السياسية – مركز البحوث والمعلومات: خالد الحداء

شهدت أسعار الذهب تراجعاً في بداية أزمة تفشي وباء كورونا وتحوله إلى جائحة عالمية، ومع بداية العام 2020، ولأسباب مرتبطة بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها دول العالم لمنع تفشي الفيروس، حيث ساد التشاؤم أسواق الذهب مع توجه المستثمرين للاحتفاظ بالسيولة النقدية، لا سيما مع قيام الدول بتقييد مختلف الأنشطة بما فيها حرية التنقل داخلياً وخارجياً، وتراجعت أسعار أوقية الذهب إلى 1472 دولار.

ومع تصاعد المخاوف من حدوث موجة ثانية من تفشي وباء كورونا دون أن يكون هناك مؤشرات على قرب إنتاج لقاح أو علاج للقضاء على فيروس كورونا، اشتعلت أسعار الذهب بصورة غير مسبوقة (بعد أن تعاظمت الصدمة الصحية عالمياً) بطريقة لم يشهدها تاريخ سوق الذهب من قبل، حيث سجلت بيانات بورصة الذهب العالمية ولأول مرة تخطي حاجز 2000 دولار للأوقية مع توجه الدول والأفراد للاستثمار وبكميات وفيرة في المعدن النفيس.

 

الاقتصاد العالمي وأزمة كورونا:

بدا التأثير الاقتصادي للأزمة واضحاً، حيث تأثرت العديد من القطاعات المرتكزة على حركة البضائع والأفراد – مثل السياحة وشركات الطيران ومشغلي سفن الرحلات البحرية وخطوط الشحن التجارية، وجعلت الأزمة سلسلة التوريد العالمية الخاصة بالعديد من المنتجات المهمة تحت الملاحظة، و توقفت أغلب الإمدادات الخاصة بالهواتف المحمولة والمعالجات الدقيقة وقطع الغيار لصناعة السيارات، وخفضت العديد من الوكالات الدولية توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي خلال الربع الأول والثاني من العام 2020.

ولم يبالغ خبراء الاقتصاد خلال الأشهر الأولى لتفشي الوباء أن الآثار الاقتصادية الناجمة عن تفشي الفيروس بالغة الخطورة، وبما قد يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وفي هذا السياق، شهدت البورصات في أميركا واوروبا وفي آسيا ومنطقة الشرق الأوسط تراجع ملحوظ، حيث انخفضت الأسهم العالمية إلى أدنى مستوياتها تحت ضغط انتشار فيروس كورونا، كذلك كان النفط من أسرع السلع تأثرا وبصورة سلبية في السوق الدولية، حيث انخفض سعر برميل النفط مع مرور الوقت إلى ما دون سقف الـ18 دولار، وترافق ذلك التراجع مع تعاظم المعروض من النفط الخام.

يشار إلى أنه و في بداية شهر مارس ومع استفحال ازمة انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم هبطت أسعار النفط حوالي الثلثين وهو أقل معدلاتها منذ ما يقارب 18 عاما، ولم تقف تداعيات هذه الازمة عند هذا الحد ولكنها تفاقمت بعد أن رفعت كلا من روسيا والسعودية إنتاجهما من النفط  بعد أن اخفق اجتماع فيينا لتحالف دول “أوبك +” في التواصل إلى تخفيض الإنتاج، للتشكل بعد ذلك مباشرة بوادر أزمة ما بين أكبر منتجين للنفط في العالم.

ولكن الضغوط الدولية دفعت منتجي النفط في تحالف دول “أوبك+” للدخول في اتفاق واسع يقضي  بتخفيض إجمالي بمقدار  10.0 مليون برميل يومياً، ولمدة شهرين تنتهي في 30 يونيو 2020، وخلال الأشهر الستة التالية سيكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو 8 مليون برميل يومياً. ويتبع ذلك تخفيض قدره 6 مليون برميل يومياً لمدة ستة عشر شهراً تنتهي في نهاية أبريل 2022.

ويرى العديد من المراقبين أن الاتفاق اعاد “إلى حدا ما” شيء من التوازن “المفقود” لأسواق النفط خاصة وأن مقدار خفض الإنتاج لا يتناسب مع قرارات الحجر الصحي بسبب جائحة فيروس كورونا والتي انعكست على أبرز القطاعات كالصناعة والنقل في بلدان كثيرة حول العالم، وشكلت الأزمة الصحية صدمة إضافية غير منتظرة لأكبر اقتصادين في العالم، خاصة بعد تصاعد التوترات التجارية في عامي 2018 و2019 بين الولايات المتحدة الامريكية والصين، ولم يقف التأثير على دولة دون أخرى خاصة مع تفشي الوباء إلى عشرات الدول وفي مقدمتها دول ذات تأثير كبير على الاقتصاد العالمي “كوريا الجنوبية – اليابان –إيطاليا ” وهو ما يعني تعاظم الأزمة وتأثير يشمل الاقتصاد العالمي بصورة أكبر.

وبناء على ما تقدم، وكما هو معلوم أن أسعار الذهب مرتبطة بصورة مباشرة  بحالة الاقتصاد العالمي، حيث يكون إقبال الدول والأفراد على الاستثمار في الذهب محدود “إلى حداً كبير” عند انتعاش ونمو الاقتصاد والتجارة، وفي حالة كانت هناك هزات كبيرة للاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، تنهار الثقة في مختلف التوجهات الاستثمارية وهذا يجعل الثقة بالعملات والأسهم وسوق المال تهتز باهتزاز العالم في تلك الأزمات.

وبالتالي فإن الإقبال على الذهب هو البديل الأكثر رواجا لكونه الاستثمار الاقوى والامثل خلال الازمات ولكونه الملاذ الآمن، الذي يعوض الخسائر أو يقلل منها، ولا مبالغة في القول: أن الأحداث أثبتت أن الذهب كسلعة قادر على التكيف والتأقلم على اختلاف نوعية وشدة الأزمة، بما فيها السياسية والاقتصادية والصحية والكوارث الطبيعية، وفي ظل عدم السيطرة على أزمة كورونا في البدايات كان من الواضح أن الاقتصاد في أزمة حقيقية.

ويُعتقد أن طول فترة الأزمة الصحية ساهم في تحقيق مزيد من المكاسب فضلا عن أن التوجس والخوف من موجهة ثانية من انتشار الفيروس يدفع إلى مزيد من الطلب على المعدن النفيس، وتعاظم هذا التوجس مع تعطيل أعمال التنقيب بنحو 60% مقارنة بنشاط التنقيب في ذات الفترة من العام 2019م.

يشار إلى أن إقبال المستثمرين على الذهب تزامن مع نقص كبير في إنتاج بعض الدول بسبب الاجراءات الصحية الاستثنائية المتخذة للحد من انتشار الفيروس.

تتصدر الصين منذ 2010 قائمة الدول المنتجة للذهب على مستوى العالم من حيث إنتاج الذهب، حيث بلغ إنتاجها 440 طن خلال عام 2018 من الإنتاج العالمي، وتتقدم الصين بهذا الحجم من الإنتاج على أستراليا والتي تعد ثاني أكبر منتج للذهب في العالم وبقدرة إنتاج 310 طن ثم روسيا  بمعدل إنتاج بلغ 295 طن وارتفع انتاجها بشكل كبير خلال العقد الأخير، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الرابعة من بين أكبر الدول المنتجة للذهب وبمعدل إنتاج سنوي بلغ 210 طن، وفي المرتبة الخامسة تحل كندا وتنتج 185 طن من الذهب سنوياً، وفي المرتبة السادسة تحل بيرو وبقدرة إنتاج 145طن سنوياً، وسابعاً تحل دولة غانا وبمعدل إنتاج 130طن سنويا، ومن ثم المكسيك في الترتيب الثامن وبإنتاج قدره 125طن سنويا، وتعد جنوب أفريقيا تاسع أكبر منتج وبـ 120 طن، بعد أن كانت تتصدر الإنتاج العالمي خلال العقود الماضية ولكن ولأسباب ارتفاع كلفة التعدين وزيادة التعقيدات والصعوبات المرافقة للإنتاج انخفاض الإنتاج في جنوب أفريقيا على الرغم من احتوائه على ثاني أكبر احتياطي في العالم من المعدن.

وخلال نصف قرن من الزمن تفاوتت أسعار الذهب بصورة كبيرة، لكونها مرتبطة بالأحداث السياسية والاقتصادية والكوارث الطبيعية، وكذلك بسبب تأثرها المباشر بأسعار الدولار والنفط وزيادة الاستثمار ومعدل التضخم واحتياطيات الذهب وتغير معدلات الفائدة في كبرى البنوك المركزية.

وفيما يخص الاحتياطات حول العالم وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي في شهر يوليو 2020، تستمر الولايات المتحدة في موقع الصدارة عالمياً مع امتلاكها نحو 8133 طن من الذهب، وتحل ثانياً ألمانيا وباحتياطي قدره 3364 طن من الذهب ، فيما يأتي صندوق النقد في المركز الثالث وبمقدار احتياطي 2814 طن، وفي المرتبة الرابعة إيطاليا وبمعدل 2451 طن، وفرنسا خامساً وبـ 2436 طن ومن ثم دولة روسيا الاتحادية وباحتياطي يقدر بـ 2299 طن، وعلى الرغم من تصدر الصين الإنتاج العالمي إلا أن إجمالي احتياطيها يقدر بـ 1948 طن محتلة المركز السابع، ومن ثم سويسرا تليها اليابان وفي المركز العاشر الهند وباحتياطيات 1040 و 765 و654 على التوالي.

ويكفي القول، أنه بالرغم من حالة الشكوك تجاه إعلان روسيا عن نجاحها في تطوير لقاح ناجع يوفر المناعة ضد فيروس كورونا، إلا أن أسواق الذهب كانت أسرع استجابة من غيرها بعد أن سجلت انخفاض في الأسعار إلى ما دون 2000 دولار، والمؤكد إن أسعار المعدن الأصفر سوف تبقى مرتفعة كما هي عليه الآن، وسوف تظل مرتبطة بمدى توفر علاج شاف لمرض كوفيد-19 ‏أو الوقاية منه، ولن يكون مستغربا في ظل تقلبات السوق أن نصحوا غداً على أسعار منخفضة للذهب ومع خسائر قد تتعدى المكاسب التي حققها خلال الأسابيع الماضية، ولكن ذلك التوقع لن يلغي حقيقة أن المسار خلال العقود الماضية يشير أن الصعود في قيمة المعدن النفيس هي دائماً السمة الغالبة.

المصادر:

– ماثيو هارت، ترجمة: محمد مجد الدين باكير، الذهب “التنافس على أكثر معادن العالم إغراء”، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، الكويت، 2018.

– د. بسام الحجار، اقتصاديات الذهب، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، 2006.

– أحمد حاتم، مخاوف موجة ثانية لـ”كورونا” تزيد بريق الذهب، وكالة الأناضول للأنباء.

– خالد الحداء، أزمة كورونا ومستقبل الاقتصاد الصيني والعالمي، مركز البحوث والمعلومات، وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”.

– ملاذ آمن من موجة ثانية لكورونا.. الذهب يصعد لأعلى مستوياته في 8 سنوات، الجزيرة.

– الذهب ملجأ المستثمرين في عالم قلِق… كيف يتفاعل مع كورونا؟، العربي الجديد.

– “الذهب” يكسب فى الحرب التجارية، جريدة “البورصة”.

– الاستثمار في الذهب، ويكيبيديا (الموسوعة الحرة).