السياسية-وكالات:

قل كتب منتخب المغرب التاريخ. قل صنع “المعجزة”. قل قلب كل التوقعات رأساً على عقب. كل هذا يمكن أن يقال، لكن الأهم أن هذا المنتخب تعب فحصد، واجتهد فانتصر، وتواضع فكبُر.

خرجت ألمانيا. خرجت بلجيكا. خرجت إسبانيا. خرجت البرازيل. خرجت هولندا. خرجت البرتغال. خرجت إنكلترا. خرج 28 منتخباً من المونديال.. وتأهل المغرب.

 

ما كان حلماً عربياً، أصبح حقيقة. ما كان مستحيلاً، أصبح غير مستحيل. هذا ليس بالقليل.

 

قل كتب منتخب المغرب التاريخ. قل صنع “المعجزة”. قل قلب كل التوقعات رأساً على عقب. كل هذا يمكن أن يقال، لكن ما يجب قوله أكثر من ذلك هو أن منتخب “أسود الأطلس” صنع كل ذلك عن استحقاق وجدارة. تعب فحصد. اجتهد فانتصر. تواضع فكبُر.

 

يبدو هذا القول كما لو أننا نتوج منتخب المغرب بلقب كأس العالم. لكن، من قال إن ما حصده حتى الآن بالوصول إلى نصف النهائي ليس بمثابة التتويج بلقب المونديال؟

 

ما يجدر قوله هو أن منتخب المغرب جاء في الطريق الأصعب للوصول إلى نصف النهائي. لكنه حفر بأظفاره ليرتقي إلى الإنجاز. ليس سهلاً أن تأتي في مجموعة يوجد فيها منتخب كرواتيا وصيف بطل العالم، والذي عاد وهزم البرازيل في ربع نهائي هذا المونديال، وكذلك منتخب بلجيكا ثالث مونديال روسيا 2018. منتخب “أسود الأطلس” لم يخسر في أي مباراة في مجموعته بفوزه على بلجيكا، وكذلك على كندا، وتعادله أمام كرواتيا ليتصدر الترتيب.

 

في دور الـ16 وقف في وجه حلمه، ليصبح أول منتخب عربي يتأهل لربع نهائي كأس العالم، منتخبُ إسبانيا بمواهبه ومدربه لويس إنريكيه، لكن “أسود الأطلس” تفوّقوا على أنفسهم وأطاحوا منافسهم خارجاً ليكتبوا التاريخ.

 

كبر الطموح وكانت المهمة كذلك صعبة أمام منتخب البرتغال في نصف النهائي، لكن لاعبي المدرب وليد الركراكي أكدوا مجدداً أنهم “أهل الميدان”، فكان أن لمع اسمهم في سجلات التاريخ أكثر.

 

كل هذا ما كان ليحدث لولا أن خرج إلى العالم في غمرة اهتمامه وانشغاله بالمنتخبات التقليدية الكبرى أبطال أثبتوا أنهم كبار أيضاً، وفي إمكانهم مقارعة أي منتخب في العالم وإلحاق الهزيمة به.

 

يمكن القول إن ما قاد منتخب المغرب إلى إنجازه هو كفاءة اللاعبين التي لا تقل عن أي النجوم في العالم، وكذلك فإن من نقاط قوة المنتخب المغربي اللعبَ بقلب واحد وقتالية عالية من دون أي شعور بالتعب. رأينا ذلك في كل اللاعبين على غرار رومان سايس وسفيان أمرابط وعز الدين أوناحي وسفيان بوفال وغيرهم.

 

قيل إن القوة الأساسية في منتخب المغرب تتركز في الدفاع. هذا صحيح. هناك خط دفاع صلب وحديدي تصعب هزيمته، وتلقّى هدفاً واحداً فقط حتى الآن في 5 مباريات وعن طريق الخطأ، على رغم أن منتخب المغرب واجه منتخبات كبرى وخطوط هجوم قوية، إذ إن منتخب البرتغال، على سبيل المثال، سجّل في آخر 10 مباريات له في أدوار خروج المغلوب في نسخ كأس العالم هدفاً على الأقل، وسجل 6 أهداف أمام منتخب سويسرا في دور الـ16 في هذا المونديال، لكنه عجز عن التسجيل في شباك المغرب. لكن، على الرغم من كل ذلك، فإن الأسلوب الدفاعي لمنتخب “أسود الأطلس” ليس مملاً كما عدد من المنتخبات، بل إنه يتقن أيضاً ببراعة الهجمات العكسية، ويعرف كيف يصل إلى مرمى المنافس. وهذا كان واضحاً في عدد من الفرص السانحة للتسجيل في المباراتَين أمام إسبانيا والبرتغال، وهذا لا يمنع من أن المنتخب المغربي يمتلك مهاجماً كفؤاً هو يوسف النصيري، الذي سجل هدف الفوز على البرتغال ببراعة.

 

من نقاط القوة أيضاً في المنتخب المغربي المعنويات والثقة العالية؛ الثقة التي راحت تكبر شيئاً فشيئاً مع تتابع المباريات لتصنع منتخباً تنافسياً على أعلى مستوى.

من نقاط القوة المغربية كذلك الحارس ياسين بونو في تصدياته المذهلة، والتي جعلته لا يتلقى إلّا هدفاً واحداً. لم يخالف منتخب المغرب “ثوابت” المونديال عبر تاريخه بأنه لتنتصر يجب أن يكون لديك حارس كبير، وبونو هو كذلك بامتياز.

 

قصة أخرى في منتخب المغرب تتجسّد في المدرب وليد الركراكي، الذي أكد كفاءته العالية بالتشكيلة التي قدمها وبخياراته الفنية و”النقلة النوعية” التي أحدثها بسرعة قياسية بعد نحو 3 أشهر فقط من استلامه مهماته.

 

ما يميز أكثر هذا المدرب، ويُعَدّ عنصر قوة للمنتخب المغربي، هو أسلوبه بقربه من لاعبيه كأنهم أصدقاؤه على عكس “قسوة” المدرب السابق وحيد خليلودزيتش، كما في مشكلته الشهيرة مع نجم المنتخب حكيم زياش.

 

قال كثيرون بعد فوز المغرب على البرتغال: “هرمنا لنرى هذه اللحظة (إنجاز عربي في المونديال)”. هذا هو القول الصائب تماماً، والذي يعبّر عما عانته الكرة العربية في تاريخ كأس العالم. لكن السؤال هو: يا ترى، هل يخبئ منتخب المغرب بعدُ ما هو أكثر؟