس ما كان مخططًا للوصول إليه من خلال هذه الحرب؟

في الواقع، ومن خلال الإضاءة على تفاصيل مراحل التسوية، وخاصة الثانية والثالثة منها، والتي هي قيد التنفيذ، يمكن الإشارة إلى الآتي:

نقطتا المرحلة الثانية الأساسيتين: أولاً إطلاق جميع الأسرى "الإسرائيليين" المتبقين من المرحلة الأولى، الأحياء منهم والأموات، طبعًا مقابل عدد كبير من المعتقلين والمحكومين الفلسطينيين، وثانيًا انسحاب وحدات العدو من كل مناطق القطاع ضمن محور نتساريم ومعبر فلادلفيا.

أما نقاط المرحلة الثالثة فهي بأغلبها: إمّا إنسانية بعناوين صحية وغذائية أو إعمارية بكافة المستويات، الخاصة والعامة، وكلها لمصلحة أبناء غزة.

وبالمقارنة بين نقاط المرحلتين الثانية والثالثة، يتبين ما يلي:

من المستبعد أن تعرقل "إسرائيل" المرحلة الثانية قبل استلامها كل الأسرى "الإسرائيليين"، الأحياء والأموات، والسبب في ذلك واضح، وهو أنه لا يمكن لها داخليًا أن تتحمل تحرير بعض الأسرى دون تحرير الباقين، لكن فيما لو بلغت المرحلة الثالثة بعد تحرير كل أسراها، فحينها لن تكون مقيدة بتاتًا بأي عائق، وستصبح قادرة على تجاوز الاتفاق، ولن تكون على عجلة من أمرها لتسهيل تنفيذ البنود الإنسانية والصحية لأبناء غزة، أو لإعادة الإعمار، وهنا سوف تستعين بخطة ترامب الجهنمية لتهجير أبناء القطاع، ظاهريًا بحجة استحالة أو صعوبة الإعمار بوجود السكان، وفعليًا لتنفيذ الترانسفير المخطط له بضغط ومتابعة من الرئيس ترامب.

وليبقى الموقفان الفلسطيني والعربي أساسيين في الوقوف بوجه هذا المخطط الذي سيكون قاتلًا للقضية الفلسطينية، وحيث لا شكوك بتاتًا في موقف وصمود وثبات الشعب الفلسطيني، الأمر الذي أثبته في غزة ويثبته كل يوم في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة، تبقى الشكوك واردة بقوة في الموقف العربي، وخاصة موقف كل من مصر والأردن المحرجتين دائمًا أمام الأميركي الذي يقدم للدولتين بعض المساعدات التي لطالما رهنت موقفيهما وموقعيهما (مصر والأردن).

* المقال يعبر عن راي الكاتب ـ موقع العهد الاخباري