شوقي عواضة —

 

على وقع المزيد من  التّخبّط الصّهيوني في حسم نزاع النّفط والغاز مع لبنان وفي ظلّ استمرار خرق العدوان الأمريكي السّعودي للهدنة في اليمن،

ومع تصاعد الحرب الرّوسية الأوكرانيّة واتساع دائرتها بالتزامن مع تراجع دور الأمريكي في المنطقة لا تزال أدوات المشروع الأمريكي تحاول استباق الزّمن أو أعادته الى الوراء في مراهناتها على الحليف الأمريكي المأزوم والمهزوم رغم ما يشهده العالم من مخاضٍ ينبئ بولادة نظامٍ متعدّد الأقطاب لا مكان فيه للولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تتجلّى ملامح هزائمها من اليمن الذي فرضت فيه قوّات صنعاء الهدنة على واشنطن وحلفائها في العدوان مروراً بإيران التي لم تتنازل قيد أنملة عن شروطها في المفاوضات النّووية التي أعلنت قطر أنّها ستستأنف على أراضيها بقبول الطّرفين واستكمالاً لذلك التّراجع الأميركي الذي جاء نتيجة نقمة طهران بتحميل الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة مسؤوليّة تنامي الإرهاب على الحدود التّركية السّوريّة إضافةً إلى إعلان  سوريا انطلاق المقاومة الشّعبية ضدّ الاحتلال الأمريكي، وصولاً إلى التّقدم الرّوسي في حربٍ أوكرانيّةٍ وتحذير الرئيس الصّيني شي جين بينغ للرّئيس الأميركي جو بايدن بعدم اللّعب بالنّار بعد إعلان نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي نيّتها زيارة تايوان بطائرةٍ عسكريّةٍ وصولاً إلى لبنان الذي تتسابق فيه عقارب السّاعة بين مخاوف الكيان الصّهيوني من تنفيذ الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصر الله تهديداته وبين الوساطة الأمريكيّة التي يكاد يستجديها العدو بعد تهديدات المقاومة للوصول إلى اتفاقٍ ينزع فتيل الحرب التي بدأ العدو استعداده لها لإدراكه صدق وجديّة السّيد حسن نصر الله في تهديداته التي تقول التي أفادت أنّ غاز للكيان لن يُستخرج لا من كاريش ولا من أي حقلٍ نفطيٍّ داخل فلسطين المحتلّة إن لم يستخرج لبنان غازه، حاسماً مسألة الوقت التي لن تتجاوز  شهر أيلول / سبتمبر القادم تهديد استدعى استنفاراً سياسيّاً وعسكريّاً وأمنيّاً وإعلاميّاً حيث أشارت صحيفة (هآرتس) من الأفضل أن يبلور متخذي القرارات في (إسرائيل) أهدافاً إستراتيجية واقعية، ويأخذوا في الحسبان بأنّ حزب الله أيضاً -مثلما في حالة قطاع غزة- قد يفرض على إسرائيل البحث عن بدائل مثل استنزافٍ محدودٍ أو مواجهةٍ عسكريّةٍ تنعكس على كلّ المنطقة.

أمّا سياسيّاً فقد استدعت تهديدات السّيد نصر الله رئيس حكومة العدو الصّهيوني يائير لابيد الاتصال بالوسيط الأمريكي المفاوض عاموس هوكشتاين وإبلاغه بأنّه مهتمٌ بالتوصّل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة في أقرب وقتٍ ممكن وعلى المستوى العسكريّ فقد تراوح تقييم التّهديدات بين لهجة التّصعيد والكشف عن الخلل في صفوف جيش العدوّ وسلاحه الجويّ والبريّ من مدرعاتٍ ومشاةٍ وأبرز تلك المواقف هو ما كتبه العميد احتياط في جيش العدوّ الإسرائيلي أساف أوريون في معهد واشنطن لدراسات الشّرق الأدنى، مقالاً تحت عنوان: لا للاستخفاف والتّقليل من شأن الصّراع على المجال الجويّ اللّبناني أكّد من خلاله على أن الأجواء اللّبنانيّة لم تعد مباحة لسلاح (الجوّ) الإسرائيلي بشكلٍ مطلقٍ، بسبب وجود حزب الله بقوّة مستدلّاً على ذلك بمؤشّراتٍ عديدةٍ أبرزها:

1_ امتلاك حزب الله لطائراتٍ بدون طيّار وأنظمة دفاعٍ جويٍّ.

2_ امتلاك حلفاء إيران لهذه المنظومات من المسيّرات والصّواريخ ومنها أنصار الله في اليمن.

3_ شلّ قدرة العدوّ في عمليّات الاستطلاع الجويّ ألاستخباراتيّ

4_ تحليل المسار التصاعدي لتنامي قدرات حزب الله الدّفاعيّة.

كلّ ما ورد في مقال أوريون لم يأتِ من فراغٍ بل كان التّركيز الأكبر على امتلاك حلفاء إيران وتحديداً حزب الله وأنصار الله لمنظومات الطّائرات المسيّرة ومنظومات الصّواريخ الدّفاعيّة وهو أمرٌ مرعبٌ بالنّسبة إلى الكيان الصّهيوني ومؤسّساته العسكريّة التي لم تسلّط الضّوء على القدرات الدّفاعيّة والهجوميّة لحزب الله وأنصار الله فحسب بل حتى على التّكتيكات القتاليّة وتطويرها والقوّات الصاروخية البالستية والدقيقة وفي إطار ذلك نشر  معهد أبحاث (الأمن القومي الإسرائيلي) بحثاً تحت عنوان  التّهديد الحوثي (لإسرائيل) أشار فيه إلى أنّ الكيان الصّهيوني لم يعد يعتبر اليمن ساحة مواجهةٍ بعيدةٍ بعد سلسلة العمليّات الهجوميّة التي نفّذها الحوثيون تحت اسم عمليّات إعصار اليمن وبالتالي إنّ امتلاك أنصار الله لمثل هذه الأسلحة إضافةً إلى امتلاكهم خبراتٍ أمنيّةً ومعلوماتيّةً دقيقةً تشكّل قلقاً وتهديداً للكيان الصّهيوني وفي مرحلةٍ سابقةٍ أوردت القناة الأولى العبريّة خبراً مفاده أنّ على (إسرائيل) الأخذ بعين الاعتبار مدى صواريخ اليمنيين وطائراتهم بدون طيار وقدراتهم العسكريّة التي ستزداد في حال لم تصل الحرب في اليمن إلى قرارٍ في المرحلة المقبلة فإنّ الطّائرات والصواريخ يمكن أن تصل إلى(إسرائيل). إذاً تلك هي المعادلة التي فرضت الهدنة التي يخترقها العدوان يومياً ولم يلتزم بتطبيق بنودها بأسلوب المراوغة والتّسويف وتضييع الوقت وشرعنة الحصار وتجميله وأنسنته بينما هو في الواقع عدوانٌ بوجهٍ آخر يراد منه الحدّ من تقدّم أنصار الله والجيش اليمني على الجبهات ومنع انهيار مرتزقة العدوان وتسجيل المزيد من الانتصارات لحكومة صنعاء ومحاولة تدجين القوّة التي باتت تهدّد الكيان الصّهيوني وهذا ما ترفضه قوّات صنعاء وهو نفس السيناريو الذي يدير به الأمريكي عمليّة المفاوضات بين لبنان والكيان الصّهيوني حول الحدود البحريّة والثّروة النّفطية. وفي كلا الحالتين ما يريد إنجازه الأميركي وفقً لحساباته هو ما يلي:

1_ حماية النّفط وزيادة إنتاجه في الخليج من خلال أرامكو وغيرها من شركات النّفط التي تحوّلت إلى أهدافٍ لصواريخ أنصار الله وطائراته المسيّرة.

2_ تأمين عمليّة استخراج النّفط عبر الكيان الصّهيونيّ من حقل كاريش بأسرع وقت إنقاذاً لأوروبا التي تعيش أزمة نفطيّةً بسبب الحرب الأوكرانيّة.

هذا في حسابات الأمريكيّ وحلفائه وأدواته في المنطقة. أمّا في حسابات محور المقاومة وفي مقدّمتهم حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن فإنّ المعادلات التي فرضت على الكيان الصّهيوني استعجال الوسيط الأمريكي غير النّزيه للوصول إلى حلٍّ مع لبنان ستصنع الانتصارات مجدّداً وستفرض ما يريده لبنان لا ما يريده الكيان الصّهيوني وضمن الوقت المحدّد في أيلول سبتمبر القادم. وهي نفس المعادلات في اليمن التي فرضت الهدنة ستعيد فرض عمليّة وقف إطلاق النّار لا هدنة وبشروط صنعاء وإلّا فعلى الأميركيّ والصّهيوني وحلفائهم أن ينتظروا المزيد المزيد من المسيّرات والصّواريخ البالستيّة والدّقيقة التي ستشعل أرامكو وما بعد أرامكو وكاريش وما بعد بعد كاريش.

 

* كاتب وإعلامي لبناني