السياسية:

أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة في إفريقيا استمرت أربعة أيام هذا الأسبوع، وشملت التوقف في نيجيريا وأنغولا وتوغو. وفي خضم تغطيتها لهذا الحدث، تبنَّت وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة، خطاباً يشدد على الجهود الإنسانية للبلاد والنهج الخالي من النزعة الاستعمارية تجاه القارة السمراء، وردَّدت تصريحات أردوغان نفسه في العاصمة الأنغولية، لواندا، الإثنين الماضي، 18 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال أردوغان لنظيره الأنغولي جواو لورنسو: “بصفتنا تركيا، فإنَّنا نرفض المقاربات الاستشراقية المتمحورة حول الغرب تجاه القارة الإفريقية. ونحتضن شعوب القارة الإفريقية دون تمييز”.

ويقول موقع Middle East Eye البريطاني، إن مغازلة تركيا لإفريقيا ليست جديدة. فبلدان القارة، بسبب قربها الجغرافي وقاعدتها الاستهلاكية الكبيرة ومواردها الطبيعية، توفر لتركيا فرصة لتحقيق أهدافها الداخلية والإقليمية. فهل باتت تركيا تتحول إلى قوة صلبة؟

سعت تركيا على مدى العقدين الماضيين لتعزيز بعثاتها الدبلوماسية بصورة مطردة، وعززت حجم تجارتها، وزادت جهودها الإنسانية في البلدان الإفريقية.

والآن في ظل انتشار سلسلة من مبيعات الطائرات بدون طيار التركية في أرجاء القارة، والأدوار السياسية والدبلوماسية الفاعلة في أكثر من بلدي إفريقي، يقول محللون إنَّ تركيا ربما تتحرك بما يتجاوز نهج القوة الناعمة لتصبح فاعلاً مُغيِّراً لقواعد اللعبة في السياسة الإفريقية.

فقال إبراهيم بشير عبداللاي، الباحث في العلاقات التركية-الإفريقية بجامعة بايرويت في ألمانيا، لموقع Middle East Eye البريطاني: “دور تركيا في الصومال وغرب إفريقيا، وانخراطها العسكري والدبلوماسي مؤخراً في ليبيا، يُظهِر بوضوح أنَّها تريد توسيع نفوذها في أرجاء القارة”.

انتشار الطائرات بدون طيار التركية

حازت الطائرات دون طيار التركية شعبية في السوق الدولية خلال السنوات الأخيرة، وجذبت حتى بلداناً غربية مثل أوكرانيا وبولندا، بل حتى المملكة المتحدة وفق بعض التقارير.

وامتدت أيضاً لتصل إلى الشواطئ الإفريقية. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، وصلت أول دفعة من الطائرات التركية المسلحة دون طيار إلى تونس على الرغم من التوترات في العلاقات الثنائية بعد صعود الرئيس قيس سعيد في يوليو/تموز الماضي.

وكان المغرب تالياً، فوسَّع مخزونه العسكري بالطائرات التركية دون طيار. وجاءت هذه الصفقة في ظل اندلاع التوترات بين الجزائر والمغرب، على الرغم من علاقات تركيا التي تبدو جيدة مع الجزائر، كما يقول الموقع البريطاني.

وفي وقتٍ سابق هذا الشهر، أكتوبر/تشرين الأول، أفاد موقع African Intelligence أنَّ الجيش الرواندي يضع الطائرات التركية دون طيار نصب عينيه لأجل عملياته العسكرية في موزمبيق. وعلى الرغم من عدم خروج تصريحات رسمية من أي الجانبين بشأن مبيعات الطائرات دون طيار، فإنَّ تركيا طوَّرت بالفعل علاقاتها مع البلد الإفريقي، فأنشأت أكبر ملعب مغلق في رواندا بالعاصمة كيغالي.

أحد البلدان الأخرى التي تتطلع للطائرات التركية دون طيار هي إثيوبيا. وفي حين ظلت التفاصيل طي الكتمان نتيجة للخلاف بين أديس أبابا والقاهرة بشأن مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم، أفادت وكالة رويترز الأسبوع الماضي بأنَّ إثيوبيا وتركيا توصلتا إلى اتفاق للبيع.

وأخيراً، عبَّرت نيجيريا عن اهتمامها بالطائرات التركية دون طيار، وقال بيلو محمد متولي، حاكم ولاية زامفارا، إنَّ هذه الطائرات من شأنها مساعدة الجيش النيجيري في محاربة الجريمة المنظمة.

متى بدأ الاهتمام التركي بإفريقيا؟

تعود جهود تركيا لتوسيع تواصلها مع إفريقيا إلى عام 2005، الذي أعلنته الحكومة التركية “عام إفريقيا”. سافر أردوغان على مدار السنوات الـ19 الأخيرة إلى قرابة 30 بلداً إفريقياً، وهي زيارات أكثر مما قام به أي زعيم آخر غير إفريقي. وزادت تركيا بعثاتها الدبلوماسية في القارة من 12 في عام 2002 إلى 43 عام 2021، في حين تُحلِّق الخطوط الجوية التركية إلى 60 وِجهة في 39 بلداً إفريقياً مختلفاً، ما يجعل من إسطنبول مركز ترانزيت بين إفريقيا والعالم.

علاوة على ذلك، زادت قيمة التجارة بين الجانبين إلى 25 مليار دولار العام الماضي، وهو رقم كان يقارب 4.3 مليار دولار حين وصل أردوغان إلى السلطة عام 2003.

تستخدم تركيا أيضاً مؤسساتها التي تديرها الدولة لتقديم المساعدات الإنسانية والتعليمية. فعلى سبيل المثال، قدمت الوكالة الحكومية التركية المسؤولة عن مساعدة الأتراك المقيمين بالخارج لنحو 6 آلاف طالب إفريقي منحاً كاملة في الجامعات التركية على مدار العقد الماضي.

ويقول الخبراء إنَّ تركيز تركيا على إفريقيا يتعلَّق بتحقيق النجاح الاقتصادي. فقال عبداللاي: “تركيا منجذبة بالثروة الهائلة الكامنة والإمكانات الاقتصادية الإفريقية في ظل وجود سوق يزيد عن مليار نسمة”، مُضيفاً أنَّ هناك فرصاً كافية، لا سيما للشركات التركية المتوسطة والكبرى.

لكنَّ إيمره شاليشكان، الباحث بمركز السياسة الخارجية في أنقرة، قال إنَّ تركيا استثمرات في الغالب في الشركات متوسطة الحجم وليس الشركات الأكبر صاحبة أحجام التجارة الأكبر. وأضاف: “ازدهار حجم التجارة التركية الإفريقية مجرد وهم”، حسب تعبيره.

لكنَّه قال إنَّ مبيعات الصناعات الدفاعية ستكون طفرة حقيقية لاستثمارات تركيا في إفريقيا، لأنَّ هذا النوع من التجارة يتطلَّب “مشاركة المعرفة الفنية ونقل التكنولوجيا والتعاون الأعمق”.

هل باتت تركيا تهدِّد نفوذ الدول الغربية في إفريقيا؟

يتساءل المراقبون ما إن كانت تركيا تنافس الآن القوى الدولية مثل فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين على النفوذ في إفريقيا. برز هذا السؤال إلى الواجهة منذ مكَّنت الطائرات دون طيار التركية الحكومة الليبية المعترف بها دولياً من وقف زحف قائد شرق ليبيا خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس العام الماضي.

وبالمثل، تمكَّن الجيش الأذري المدعوم بالطائرات التركية دون طيار من تخليص أراضيه المحتلة من أرمينيا هذا العام، في حرب إقليم ناغورنو قره باغ. ومثلما أشار العديد من المحللين، ساعدت الطائرات دون طيار التركية في تغيير مسار الحرب.

قال عبداللاي إنَّ النجاح التركي في ليبيا أبان قدرة البلاد على “مواجهة المنافسين وترسيخ النفوذ الاقتصادي والسياسي في بلدان إفريقية معينة”. 

من اليسار إلى اليمين، رئيس توغو فور جناسينغبي، ورئيس بوركينا فاسو كريستيان كابوري، والرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس ليبيريا جورج وياه يتحدثون قبل عشاء عمل ، في لومي ، توغو ، 19 أكتوبر 2021/ AA

اتفق شاليشكان مع ذلك، ووصف ليبيا بأنَّها نقطة تحول بدأت تركيا بعدها تصبح قوة عسكرية وليست مجرد جهة موفرة للمساعدات الإنسانية في إفريقيا. وقال: “تركيا لديها الآن رؤية. فأنقرة تريد تطوير علاقاتها مع دول جوار ليبيا وتأسيس قواعد عسكرية لتصبح قوة عسكرية في شمال القارة”.

لكنَّه يعتقد أنَّ تركيا ليست مهتمة بالاحتفاظ بقوة عسكرية خارج المجال الليبي بسبب التكاليف المالية التي قد يجلبها ذلك. وقال: “تبيع الصين على سبيل المثال الأسلحة للبلدان الإفريقية، لكنَّها تمنحهم قروضاً كذلك. لكنَّ تركيا ليست قادرة على فعل ذلك بسبب اقتصادها المتدهور”.

وقال فولكان إبيك، الأستاذ المساعد بجامعة يدي تبه في إسطنبول، إنَّه يعتقد أنَّ إفريقيا “حقل إعادة تأهيل” للسياسة الخارجية التركية، التي تعطَّلت من جراء التطورات في البلدان المجاورة، لا سيما في سوريا.

وقال إبيك إنَّ تركيا تملك اليد الطولى في مواجهة القوى الأوروبية في القارة لأنَّها لا تملك إرثاً استعمارياً. وأضاف: “لم يكن لدى تركيا قط سياسة (افعلوا ما أريد) أو (افعلوا ما أقول) مع إفريقيا”. لكن على الرغم من هذه الميزة، قال إنَّه لا يعتقد أنَّ لدى تركيا استراتيجية أكبر في إفريقيا بخلاف الاتفاقيات التجارية.

وعلى أي حال، فإنَّ الرئيس أردوغان حريص على تعميق علاقات تركيا مع البلدان الإفريقية. وكانت آخر محطاته يوم الأربعاء الماضي، 20 أكتوبر/تشرين الأول، في نيجيريا الغنية بالنفط، حيث وقَّع 7 اتفاقيات مع نظيره محمد بخاري لتعزيز التجارة الثنائية والاستثمار بقيمة تزيد عن ملياري دولار.

عربي بوست