أحمد فؤاد

الحدث: احتفال التحرير في بنت جبيل.
التاريخ: 25 آيار/ مايو 2000.
المناسبة: كلمة سماحة الأمين العام التي جاء فيها جملة “والله إن إسرائيل هي أهون من بيت العنكبوت”.

بعد 23 سنة و133 يومًا، بالضبط من هذا التاريخ، وفي يوم مشرق وضيء من تاريخنا العربي، وميلاد لحظة مجيدة، سيكون لها كل ما بعدها، ليس هناك تعبير بليغ أو لفظ رنان، يصف هذه اللحظات من أعمارنا، سوى قول سماحة السيد، الجملة تختصر الحقيقة الوحيدة القائمة في المنطقة، بعد ما جرى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر2023.

اليوم، وفي ظل مناخ في المنطقة والعالم يشبه ظروف نصر تموز 2006 المجيد، وفجأة، ومن المستحيل، أخذ الشعب الفلسطيني البطل وفصائله المقاومة، الحرب مع كيان العدو إلى طريق جديد تمامًا، بالقيام بأروع وأعظم هجوم تحريري في تاريخها، هجومًا استوعب كل الدروس والمعاني السامية وكسر كل أسباب التردد وعدم الحسم أو تأجيله إلى غير رجعة.

قد لا يكون هذا اليوم مناسبًا للحديث فيما تحقق فعلًا، وعلى الأرض، فالمعارك لا تزال في بدايتها، لكن من الواجب وضع عدة حقائق جديدة قد أنجزتها المقاومة في صراعنا الشامل والطويل والمرير أمام العدو، كيف تمكن ثلة مقاومين معزولين من كسر الجيش الصهيوني، وفضحه أمام الكاميرات والشاشات، وتحويله من “الأمل الموعود” بالأمن والرخاء للسعودية ومصر والإمارات والمغرب والبحرين، وغيرها من أنظمة الخونة، إلى مجموعة من الجرذان يفرون بملابسهم الداخلية، عاجزين عن التفكير في مواجهة، ولا تسيطر على أذهانهم إلا فكرة الهروب.

ــ للأمانة، فإن هجومًا على مدن فلسطين المحتلة، بغية تحريرها وتحقيق مبدأ نقل المعركة منذ لحظة اشتعالها، إلى نار محرقة تصل إليه وإلى مستوطنيه وإلى مدنه، كانت متصورة من جبهة الشمال، حيث الركن الحصين “حزب الله”، والتدريبات والمناورات التي سمح بنشرها، في تموز الماضي، منحتنا الأمل بهذه الفكرة، رغم جسارتها، وتهيب الدقائق الأولى للتفكير في إمكانياتها.

اليوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، له أن يخلد بين بقية أيام انتصاراتنا على العدو، وهي معدودة، قليل هو اليوم الذي كسرنا فيه ذراع الكيان ونهشنا لحمه وحطمنا غروره على رأسه، هذا اليوم شهد نقلة نوعية هائلة في “أخلاقية الهزيمة” التي أدمنت الأنظمة العربية السقوط فيها، ثم حولتها إلى حقيقة تشرب الشعوب العربية منها ليلًا ونهارًا، وفقدت بالتالي الأمل في كل السلاح الذي نملكه ويملكنا “المقاومة”.

حتى هذه اللحظة سقط من الصهاينة 350 قتيلًا، وأكثر من 1000 جريح، وعدد من الأسرى قالت المقاومة الفلسطينية إنه في حدود 35 أسيرًا، للمقارنة الرقمية ليس إلا، والأرقام رغم جفافها وبرودها تمنح الرائي فرصة واضحة وقاطعة للحساب، فقد الكيان الصهيوني في حرب حزيران 1967، على ثلاث جبهات قتال، وأمام 3 جيوش عربية ضخمة العدد فائقة التسليح، أقل من 750 قتيلًا، في أيام القتال الست!

الإنجازات الفلسطينية التي تحققت فورًا من العملية الجريئة وغير المسبوقة لاكتساح نقاط جيش العدو، والوصول إلى مستوطنات غلاف غزة، هي عملية نفسية في المقام الأول، فمشاهد الدبابات المدمرة والشاحنات وصور الأسرى، ورفع الأعلام الفلسطينية في ساحات المستوطنات والبلدات، سيجعل بإنهيار وشيك، أسبابه قائمة ومستمرة في كيان العدو.

النقطة الأخطر في مواجهات اليوم السبت المبهج، أن إمكانات المقاومة الفلسطينية البطلة، لم تضمن لها فقط التشويش على رادارات العدو ونقاط مراقبته على قطاع غزة وشل فاعليتها تمامًا، لكن في تطور الصواريخ الفلسطينية، التي فضحت بشكل نهائي وكامل زيف الدعاية الصهيونية حول “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود”، كل تلك الأكاذيب التي ملأوا الدنيا بها عن عبقريتهم وتفوقهم وتقدمهم.

وإذا ما وضعت الصور جوار بعضها، للخروج بنتيجة، فإن الفلسطيني اليوم أنجز كبرى خطواته على طريق نضاله المستمر والطويل، ليس فقط أمام العدو المتهاوي الجبان، لكن أمام الشعوب العربية التي تسعى أنظمتها إلى فرض التطبيع مع العدو باعتباره أمر واقع، يحمل لهم المصلحة والأمن والرخاء، إنهم يدمرون بنيان الخيانة ويضربون الزيف عند أساسه تمامًا، والقادم للجميع أصعب...
في خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، لذكرى المولد النبوي الشريف، قبل 3 أيام من انطلاق عملية بركان الأقصى، وفي إطار حديثه عن “المستقبل” في إطار رؤية سماحته لسيرة النبي العطرة، قال نصًا: “هذا وعدٌ إلهي سيتحقق، ولذلك نحن المؤمنين بكلمات الله وأحاديث وإخبارات ‏رسول الله(ص)، ننظر إلى المستقبل بأمل بل بما هو أعلى من الأمل، باليقين، يقين مستقبل ‏البشرية”.

  • المصدر: موقع العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع