السياسية:

تسببت النقاط الخلافية القليلة في الحوار الدستوري الليبي، التي لا يتجاوز عددها خمس مواد، في وصول المفاوضات بين اللجنتين الممثلتين لمجلس النواب والدولة إلى طريق مسدود، وانتهاء هذه الجولة الثالثة والحاسمة إلى لا شيء، على الرغم من الاتفاق على نحو 200 مادة دستورية في الجولات السابقة.

هذا الإخفاق الجديد في المفاوضات، التي يكون في كل مرة، مجلس النواب في طبرق والدولة في طرابلس طرفين فيها، رفع مستوى الاحتقان الشعبي من فشل الأطراف السياسية في تجاوز خلافاتها التي تقود البلاد إلى مستقبل مجهول ومفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها الحل العسكري الذي يرفضه ويخشاه الجميع.

وبقعة الضوء الوحيدة التي خرجت بها الأطراف المتحاورة، في القاهرة، كانت بالمسار العسكري، إذ ساد الوفاق أجواء مباحثات لجنة “5+5″، وتوصلها لاتفاق تمهيدي على آلية جديدة لحل الميليشيات المسلحة وتوحيد الجيش، سيكشف عن تفاصيلها في القريب العاجل.

انسداد بالمسار الدستوري

وانتهت الجولة الثالثة والأخيرة من مفاوضات اللجنة المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة المتعلقة بالمسار الدستوري الليبي، الاثنين 20 يونيو (حزيران)، من دون اتفاق نهائي على قاعدة دستورية متكاملة تجرى بناءً عليها الانتخابات العامة، وتعقدت المفاوضات بمجرد فتح النقاط الخلافية القليلة في عددها والمعقدة من حيث صعوبة حلها، والتي أجلت لهذه الجولة، ومن أبرزها السماح من عدمه لمزدوجي الجنسية والعسكريين بالترشح للانتخابات الرئاسية، ومقر السلطة التشريعية وشكلها ومراحلها، ونظام الحكم والصلاحيات الدستورية.

المراحل الانتقالية

وكانت التوقعات بفشل المفاوضات في المسار الدستوري سبقت الجولة الحاسمة باليوم الأخير منها، بعد تعثر لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، بسبب خلافات حول جدول أعمال اللقاء، ورغبة صالح بإضافة ملف الحكومة والمصرف المركزي فيه، وهو ما رفضه المشري.

وأوضحت المستشارة الخاصة للأمين العام في شأن ليبيا، ستيفاني وليامز، في بيان صحافي، أن “اللجنة أحرزت كثيراً من التوافق على المواد الخلافية في مسودة الدستور الليبي، والخلافات ظلت قائمة في شأن التدابير المنظمة للمرحلة الانتقالية المؤدية إلى الانتخابات”. ودعت وليامز “رئاستي المجلسين للاجتماع خلال 10 أيام في مكان يتم الاتفاق عليه لتجاوز النقاط العالقة”. وأكدت أن “الأمم المتحدة ستظل ملتزمة بدعمها الجهود الليبية لإنهاء المراحل الانتقالية المطولة وانعدام الاستقرار الذي أصاب البلاد، عبر انتخابات وطنية شاملة وشفافة في أقرب تاريخ ممكن، وتلبية تطلعات ما يقارب ثلاثة ملايين مواطن ليبي سجلوا للتصويت في الانتخابات”.

دعوة إلى تجاوز الخلافات

وقال السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إن مصر، التي استضافت هذه الجولة بين الأفرقاء الليبيين، “ترحب بمخرجات الجولة الثالثة لأعمال المسار الدستوري الليبي الذي استضافته القاهرة بالتنسيق مع الأمم المتحدة خلال الفترة من 12 إلى 20 يونيو”، وبحسب المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية المصرية، ثمّن حافظ “التقدم الكبير الذي شهدته الاجتماعات من حيث توافق الأشقاء الليبيين على غالبية المواد الدستورية”، متطلعاً إلى “مواصلة اللجنة الدستورية الليبية جهودها والانتهاء من العدد المحدود من المواد المتبقية في أقرب وقت”.

لا جديد يُذكر

وفشل المفاوضات الدستورية التي توصف بـ”المفصلية” لحل الأزمة السياسية في ليبيا تسبب بإحباط كبير لدى الشارع الليبي، وانتقادات لاذعة لمجلسي النواب والدولة، واتهامهما بالتسبب في ما آلت إليه أوضاع البلاد، نتيجة مناكفاتهما التي عقدت كل الجهود الدبلوماسية التي سعت للحل السياسي طيلة السنوات السبع الماضية. ورأى عضو البرلمان صالح أفحيمة أن “فشل المفاوضات الدستورية يعني بقاء الوضع كما هو عليه، ولا يوجد أي تقدم يُذكر تحقق من هذه المحادثات، وكل ما أعلن عنه بوصفه تقدماً، أحرزه الطرفان، مجرد مسلمات متوافق عليها قبل قدومهما إلى القاهرة، أما النقاط الخلافية، التي تمثل قنابل موقوتة في هذا المسار كترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين ومقر السلطة التشريعية المقبلة، وهل هي من غرفة واحدة أم من غرفتين، ونظام الحكم وغيرها من النقاط، فهذه لم يتم حتى فتح باب النقاش فيها بالشكل المطلوب”.

وانتقد أفحيمة دعوة البعثة الأممية للقاء جديد في الأيام المقبلة، بين اللجنتين أو من يمثلهما لبحث النقاط الخلافية في المسار الدستوري، قائلاً إن “هذه الدعوة تنم عن استمرار تخبط البعثة الدولية، خصوصاً أنها أعلنت قبل أسابيع أن اجتماعات القاهرة ستكون هي الأخيرة من نوعها، بل لوحت بحلول بديلة في حال فشلها، لنجدها اليوم تصر على تضييع الوقت من خلال الإعلان عن جولة وربما جولات جديدة أخرى”. وقال عضو البرلمان، “لن تكون هناك انتخابات في المدى المنظور، وفي اعتقادي أن الخطوة التالية التي يجب التركيز عليها العمل على توحيد الحكومتين، لتصبح البلاد تحت سلطة حكومة واحدة تستطيع تنظيم الانتخابات والإشراف عليها “.

القليل المهم

وقال الأمين العام لحزب “تحالف القوى الوطنية” خالد المريمي، إن “النقاط الخمس التي لم يتم التوافق عليها بين لجنتي البرلمان والدولة في اجتماعات العاصمة المصرية القاهرة، هي لب أي دستور أو قاعدة دستورية”. وأشار إلى أن “هذا الفشل يعني بالمختصر المفيد، استمرار حالة عدم الاستقرار والنهب الممنهج لثروات البلاد”. ولفت إلى أن “الحل يكمن في التوافق على وثائق متعددة تكون في مجملها قوانين أساسية تساوي دستوراً مؤقتاً نعمل بها حتى تتمكن الأجيال القادمة من كتابة دستور في وثيقة واحدة “.

وعلقت عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي آمال بوقعيقيص، على نتائج لقاءات لجنتي مجلس النواب والدولة في القاهرة، قائلة إنهما “أخلصا لعادتهما، ولم يتفقا على قاعدة دستورية ولا على تعديلات مشروع الدستور، ويبقى اتفاقهما الضمني الوحيد بقاء الحال على ما هي عليه”. وتابعت، “أراهن من الآن أنه لن تكون هناك نتيجة مرجوة من اجتماع رئيس المجلسين بعد 10 أيام، حسب الدعوة الموجهة من البعثة الأممية”.

خطة جديدة

ومع تأزم المشهد السياسي الليبي بسبب الخلافات حول الحكومتين المتنازعتين على السلطة، وتعثر المفاوضات بين الأفرقاء في الآونة الأخيرة، اقترح رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، خريطة طريق من ثلاثة بنود، قال إنها “تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتعافي”، متعهداً “إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن”. وتنص خريطة الطريق التي اقترحها باشاغا، على أن “يلتزم بمجموعة من الإجراءات التي ستوجه البلاد إلى الانتخابات وما يليها، بعد عقد من الاضطرابات والفرص الضائعة”، وكذلك على “استحداث منصب (المنسق السامي لشؤون الانتخابات والناخبين)، من أجل العمل على المتطلبات الفنية والجداول الزمنية والخطوات اللازمة للانتخابات بشكل كامل”.

وأوضح باشاغا أن “خريطة الطريق المقترحة للتعافي تركز على الأولويات الرئيسة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، وضمان الأمن والازدهار الاقتصادي ما يتطلب القيام بتغييرات في ثمانية مجالات، وهي استقرار الخدمات الأساسية، والشفافية والمساءلة المالية والاستقرار، والسلامة والأمن، وضمان حق المشاركة في التصويت في الانتخابات للجميع، واستقرار إنتاج النفط، ومحاربة الفساد، ودعم المجتمع الدولي”.

المصدر: اندبندنت عربية