السياسية || محمد محسن الجوهري*

في حفل التنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، والذي تم وبطقوس توراتية تؤكد صهيونية إدارته المقبلة، استفتح دونالد ترامب ولايته الأخرى بكيل الشتائم لسلفه جو بادين، واتهمه بالخيانة وتقنين الفساد والفشل في إدارة الأزمات المحلية، كحرائق لوس أنجلوس وإعصار فلوريدا، وعدم توفير أبسط الخدمات للشعب الأمريكي، ومحاباة المجرمين.

كل ذلك بحضور بايدن نفسه، والذي لم يبعد عنه سوى خطوات قليلة في تصرفٍ فض يعكس طبيعة السياسة الأمريكية، ويتجاهل كل الأعراف الرسمية المعتادة من قبل الساسة الغربيين، كما ويكشف أن البأس بين الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) شديد، وإن كانوا في الظاهر متحالفين ضد العرب والمسلمين.

في حفل التنصيب الذي أقيم في الكونغرس، والذي يُعتبر الأول من نوعه منذ أربعين عامًا، تجلت أبعاد جديدة من السياسة الأمريكية المعاصرة. وقد جاءت الطقوس التي تم اتباعها في هذا الحفل لتؤكد على الصبغة الصهيونية للإدارة الأمريكية الجديدة، وبأن الشعب الأمريكي لا يزال قابعاً تحت الهيمنة اليهودية.

علاوة على ذلك، انتقد ترامب بايدن لعدم توفير أبسط الخدمات الأساسية للشعب الأمريكي، مؤكدًا على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين. كما أشار إلى ما اعتبره محاباة للمجرمين، في إشارة للمهاجرين الذين اتهمهم بمعاداة أمريكا، ومصادرة ثرواتها، متوعداً بطردهم من البلاد وإعلان حالة الطوارئ على الحدود مع المكسيك، الممر الرئيسي لتهريب المهاجرين، حسب توصيفات ترامب.

هذه التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة، بل تكشف واقعًا سياسيًا معقدًا يتسم بالصراع الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث يظهر كل منهما في صورة المدافع عن قيم مختلفة ومتناقضة. ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر هو كيفية استجابة هذه الإدارات للمشكلات الحقيقية التي تواجه المجتمع الأمريكي، ومنها سياسة الضرائب التي يذهب أغلبها لحماية حدودٍ أخرى، كما ذكر الرئيس الجديد، ولعله يلمح إلى استحواذ اليهود على أغلب الإيرادات الأمريكية.

إضافة إلى ذلك، توعد ترامب تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وجبل دينالي إلى جبل ماكنلي، والأخير بالذات، يُعد استفزازاً للسكان الأصليين لولاية ألاسكا، حيث يُعرف الجبل لديهم بـ "دينالي"، وفي ذلك عنصرية صريحة ضد سكان البلاد، وتجاهل لثقافتهم الشعبية، كما أن خليج المكسيك معروف بهذه التسمية من قبل تأسيس الولايات المتحدة نفسها.

وبعد حفل التنصيب، عقد ترامب أول مؤتمراته الصحفية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وكان أول سؤال له عن أولى رحلاته الخارجية، فأجاب بأنها إلى المملكة المتحدة، كما هو العرف السائد لدى كل الرؤساء الأمريكيين من قبله، إلا في حال دفعت السعودية مبلغ 500 مليار دولار مرة أخرى حتى تحظى بشرف استضافته، كما سبق وفعلت في ولايته الأولى.

هذا التصريح أثار تساؤلات عديدة حول دوافع ترامب، إذ اعتُبر بمثابة ابتزاز للسعودية. كما أنه يعكس النظرة الأمريكية تجاه المملكة باعتبارها "بقرة حلوب"، حيث يُفترض أن يدفع حكامها مئات المليارات مقابل زيارة رئيس أمريكي. هذه النظرة الدونية من الصعب قبولها من أي حاكم آخر، ومن البديهي أن ترفض دولة مثل بريطانيا نفسها زيارة ترامب لو أنه وضع شرطًا مشابهًا.



* المقال يعبر عن رأي الكاتب