السياسية: عبدالعزيز الحزي *

بذلت جماعات الضغط في الولايات المتحدة منذ زمن بعيد جهودا حثيثة للتأثير على مؤسسات صنع القرار الرسمية ونتج عن تلك الجهود ظهور “اللوبي الصهيوني” بشكل منظم ليصبح المؤثر الأساسي في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة بما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني.

وبعد الحرب العالمية الثانية سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفين رئيسيين للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وهي السيطرة على المنطقة وثرواتها ومواردها ودعم الأنظمة “الديكتاتورية” فيها ودعم حلفائها خاصة كيان العدو الصهيوني.

ومع ذلك ظل الكيان الغاصب على مسار الصراع والحرب وتطلبت هذه الحروب التي لم يستطع الكيان خوضها بنفسها، التدخل الأمريكي باسم الكيان، كما كان الحال في العراق، ولهذا كانت النتيجة كارثية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، حتى رجال الجيش المتشددون بدأوا في ملاحظة الطريق المدمر الذي اختارته بلادهم من أجل الدفاع عن الكيان الصهيوني.

ومعروف لدينا أن السياسية الخارجية الأمريكية تخضع لمجموعة من المؤثرات تتفاوت أهميتها وتأثيرها من جماعة الى أخرى.

وبخصوص السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الوطن العربي، تتداخل عدة جماعات ضغط لتؤثر في صناع القرار الأمريكي بما يتوافق مع مصالح وأهداف تلك الجماعات.

ومن بين أهم اللوبيات يعتبر اللوبي الصهيوني أحد أبرز المؤثرين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الوطن العربي، فمنذ احتلال اليهود لفلسطين سنة 1948 مارست عدة شخصيات وجماعات يهودية ضغوطات على واشنطن لكسب دعمها في مواجهة الدول العربية.

وتعتبر المصالح القومية المُحدد الرئيسي للسياسة الخارجية الامريكية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بسياسة أمريكا تجاه الوطن العربي، وخاصة القضية الفلسطينية فإن عوامل أخرى تساهم في تحديد عملية صناعة القرار الامريكية، إذ تأخذ أمريكا بعين الاعتبار مصلحة حليفها الاستراتيجي في المنطقة، ألا وهو الكيان الصهيوني.

وهنا تخضع واشنطن لضغوط اللوبي الصهيوني المتغلغل داخل مختلف مؤسسات صناعة القرار الأمريكية خاصة الكونغرس والبيت الأبيض أي أن الجمع بين التأييد القوي للكيان والجهد الموازي لنشر “الديمقراطية” في المنطقة قد أثار الرأي العام الإسلامي وعرض الأمن الأمريكي والعالمي للخطر.

وهكذا يبدو أن هذه الوضعية ليس لها مثيل في التاريخ السياسي الأمريكي وهذا ما يعكس العلاقات الصهيونية الامريكية او الأصح اللوبي الصهيوني وتأثيره على الولايات المتحدة الأمريكية.

ويُعرف اللوبي الصهيوني أو اللوبي اليهودي، بأنه مجموعة من الأفراد والمؤسسات التي تعمل بنشاط على توجيه السياسية الخارجية الأمريكية بما يحقق مصالح كيان العدو الصهيوني الغاصب.

واللوبي بهذا المعنى ليس حركة واحدة تتمتع بمرجعية أو قيادة مركزية، والأفراد أو المنظمات التي تشكله قد يختلفون أحيانًا فيما بينهم على عدة مسائل سياسية.

ولا يضم اللوبي المؤيد لكيان العدو الصهيوني يهودًا أمريكيين فقط بل يدخل ضمن إطار نشاطاته أفرادًا أو جماعات ممن يعرفون بالصهاينة المسيحيين.

وتعتبر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (التي تسمى اختصارًا أيباك) من أشهر وأهم المنظمات المنضوية تحت لواء اللوبي.

وتحرك الصهاينة الأمريكيون بسرعة بعد أيام قليلة من فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لضمان حماية المصالح الصهيونية بالكامل من قبل الإدارة الجديدة وتمكنوا من إسكات جميع المناقشات حول الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من المحاولات العنيفة لكسر إحكام الكيان على السيطرة الصهيونية على السردية المتعلقة بفلسطين والشرق الأوسط في وسائل الإعلام الأمريكية والحكومة والمجتمع ككل، يواصل الكيان الصهيوني الحفاظ على اليد العليا، كما فعلت على مدى عقود.

وأعرب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عن شكره الحار لترامب على كرم ضيافته في كلمة ألقاها في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض يوم (15 فبراير 2017)، أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب، ثم تَلفظ بهذه الكلمات: “ليس لدى “إسرائيل” حليف أفضل من الولايات المتحدة، وأريد أن أؤكد لكم أن الولايات المتحدة ليس لديها حليف أفضل من “إسرائيل”، ولكن ذلك لم يكن سوى نصف الحقيقة فقط.

وقال: لقد كانت الولايات المتحدة في الواقع داعمًا قويًا للكيان الصهيوني، وقدمت لها أكثر من 3.1 مليار دولار في شكل مساعدات مالية كل عام على مدى العقود القليلة الماضية، وزاد هذا المبلغ بشكلٍ كبير في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما إلى 3.8 مليار دولار، بالإضافة إلى مئات الملايين من جميع أنواع المساعدات المالية والعسكرية و”القروض” مجهولة المصير في أغلب الأحوال.

ومع ذلك، كذب نتنياهو، لأن كيان العدو الصهيوني لم يكن حليف قوي بنفس القدر للولايات المتحدة، في الواقع، كان الكيان بمثابة عائق، ناهيك عن مختلف الحوادث الخطيرة للتجسس على واشنطن ومقايضة الأسرار والتقنيات الأمريكية مع روسيا والصين، فقد كان الكيان الصهيوني سببًا في عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وقد أقر القائد العسكري الجنرال ديفيد بتريوس في شهر (مارس عام 2010)، حين كان رئيسًا للقيادة المركزية الأمريكية، للجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ خلال شهادته بأن الكيان الصهيوني أصبح عائقًا بالنسبة للولايات المتحدة، والذي بدوره صار تحديًا “للأمن والاستقرار”، الذي سعت بلاده لتحقيقه، وإن “التوترات الإسرائيلية الفلسطينية غالبًا ما تنشُب عنها أعمال العنف، والمواجهات المسلحة واسعة النطاق، ويثير الصراع المشاعر المعادية للولايات المتحدة، بسبب تصور أن الولايات المتحدة تتحيز دائمًا لصالح الكيان الصهيوني، ويحد الغضب العربي المتعلق بالقضية الفلسطينية من قوة وعمق الشراكات الأمريكية مع الحكومات والشعوب في منطقة العمليات.

وعلى الرغم من أن بتريوس كان يتحدث بشكل صارم من وجهة نظر المصلحة العسكرية الأمريكية، فقد قام اللوبي الصهيوني بالهجوم عليه على الفور تقريبًا.. وانتقد آبي فوكسمان، مدير رابطة مكافحة التشهير، التي غالبًا ما يساء توصيف دورها في مكافحة العنصرية في الولايات المتحدة، القائد الأمريكي الأعلى واصفًا استنتاجاته بأنها “خطيرة وتؤدي إلى نتائج عكسية”.

في الولايات المتحدة، لا أحد بمأمن من الانتقادات لكيان العدو الصهيوني، بما في ذلك الرئيس نفسه، الذي من المتوقع أن يستوعب النزوات للكيان الغاصب، دون توقع أي معاملة بالمثل.

وكشفت واقعة خاصة عن درجة النفوذ للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة، عندما قام رئيس مجلس النواب آنذاك جون بوينر بالتآمر مع سفير الكيان الغاصب في واشنطن آنذاك رون ديرمر لترتيب زيارة وخطاب أمام الكونغرس لنتنياهو في تحد للرئيس أوباما.

واحتدم حديث نتنياهو أمام الكونغرس الموحد “مع بعض الاستثناءات” التي منحت رئيس وزراء الكيان الصهيوني فترات من التصفيق الحار، بينما قللت من شأن رئيسهم وانتقد نتنياهو بشدة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، وشعر أوباما بأنه معزول كما لو كان هدفًا لانقلاب سياسي.

في المقابل، تخبط عدد قليل من الديمقراطيين في مؤتمر صحفي غير منظم للرد على اتهامات نتنياهو، ولكنهم كانوا بالتأكيد الأقلية الضئيلة، وكان هذا المشهد وحده كفيلًا بأن يظهر أن قوة الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة قد نمت بشكلٍ هائل عبر الزمن من مجرد “نظام عميل” إلى فاعل مؤثر.

في السياق ذاته وعلى سبيل المثال، يحضر ممثل لجنة إيباك كل اجتماع مفتوح في الكونغرس الأمريكي، ليوزع البطاقات، ويتصل بكل موظف من أعلاهم درجة إلى أدناهم، أما الاجتماعات المغلقة فيحضرها دائما، عضو من التجمع المؤيد للكيان الصهيوني ويطالع سجل الكونغرس بانتظام، وكل ملاحظة تدعو إلى القلق تستتبع زيارات من قبل اللجنة.

وهنا يتضح مدى قوة اللوبي الصهيوني في تأثيره على الكونغرس.. بيد أنه من الواضح تماما، أن المساندة الأمريكية للكيان الصهيوني تتجاوز حدود مجموعات اللـوبي، وهذا ما أكده رئيس وزراء الكيان الصهيوني المقتول إسحاق رابين، أثناء عمله كسفير للكيان في واشنطن، حيث قال: “أعتقد أن ارتباط الشعب الأمريكي وإدارته بـ”إسرائيل” يفوق وزن الجالية اليهودية ونفوذها”.

وبحسب المحللين فإن هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الكيان الصهيوني مشروع غربي مكتمل الأوصاف، وأن الغرب يقوم بدعمه وتقويته عسكرياً وحمايته على الدوام، وقد أكد ذلك الدعم الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة للكيان الصهيوني؛ ومن قبله كافة الإدارات الأمريكية السابقة.

سبأ