العمالة... علاجها الموت
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ماذا لو اكتشفت السعودية خليةً تُعكّر صفو أمنها الداخلي؟ لا ريب أن حكم الإعدام سيكون هو الجواب. فالسعودية تُنفذ عقوبة الإعدام في قضايا تُعتبر أقل خطورة من العمالة، مما يعكس سياسة صارمة تجاه الأمن القومي.
هذه الظاهرة لا تقتصر على السعودية وحدها؛ بل تشمل معظم الأنظمة في العالم، بما فيها تلك التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. ففي لحظات الأزمات، وعندما تواجه هذه الأنظمة تهديدًا قوميًّا، تتخلى سريعًا عن مبادئها وتتبنى سياسات قمعية.
على سبيل المثال، خلال الحروب العالمية، ضُيّق الخناق على الشيوعيين واليابانيين في الولايات المتحدة، حيث تم اعتقال العديد منهم وتعرضوا لمعاملة قاسية وغير إنسانية. هذه الحالات تبرز كيف أن الحكومات، رغم ادعاءاتها، قد تلجأ إلى إجراءات صارمة في أوقات الأزمات.
وفي الاتحاد السوفيتي، وُجدت حملات تطهير استهدفت المثقفين والنشطاء، حيث وُجهت إليهم تهم العمالة أو الخيانة. وبالمثل في الصين، يُعتبر أي شكل من أشكال المعارضة السياسية تهديدًا للأمن القومي، ويتم التعامل معه بحزم، بما في ذلك الإعدام. هذه الحالات تُظهر أن مفهوم العمالة ليس مجرد مسألة قانونية، بل هو أيضًا مسألة سياسية وثقافية تتعلق بكيفية رؤية الأنظمة لتهديداتها الداخلية والخارجية.
في نظر هذه الأنظمة، تُعد العمالة خيانة عظمى تستوجب أقصى العقوبات. لذا، يُعتبر الإعدام وسيلة للردع وحماية الأمن القومي، حتى وإن كان ذلك يتعارض مع المبادئ التي تُروّج لها هذه الأنظمة على الساحة الدولية.
العمالة تعني بشكل عام أي نشاط يتضمن تعاون فرد أو مجموعة مع جهة خارجية للإضرار بمصالح وطنهم. وقد تتخذ هذه العمالة أشكالًا متعددة، كالتجسس أو التخريب أو التحريض على الفتنة. ويُنظر إلى هذا النوع من السلوك باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، مما يجعل ردود الأفعال تجاهه قاسية ومباشرة في جميع أنحاء العالم.
ومن الأمثلة المقاربة للوضع في اليمن ما حدث لحزب الله في لبنان، حيث تقاعست الدولة والجهات الرسمية عن القيام بدورها في حماية الأمن القومي، ورفضت اعتقال الخلايا المتعاونة مع الكيان الصهيوني. كما أُفرج عن العديد منها بعد ثبوت ضلوعها في أنشطة تجسسية وتخريبية، مما جعل حزب الله محاطًا بالعملاء والجواسيس، ويصعب عليه التعامل معهم بحزم خارج إطار الدولة اللبنانية. وُجهت إليه تهم طائفية في حال تحرك ضد أي طرف يخدم الصهاينة وينتمي لطوائف أخرى، وقد أدت هذه الظروف إلى أن تصبح الجاسوسيّة مهنة رسمية يتسابق عليها عبدة المال، حتى من بين الزعماء السياسيين، ولو على حساب المجازر الدموية التي يرتكبها الكيان الصهيوني.
وحرصًا على عدم تكرار هذه المآسي في اليمن، فإنه يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة من الجهات المعنية لردع الجواسيس والعملاء. نحن في وضع مُشجّع لاستقطاب الخونة وتجنيدهم، ولا سبيل لإنهاء هذا النوع من الجرائم سوى بالتنكيل بكل من تثبت عليه التهمة، فالقصاص حياة للمؤمنين.
أي تسامح أو توطؤ يُعدّ بمثابة تشجيع للكيان على تجنيد المزيد من العملاء. وليس سوى الموت ما يرعب عبدة المال، ويحول دون تحقيق المخططات الصهيونية الخبيثة. الرد بالمثل على النظام السعودي حق مشروع، ولو بطرق مختلفة، فهناك الكثير من نقاط الضعف ومكامن الوجع التي يمكن أن تُردعها عن العودة لمثلها. وهذا حق من حقوق الشعب اليمني ينبغي تنفيذه بحذافيره، حتى لا تصبح البلاد ساحةً للعملاء والخونة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب