حماد صبح*

ينذر الخلاف بين لبنان و”الكيان الإسرائيلي” حول استخراج النفط والغاز من حقل كاريش البحري المتنازع عليه بانفجار حرب كبرى بين الطرفين ستتسع حتما لتشمل أطرافا إقليمية وعالمية أخرى . وفي جو التوتر الملتهب هذا ، هدد أمير برعام قائد المنطقة الشمالية في إسرائيل بأن الجيش الإسرائيلي لن يبقي حجرا على حجر في لبنان في أي حرب له مع حزب الله .

وتكلم  سماحة الشيخ حسن نصر الله أمين عام  حزب الله بهدوء وثقة واتزان ، على عادته حتى في أشد المحن عصفا ، فقال إن المقاومة قادرة على الرد إذا ما شرعت إسرائيل عبر الشركة البريطانية اليونانية في استخراج النفط والغاز من الحقل، وإن كل خيارات المقاومة مفتوحة ، وإنها لا تخشى الحرب ، وإن كانت بداهة لا تسعى إليها.

وكل ما قاله ، الخميسَ ،عن هذه القضية الكبيرة المتفجرة يوضح أننا أمام شخصية قيادية وطنية عربية فريدة مؤهلة لقيادة الأمة العربية كاملة ، ونحن نعرف ما نقول . أحاط في كلمته بكل جوانب القضية سياسيا وسياديا واقتصاديا وعسكريا بعبارات دقيقة محددة محكمة لا تفتح  أي نافذة مهما صغرت لأي تأويل أو غموض أو إساءة فهم ، وهذا هو شأنه دائما في كل ما يقول . إنه العربي الذي تمنى كثير من الإسرائيليين لو أن لهم قائدا في خصائصه العظيمة الفريدة بدلا من القمامات التي تقودهم منذ ثلاثين عاما الذين وصفهم وزير الخارجية السوري الراحل الحكيم الرصين ب ” الزعران ” ، وحاليُهم الآن نفتالي بينيت الذي حين تراه رافعا قبضته وفاغرا فاه على سعته مهددا الفلسطينيين أو الإيرانيين تقفز إلى خيالك صورة رئيس وزراء إيطاليا بنيتو موسوليني وجعجعاته التي انتهت بهزيمة بلاده  مبكرا في الحرب العالمية الثانية ، وبشنقه من الإيطاليين أنفسهم . معركة كاريش يتطاير شررها ، وهي معركة هيبة وسيادة في أحد أبعادها الكثيرة ، وأطراف كثيرة ، أميركية ولبنانية وعربية تتمنى انتصار إسرائيل فيها والقضاء على حزب الله وقائده سماحة الشيخ حسن نصر الله ؛ لأنه يذود عن أمة العرب كلها ، وطبعا عن المسلمين ، ولا فرق في الحق واللباب بين الفريقين .

هما أمة واحدة ، وأعداؤهم فريق واحد متعدد الأطراف ، والخطر الذي يهدد العرب والمسلمين واحد ، ومن أكبر مصادر تعاساتهم وويلاتهم أن أكثر حكامهم ، خاصة العرب ، يخونونهم ويتخندقون بقلوبهم ومالهم وسلاحهم وسياستهم وإعلامهم في جبهة أولئك الأعداء ، ويصنفون من يقاوم هؤلاء الأعداء إرهابيا ، ويحاربونه حربا يتفوقون في ضراوتها وخستها على العدو الذي سلمهم مناصبهم وحماها لهم بتحطيم قوى شعوبهم وشل قدرتها على التخلص من ظلمهم وفسادهم الذي لم يبق شبيه له في العالم كله .

وفي الوقت الذي يرفع  فيه سماحة الشيخ حسن نصر الله سيف الذود عن لبنان والعرب والمسلمين في وجه عدوانية إسرائيل الوقحة تكشف القناة العبرية الثانية عشرة أن الجيش الإسرائيلي نشر منظومة رادارات في الإمارات والبحرين و ” دول أخرى ” بالخليج ، ومعروفة من هي الدول الأخرى ، ونعلم من خلال المعلومات والتقديرات الاستنتاجية أن هذا النشر وسواه من آليات التعاون العسكري والأمني بين إسرائيل وعدة دول خليجية سبق التطبيع العلني بين الطرفين بعشرات السنين متزايدا خلالها تزايدا متسارعا متناغما مع تطورات الأحداث في المنطقة . والأخبار تتحدث عن قرب توقيع معاهدة دفاع مشترك بين إسرائيل وتسع دول عربية برعاية أميركية ، والحجة الفاسدة الكاذبة هي التصدي لإيران .

تعرت  الأنظمة العربية التي أنتجتها المشاريع الاستعمارية الغربية من  كل أوراق التوت التي كانت تواري بها مقابح سوءات خيانتها لأمتها. الآن كل موبقاتها على عينك يا تاجر ! وكثير من هذه الدول التي يسيل لعابها للاستظلال بالحماية الإسرائيلية مضافة إلى الحماية الأميركية ؛ ميزانيتها العسكرية أكبر عدة مرات من ميزانية إسرائيل العسكرية إلا أنها بلا فاعلية في حمايتها لأسباب تنبع من طبيعة النظام السياسي والثقافة الاجتماعية في هذه الدول والأهداف الحقيقية من شرائها الأسلحة بكميات كبيرة .

ولنا أن نوازن إخفاق هذه الميزانيات الكبيرة في حماية هذه الدول ونجاح ميزانية حسب الله الهائلة الضآلة في حماية لبنان ، وخلق واقع ردع متبادل  مع إسرائيل ، وفي قدرتنا المنطقية أن نقول عن المقاومة الفلسطينية في غزة شيئا قريبا مما قلناه عن حزب الله . ردعت إسرائيل عن التحرش بغزة ، وخيبت أهدافها في أربع حروب ، ولدينا اليقين كاملا أنه لولا سلاح المقاومة الفلسطينية على قلته وضعف نوعيته ما انسحبت إسرائيل من غزة ، ولولا هذا السلاح لدخلت قواتها إلى أي مكان فيها حتى بعد الانسحاب مثلما تفعل في الضفة . إسرائيل تخشى ولا تخجل . ولو ملك حزب الله و المقاومة الفلسطينية ما نسبته واحد إلى ألف من الميزانية العسكرية لأي دولة من هذه الدول لشطبا إسرائيل من المنطقة.

ومن عجائب المفارقات أن سارعت أميركا بعد معركة ” سيف القدس ” في مايو 2021 بتقديم معونة عسكرية لإسرائيل ب 730 مليون دولار . ولو منحت المقاومة الفلسطينية أسلحة بمبلغ مشابه لاستغاثت إسرائيل : ” أين المقر ؟! ” . منذ أسبوعين اشتكى قائد إسرائيلي  :” حماس تحبس  مئات آلاف الإسرائيليين رهينة لديها . ” ، ويقصد بهم مستوطني غلاف غزة . وما أبعد الفرق بين من يذود عن الأمة في معركة النفط والغاز الحالية مثلما ذاد عنها في معارك سابقة ، وهو سماحة الشيخ حسن نصر الله  ، وبين كثير من حكامها الذين يخونونها بالتحالف مع الغرب وإسرائيل ، ويعادون من يذود عنهم عداوة ضارية ، عداوة إما نحن وإما أنت ، وحتما الغلبة في الختام لمن يذود عن الأمة لا لمن يخونها . لا يغلب باطلٌ حقا .

* المصدر :رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع