د. شعفل علي عمير*

بدأت اليمن معركةً معقَّدةً لاستعادة سيادتها في ظل التدخلات الأجنبية والعوامل الإقليمية والداخلية.

كانت إحدى اللحظات الحساسة في هذا السياق هي تاريخ 11 فبراير 2015، عندما تم الإعلان عن انتهاء السيطرة الأمريكية الفعلية على القرار اليمني، يمثل هذا الحدث علامة فارقة في تاريخ اليمن الحديث، في لحظة فارقة من التاريخ الحديث لليمن، شهدنا هروب السفارة الأمريكية من العاصمة صنعاء في مشهد يجسد انهيار الهيمنة والنفوذ الأمريكي في هذا البلد.

إنّ الهزيمة الساحقة التي لحقت بالدبلوماسية الأمريكية لا تقل أهميّة عن الجوانب الاستراتيجية والعسكرية، حَيثُ انكشفت بجلاء قمة الفشل الاستخباراتي والأمني، لا سيَّما بعد كشف خلاياها الاستخباراتية التي أوكل إليها متابعة مهام السفارة في جمع المعلومات الحساسة واستغلالها في مسخ الهوية والانتماء الديني للإنسان اليمني وهدم عوامل التنمية الاقتصادية، إضافة إلى سعيهم لتغييرٍ ديموغرافي يشمل ثقافة الشعب اليمن وعاداته وتقاليده بعد أن خضع له الصف الأول من القيادة اليمنية سابقًا، والذين تحولوا إلى أدوات تنفذ ما تملي عليها السفارةُ الأمريكية.

كانت السفارة الأمريكية في صنعاء رمزًا للنفوذ الاستخباراتي الأمريكي في اليمن، وعندما يتم تفكيكُها تحت تهديد السلاح، فَــإنَّ الرسالةَ واضحة، إمبراطوريةُ الكذب والتدخل السافر أُجبرت على العودة خطوة للوراء؛ فرغم المنظمات العميقة والتجهيزات المتطورة، انهار جهازُ الاستخبارات أمام بساطة الواقع اليمني وتعقيداته التي لم تستطع حتى أعينُ الخفافيش رؤيتَها، لم يكن قرار إغلاق السفارة مُجَـرّد خطوة تكتيكية؛ بل هو اعترافٌ صريحٌ بأن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها في اليمن وإدارة سياستها الخارجية بشكل يدعو للسخرية.

لقد عانت واشنطن من أزمة ثقة حقيقيةٍ في إدارة مِلفاتها في اليمن، بدءًا من استخفافها بتعقيدات السياسة القبَلية والمحلية، ووُصُـولًا إلى فشل استخباراتها في تقديم معلومات موثوقة عن الأوضاع على الأرض.

فشلٌ مخزٍ يُظهِرُ للعالم أجمع حدودَ القوة الأمريكية ونقاط ضعفها الفاضحة أمام الشعوب الطامحة للتحرّر من الأيادي العابثة بمصائرها؛ وكون اليمن يشكل نقطة استراتيجية محورية في المنطقة، فَــإنَّ انسحابَ السفارة يشير إلى تراجع الولايات المتحدة وشركائها عن طموحهم في إعادة تشكيل الخريطة السياسية وفقًا لأهوائهم.

هذا كله لم يأتِ من فراغ، بل من تاريخ طويل ومعقَّد من التدخلات الأجنبية في شؤون اليمن، إذ جرى تجاهُلُ تطلعات الشعب اليمني للسيادة والتنمية لصالح حسابات استراتيجية تتعلق بالنفط وطرق الملاحة الدولية، مستغلين تلك الأدوات التي تعد صناعة أمريكية من الجماعات الإرهابية التي قدمت لها الدعم الخفي للاستمرار في عملياتها الإرهابية، في الوقت الذي أثبتت فيه كُـلّ الوقائع محاولة أمريكا تُرك اليمن يعاني من نتائج هذا الدعم الغامض، والذي ساهم في زعزعة الاستقرار بدلًا من تحقيق أي شكل من أشكال السلام المأمول الذي كانت السفارة الأمريكية تروج له آنذاك لتبرّر استمرارها في التدخل السافر في كُـلّ الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لتكون الآمر والناهي في البلد، إلى أن جاء الحق فزهق الباطل دون رجعة.

* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب