الشرق الأوسط «لا يمكن إصلاح الأنظمة القائمة»
السياسية :
بقلم: فرانسوا جان دو أوثي
(صحيفة ” لو فيف- le vif” البلجيكية، الناطقة بالفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، النموذج الكامل للدولة القومية التي تغرق في الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، كيف يتم تغيير الأنظمة المميتة؟ والتي لا يمكن إصلاحها.
لتسليط الضوء على هذا الملف، استضافت صحيفة “لو فيف” المؤرخ بيير جان لويزارد، الذي سوف يرد على جميع التساؤلات المطروحة.
في خضم انهيارات خمس دول عربية، هناك العديد من القواسم المشتركة:
– الويلات الطائفية.
– الميليشيات القوية.
– التدخل الأجنبي.
– الفساد المستشري.
– الهيدروكربونات باعتبارها عامل مشدد.
– عدم القدرة على تنفيذ أي إصلاح تحت عقوبة فقدان السلطة، وبالتالي وجود حل سياسي أصبح مستحيلاً مستحيل.
في كتابه الأخير، الصادر تحت عنوان جذور الفوضى، يوضح بيير جان لويزارد، أن تطعيم الأيديولوجيات المستوردة، مثل القومية والماركسية والليبرالية – اليمن الذي يحتضن الثلاثة مجتمعة – لم ينجح مطلقاً في تحرير المجتمعات المحلية.
الصحيفة: يعاني العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا من نفس الشرور والمآسي والعلل، ما الرابط الذي يجمعهم؟ الاستعمار؟ ولكن اليمن ليس له خلفيه استعمارية، ولكن الطائفية……؟ ليبيا استثناء…
بيير جان لويزارد: السمة المشتركة هي النموذج الأوروبي المفروض بالقوة أو الذي تطلبه الجهات الفاعلة المحلية، كما كان الحال في الفترة التي شهدت توحيد شطري اليمن في منتصف العام 1990.
إن فشل نقل شكل من أشكال الحداثة الذي يرى في الأمة أساس كل الشرعية والسيادة، بينما كانت فكرة الأمة غائبة – ولا تزال تطرح مشكلة – للسكان الذين عاشوا بشكل مختلف تماماً، حيث عرف المسيحيون الأرثوذكس في بيروت أحياء حلب السورية الأرثوذكسية أفضل من الأحياء الشيعية على الجانب الآخر من الطريق.
الصحيفة: هل الديمقراطية في أوروبا متوافقة مع العالم العربي الذي يهيمن عليه الدين والولاءات القبلية؟
بيير جان لويزارد: أنا لا أضفي الطابع الأساسي بالعالم العربي، ففي القرن التاسع عشر، ابحرت في زوايا – بالتأكيد مع بعض التأخير- المسارات الأوروبية من حيث الحداثة الليبرالية.
تم كتابة هذا في الدستور السوري الأول في العام 1920، حيث تم الإعلان عن كون الإسلام الديانة الرسمية للدولة، وفي نفس الوقت تم ضمان المساواة بين جميع الطوائف.
تنبع أهمية الواقع الديني غير الليبرالي والتضامن القبلي من أن الدولة لم تتمكن من الاستجابة بشكل إيجابي لرغبات الأغلبية، وبالتالي، وضعت نفسها في خدمة المصالح الخاصة التي كانت بمثابة الخطوة الأولى في الطائفية.
الصحيفة: هل الراديكالية الإسلامية، ثم الجهادية، جزء من هذا التطور؟
بيير جان لويزارد: إذا سلطنا الضوء على كلمة السلفية، التي استخدمها المفكر محمد عبده *1 لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر، فإنها لم تعارض بأي شكل من الأشكال الإسلام في التحول الديمقراطي والليبرالي.
إنه طريق محمد رشيد رضا ذو الأصول اللبنانية في القرن العشرين الذي يمثل التشدد.
كان هذا هو الوقت الذي أدرك فيه المسلمون أن المثل العليا التحررية لأوروبا كانت بمثابة إضفاء الشرعية على الهيمنة المنهجية.
الإسلام المعادي لهذه الهيمنة، ولكنه ليبرالي، أصبح إسلام حرفي للغاية ومعارض للمبادئ الديمقراطية.
وهكذا، بالنسبة للسلفيين، فإن حق الأغلبية من خلال الانتخابات يجب ألا يحل مطلقاً محل المبادئ الإسلامية للشورى.
منذ بدء ثورات “الربيع العربي” واليمن يواجه “حربا أهلية” مثل ليبيا وسوريا.
الصحيفة: من بين الدول الخمسة المذكورة اعلاه، هناك أربعة أنظمة قمعية، هل تظهر الحالة اللبنانية أن الديمقراطية لا تمنع الانهيار؟
بيير جان لويزارد: رؤية «سويسرا في منطقة الشرق الأوسط» هي شيء من الماضي، لم يتم إنشاء لبنان على أساس ديمقراطي ولكن تم إنشاءه على أساس ديموغرافي.
أرادت فرنسا إنشاء لبنان بأغلبية مسيحية لموازنة سوريا ذات الأغلبية المسلمة، وأثبتت الجنسية اللبنانية من خلال العضوية الطائفية، على النحو المعلن في دستور العام 1926، فشلها.
منذ ذلك الحين، يعيش لبنان في ظل نظام يحرم كل المواطنة المشتركة ويأتي الوهم من حقيقة أن العائلات الكبيرة قد أخفت سلطتها على مجتمعاتها من خلال الأحزاب السياسية وانعكست هذه المصالح الخاصة في الحرب الأهلية في الفترة بين 1975-1990.
الصحيفة: ألم يسمح إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948, لهذه القوى العربية بإضفاء الشرعية على نفسها في مواجهة عدو مشترك وبالتالي إخفاء هشاشتها الجوهرية؟
بيير جان لويزارد: بدلاً من ذلك، كان إنشاء الدولة العبرية بمثابة كشف عن عدم استدامة المؤسسات التي لم تسمح مطلقاً بالمواطنة المشتركة.
في لبنان، أدت الحروب المتتالية بين إسرائيل والبلدان العربية إلى انهيار النظام مع تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين المحرومين من الجنسية، والذين زعزعوا استقرار النظام الطائفي الساري.
ومع العام 1970، سوف يتم أخذ النظام السياسي اللبناني رهينة من قبل العديد من الرعاة المتعاقبين – فرنسا والولايات المتحدة وسوريا وإيران – مما يحرم الجهات الفاعلة المحلية من كل السيادة والحكم الذاتي.
الصحيفة: هل كانت الثورة الإسلامية في إيران التي قامت في العام 1979, بمثابة حافز؟
بيير جان لويزارد: أكثر من ذلك، لدرجة أن الثورة الإسلامية في إيران أشركت المجتمعات الشيعية العربية في شكل من أشكال التحرر.
حتى ذلك الحين، كان من المشترك استبعادهم من السلطة السياسية والأرباح المتعلقة بالنفط، واحتلال قاع النطاق الاجتماعي.
كان هذا هو الحال في العراق ولبنان والسعودية والبحرين، حيث أدى ذلك إلى سلسلة من الحروب الأهلية، لاسيما في العراق والبحرين وإلى صعود السلطة في لبنان مع إنشاء حزب الله في ثمانينيات القرن الماضي.
الصحيفة: هل الرعاة الإقليميون الجدد، مثل تركيا وإيران، المتورطون في تدخلات واسعة النطاق، خاصة في سوريا، سوف يكون لهم اليد في انهيار هذه الدول؟
بيير جان لويزارد: ليس لديهم وسائل القوى الاستعمارية، لكنهم يشنون حروب عبر المجتمعات العربية.
إلى جانب إيران سمحت روسيا باستعادة نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، بينما سمحت الولايات المتحدة، من خلال رعاية متناقضة مع إيران، بظهور الدولة العراقية الجديدة، والتي سرعان ما ثبت أنها غير مستدامة.
ولا يمكن إصلاح المؤسسات القائمة لأنها أسرى لهذه الحروب ولا يقدر مقدمو مشروع القرار دائما الخطر الذي يهدد حمايتها.
الجميع يتقدم في بيادقه كما لو كان بإمكاننا المراهنة على المؤسسات المفلسة مع الإفلات من العقاب والتي قدمت مسلكاً للحركات السلفية أو الجهادية.
الصحيفة: لذا من الممكن أن نقول إن المراهنة على الأنظمة الاستبدادية لمواجهة الحركات الجهادية سوف يكون بمثابة سوء تقدير؟
بيير جان لويزارد: نعم، لأنهم لا يملكون القدرة على استقرار الوضع، ففي ليبيا، لا يوجد مكان قريب من ذلك، ناهيك عن سوريا.
الدول الفاشلة غير قادرة على تلبية المطالب المشروعة، على سبيل المثال، الخدمات العامة.
جميع أولئك الذين يمكن للمواطنين أن يلجئوا إليهم، هم جزء من النظام ولا يمكنهم الاستجابة بشكل إيجابي أو سيتم طردهم من السلطة.
طالما كان الأمر كذلك، فإن الحركة الجهادية سوف تستمر في الازدهار وخاصة تلك التي تتحدى شرعية هذه الدول.
كان تنظيم الدولة الإسلامية قد نجح في محو الحدود بين العراق وسوريا.
الصحيفة: كحل، تقترح إجراء مشاورات مع السكان تحت مظلة الأمم المتحدة – والمحميين من الميليشيات – حول نوع الدولة التي يرغبون في العيش فيها، ومع الحدود. هل أظهرت الانتخابات، حتى الانتخابات الحرة، حدودها؟
بيير جان لويزارد: لم تؤد الانتخابات في العراق أو لبنان إلا إلى تفاقم الانقسامات داخل البلدين، حيث تحظر أنظمتها المواطنة المشتركة، لكن بحذر شديد أقترح حل الاستفتاء.
في عامي 1919 و1920، استفتت عصبة الأمم شعبي العراق وسوريا، كانت الإجابات واضحة للغاية، بما في ذلك رفض الانتداب في العراق وإنشاء مملكة عربية ديمقراطية موحدة مستقلة في سوريا، بما في ذلك فلسطين ولبنان.
لكن لم يتم احترام أي منها، أعيد تصميم المنطقة، ونما العراق، وانقسمت سوريا بلا حدود، وكانت مجتمعات بأكملها هي الضحية، بما في ذلك الغالبية، مثل الشيعة في العراق، والسنة في سوريا.
ولكن، لماذا؟ لأن السياسات الإلزامية لفرنسا في سوريا ولبنان، وبريطانيا العظمى في العراق، تميزت بانتحاء قوي تجاه الأقليات، وفي الواقع، الاعتماد على الأغلبية يخاطر بفقدان الهيمنة الاستعمارية.
الصحيفة: وماذا عن المأزق السياسي في العراق
بيير جان لويزارد: إن الحالة السياسية في العراق آخذة في التدهور، ففي 27 يوليو، بعد أن استولى أنصار مقتدى الصدر لفترة وجيزة على البرلمان الواقع في «المنطقة الخضراء» التي تمتاز بوجود حس أمني كبير في العاصمة بغداد.
اعترضوا على افتراض تعيين محمد شيع السوداني، من حزب الدعوة الإسلامية، رئيساً للوزراء أثناء توجيه تهم الفساد إليه.
بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر 2021، مع 73 نائبا من أصل 329، حاول مقتدى الصدر تشكيل حكومة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب الكردي الرئيسي، وحزب تقدم محمد الحلبوسي، الذي جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات.
بعد الفشل، أمر باستقالة مسؤوليه المنتخبين، وفي غضون ذلك، تم تكليف إطار التنسيق، التحالف المنافس الموالي لإيران، بتشكيل الفريق الحكومي.
وهي تتألف من تحالف الفتح، الواجهة السياسية للميليشيات الموالية لإيران، وحزب سيادة القانون التابع لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي والاتحاد الوطني الكردستاني.
وهكذا فإن جميع عناصر المواجهة المدمرة بين الأعراق في العراق موجودة بالفعل.
* محمد عبده: مفكر وعالم دين وفقيه وقاضي وكاتب ومجدد إسلامي مصري، يعد أحد دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي وأحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي، ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر.
* يعتبر محمد رشيد رضا مفكراً إسلامياً من رواد الإصلاح الإسلامي الذين ظهروا مطلع القرن الرابع عشر الهجري.
بالإضافة إلى ذلك، كان صحفيا وكاتبا وأديبا لغويا، هو أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده، أسس مجلة المنار على نمط مجلة «العروة الوثقى» التي أسسها الإمام محمد عبده، ويعتبر حسن البنا أكثر من تأثر برشيد رضا.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع