السياسية:


عشية تصويت الفرنسيين في الانتخابات البرلمانية الأوروبية تتكاثر استطلاعات الرأي، التي تتفق في التوجهات العامة من حيث صعود حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وتراجع حزب الرئيس ايمانويل ماكرون للمركز الثاني، والاختلافات ضئيلة فيما يتعلق بالنسب التي سيحققها كل حزب


تضع استطلاعات الرأي:
حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في المرتبة الأولى مع نسبة تتراوح بين 31⁒ و33⁒.
حزب "النهضة" (حزب الرئيس ماكرون) وحلفائه في المرتبة الثانية مع نسبة بين 15⁒ إلى 15.5⁒
الحزب الاشتراكي في المركز الثالث مع نسبة تتراوح بين 13⁒ و14⁒
حزب "فرنسا الأبية" اليسار الراديكالي في المركز الرابع مع نسبة تتراوح بين 7⁒ و9⁒
حزب "الجمهوريون" اليمين التقليدي في المركز الخامس مع نسبة تتراوح بين 6⁒ و7⁒
حزب "الخضر" والمدافعون عن البيئة في المركز السادس مع نسبة بين 5⁒ و6⁒


الحملة الانتخابية
تنوعت محاور الحملة الانتخابية لكل من هذه الأحزاب بين حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي على قضايا الهجرة وارتفاع نسبة الجريمة في فرنسا، وتصاعد خطر التطرف الإسلامي في صفوف المهاجرين والفرنسيين المسلمين، وأبدى تضامنا كاملا مع إسرائيل، متهما منتقديها بمعاداة السامية، فيما رأى فيه البعض محاولة للحصول على أصوات اليهود الفرنسيين.

وحاول حزب الأغلبية الرئاسية "النهضة" التركيز على أهمية الاتحاد الأوروبي واستثمار الحرب الأوكرانية والدعم الذي تقدمه فرنسا لأوكرانيا، مشيرا إلى العلاقات القديمة التي ربطت مارين لوبن زعيمة حزب "التجمع الوطني" بروسيا، حيث حصلت على قرض لتمويل حملتها الرئاسية الأخيرة من بنك روسي، وعلاقتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أما حزب "فرنسا الأبية" فقد اقتصرت حملته على التضامن مع الفلسطينيين في غزة، فيما اعتبره خصومه محاولة للحصول على أصوات الفرنسيين من أصل عربي إلى جانب تيارات اليسار المتطرف.

وحاول حزب "الجمهوريون" اليميني التقليدي اقتناص بعض أصوات اليمين المتطرف من خلال تشديد اللهجة ضد سياسة الهجرة التي يطبقها ماكرون، والتركيز على ضعف السياسات الأمنية في مكافحة الجريمة

وخاض الخضر حملة انتخابية تقليدية للدفاع عن البيئة ودعم السياسات الخاصة بهذا الشأن، وبالرغم من بروز حقيقة أزمة البيئة في التغييرات المناخية، والكوارث الطبيعية التي تعاني منها مختلف بلدان العالم، ومنها فرنسا، فإن الخضر الفرنسيين لم يتمكنوا، على ما يبدو من إقناع الناخب الفرنسي.

ومن الجدير بالذكر أن استطلاعات الرأي الخاصة بمحاور الاهتمام الرئيسية للناخب الفرنسي، كانت قد وضعت انخفاض مستوى المعيشة في المركز الأول، ويليه في المركز الثاني قضية البيئة أمام أزمة الهجرة والأمن في المركز الثالث، وفي استطلاعات أخرى تقدمت أزمة الهجرة إلى مركز الاهتمام الثاني لدى الفرنسيين، أمام ملف البيئة.

دلالات النتائج المنتظرة
تعامل الناخب الفرنسي، حتى الآن، مع انتخابات البرلمان الأوروبي كفرصة للتعبير عن مشاعره تجاه رئيس البلاد، ونظرا لأنها تجري عادة في منتصف ولاية رئيس الجمهورية، فإن هذه المشاعر والرسالة التي يرسلها الناخب للرئيس عادة ما تكون سلبية، مثال ذلك الرئيسان السابقان نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند اللذان خسرا هذه الانتخابات.

الجديد هو أنها لن تكون الرسالة السلبية الأولى التي يتلقاها الرئيس ايمانويل ماكرون، ففي الانتخابات التشريعية الفرنسية لم يمنحه الفرنسيون الأغلبية المطلقة، التي كانوا يمنحونها دوما لرئيس البلاد.

ولن ينظر المراقبون لترتيب القوى، وإنما بالدرجة الأولى لنسبة المشاركة وإذا كانت ستتخطى نصف عدد الناخبين، كما سينصب اهتمامهم على الفارق في نسبة الأصوات بين اليمين المتطرف وحزب الرئيس، فإذا تمكن جوردان بارديلا رأس قائمة اليمين المتطرف من الحفاظ على النسبة التي منحته إياها استطلاعات الرأي أو تجاوز نسبة 35⁒، سيكون قد حقق انتصارا يحمل مؤشرات على الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما إذا لم يبلغ نسبة 30⁒ فستعتبر هزيمة له.

وإذا ظلت قائمة حزب الرئيس على حالها في استطلاعات الرأي – أي نصف أصوات اليمين المتطرف – فإن الأمر سيشكل هزيمة كبيرة بالنسبة لها

اليمين التقليدي يلعب في هذه الانتخابات مصيره، وينتظر المراقبون لمعرفة ما إذا كان سيواصل تراجعه، أم سيتمكن من الاحتفاظ بأصواته أو تحقيق بعض التقدم.

يسارا، تختلف الصورة بعض الشيء، إذ يسجل المحللون بالفعل أن القائمة الاشتراكية أعادت شيئا من الحيوية لهذا الحزب الذي عاد من جديد ليحقق نسبا تتجاوز وضع الانهيار الذي عانى منه، كما يرصدون تقدما بسيطا حققه حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، ويتساءلون عما إذا كانت استراتيجية التركيز على التضامن مع القضية الفلسطينية ستؤدي لتقدم نسبي لهذا الحزب.

المهم أن نتائج اليسار ستعيد رسم التوازنات في هذا المعسكر، بل وستعيد تركيب التحالفات بين اليسار التقليدي والراديكالي، واختيارات مرشحهم المقبل في الانتخابات الرئاسية.

النتيجة الرئيسية لهذه الانتخابات تتعلق باليمين المتطرف، وسواء حقق النتائج التي يريدها أم لا، فإنه نجح في الربط بين أزمة الهجرة وارتفاع نسبة الجريمة وغياب الأمن، وساعدته في ذلك قنوات إعلامية خاصة خاضت المعركة صراحة إلى جانبه، بل وعلى يمينه أحيانا.

كما نجح حزب "التجمع الوطني" من الاستقرار في الخريطة السياسية الفرنسية كحزب عادي مثله مثل الآخرين، يمكن للبعض التحالف معه، وتستضيف كافة وسائل الإعلام قادته والحديث معهم كأي سياسيين من تيارات أخرى، وهو عكس الوضع الذي كان قائما قبل سنوات قليلة.