السياسية || محمد محسن الجوهري*

في الإعلام، هناك حيلة للتركيز على جانب معين لتسليط الضوء عليه، سواءً للتلميع أو الشيطنة، تُسمى بأسلوب "الانحياز التأكيدي"، وتُعرف أيضاً بسياسة جني "حبات الكرز" (Cherry picking)، حيث يتم التركيز على جانب محدد والحديث عنه بشكل مسهب ليبدو في الصورة وكأنه كارثة لم يسبق لها مثيل، وقد مارست شبكة الجزيرة هذا الأسلوب بقوة ضد نظام الأسد في سورية، وعملت على شيطنته من خلال المبالغة في انتقاد أخطائه، والحديث عنها بشكل متكرر بهدف التشويه الممنهج، حتى صار نظام الأسد هو الأسوأ بين كافة الأنظمة العربية، رغم أنه من أقلها سوءاً على جميع الأصعدة.
مع سقوط النظام، برز الحديث عن سجن صيدنايا، وكأنه السجن الوحيد في العالم العربي، ونسجت الجزيرة حوله القصص والأساطير المرعبة، لدرجة أن الحديث عن صيدنايا بات مسلسلاً من حلقات وأجزاء منفصلة، كل ذلك لإقناع الشعب السوري أنه تخلص من نظامٍ قمعي، وأن النظام الجديد أقل منه همجيةً، ولو كان الأسد ووالده عملاء للحركة الصهيونية لتجنبا الكثير من ذلك التشويه.
كما لو أن طرفاً يمتلك إمكانيات الجزيرة، عمل على تسليط الضوء على سجون قطر، لرأى العجب العجاب من حجم الانتهاكات الإجرامية لسلطة آل ثاني، لكن ليس هناك من يعمل على ذلك، فأغلب الدول لا تملك ما تملكه قطر من إمكانات دعائية، باستثناء دول الخليج والتي بدورها تتجنب مثل هذه المواضيع خوفاً من مصير مماثل، فسجونها لا تقل إجراميةً عن سجون قطر.
كما أن المنظمات الدولية تتجاهل الحديث عن مأساة حقوق الإنسان في دول الخليج، ومنها قطر. وإذا تحدثت عن انتهاكٍ ما، فسيكون حول الشواذ والمثليين، كما تفعل منظمة هيومن رايتس ووتش، المتخصصة في الترويج للشذوذ في العالم العربي، وتتغاضى عن حجم الكوارث الفعلية لأغلب الأنظمة الحاكمة، فقط لأنها عميلة للغرب وللصهيونية العالمية.
ولذلك، فإن المعلومات المتوفرة عن سجون قطر لا تزال ضئيلة، إلا أن البلاد، رغم صغر مساحتها، تكتظ بالسجون الرسمية وغير الرسمية. والبعض منها مخصص للعمالة الوافدة، فيما تلك المخصصة للمواطنين أشد وأنكى، بشهادة الكثير من المعارضين القطريين في الخارج، حيث أن الحديث عن الأسرة الحاكمة جريمة عقوبتها التغييب القسري وربما الموت.
وكذلك الحال في سائر الدول الخليجية، وسيبقى الحديث عنها مغيباً حتى تخرج من إطار العمالة والتطبيع. عندها سنسمع الإعلام الغربي وأدواته يسهب في الحديث عنها وعن بشاعتها وكأنها سابقة في التاريخ، ولا بوكي اليوم للآلاف المؤلفة من نزلائها حتى إشعارٍ آخر.
إن صمت المجتمع الدولي تجاه أوضاع حقوق الإنسان في قطر وغيرها من دول الخليج يثير تساؤلات جدية حول المعايير المزدوجة التي تُطبق في سياقات مختلفة. للأسف، تبقى الكثير من الانتهاكات بعيدة عن الأضواء، مما يتيح للسلطات الاستمرار في تجاهل حقوق الأفراد دون خوف من المساءلة.
كما تظهر التجارب في بعض السجون، مثل تلك المخصصة للعمالة الوافدة، أن هناك تمييزًا واضحًا بين فئات المحتجزين، مما يعكس التحديات المعقدة التي تواجهها المجتمعات المتعددة الثقافات. ومن الضروري أن يتم التعامل مع هذه القضايا بعناية وموضوعية، مع مراعاة كل جوانبها.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب