إيهاب شوقي

يحمل يوم القدس هذا العام سمات خاصة ورسائل غير مسبوقة يوجهها محور المقاومة للعدو الصهيوني وعلى مستويات سياسية وعسكرية عدة.

من حيث السمات الخاصة، فإن هذا العام يشهد بدايات لتبلور نظام عالمي متعدد الأقطاب، لم يعد الراعي الرئيسي للعدو الصهيوني هو القطب الوحيد، وصاحب قرارات العقوبات والحصار وفرض التطبيع بالقوة، كما يشهد نوعا من الواقعية السياسية لدى الدول الإقليمية، باتت تؤمن معها بانعدام جدوى حصار المقاومة واستعدائها وبحتمية الحوار والتهدئة معها، ناهيك عن الأوضاع الخاصة بالكيان الصهيوني، سواء الداخلية وما يشهده العدو من انقسامات وصراعات بينية غير مسبوقة، وخارجية تتعلق بتوتر حقيقي مع الإدارة الأمريكية والأنظمة الغربية التي تتغنى بالليبرالية على خلفية سيطرة التطرف رسميا على مقاليد الحكومة وتصدره لواجهة الكيان المؤقت.

ومن حيث رسائل المقاومة، فقد توجت المقاومة بشكل سياسي الرسائل العسكرية لجولة الصراع الأخيرة والتي شهدت وصول مختلف الجبهات لحافة الهاوية بعد انطلاق الصواريخ من لبنان وسوريا وغزة، والتي حبس العدو معها انفاسه وتوقف عن التصعيد الذي يصل بالأمور لسقف المواجهات الحتمية، واكتفى بحفظ ماء الوجه عبر عدد صواريخ هزيل في أماكن فارغة.

وهذا التتويج السياسي جاء عبر عدة رسائل سبقت يوم القدس وتزامنت معه ويمكن رصدها كما يلي:

1ـــ استقبال سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية، وذلك وسط المعركة الدائرة في فلسطين المحتلة، وهي رسالة سياسية تتخطى نطاق الدعم بين حركات المقاومة لتصل لنطاق وحدة الساحات المقاومة ووجود الساحة اللبنانية كشريك في معركة القدس، باعتبارها معركة واحدة، وهو تفعيل لمبادرة وحدة القدس وتذكير للعدو بها.

2ـــ صمت المقاومة في لبنان عن التأكيد أو النفي بشأن الصواريخ التي أطلقت من لبنان، وهو صمت أربك العدو وجعل يده مغلولة في الرد، وخرج على إثره هذا الرد الهزيل الذي يقدم دليلا مضافا على أن العدو مردوع في لبنان.

3ـــ فعالية منبر القدس والتي شهدت مشاركة من جانب دول وحركات محور المقاومة، وهي رسالة وحدة وتذكير بأن محور المقاومة هو محور القدس ولن يسمح للعدو بابتلاعها ولا بالتمادي في العدوان عليها وعلى الفلسطينيين.

4ـــ الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي لمحور المقاومة تحت عنوان “جاهزون”، وهو أقوى رسالة عسكرية حمل رغم قصر زمنه رسائل متعددة الأبعاد، حيث تضمن كافة فصائل المقاومة العاملة في فلسطين ولبنان وسوريا، وحمل خرائط تتم مناقشتها في غرف العمليات لإعداد خطط للتحرير، كما وجه رسالة لليمين المتطرف الذي يتذرع بدعاوى دينية تخص الأقصى والهيكل، بأن وعد الآخرة هو طرد هؤلاء المدعين والمعتدين من المسجد.

5ـــ شعار “الضفة درع القدس”، هو شعار يفهمه جيدا “الشاباك” وقادة الكيان وجيشه وشرطته العاجزون عن مواجهة تنظيمات المقاومة الجديدة في الضفة ورجال الضفة ومخيماتها الفدائيين، حيث يعجز العدو عن المواجهة معلوماتيا وميدانيا، ناهيك عن العمليات البطولية المنفردة لشباب لا يمتلك العدو عنهم أي سوابق أو ملفات أمنية.

كما أن مصطلح “الدرع” يعني تشكيل خط دفاع متقدم عن القدس لا يترك المقدسيين بمفردهم، بل هي خط دفاع متقدم ومن ورائه دائرة أكبر في غزة، وهي معادلة تثري معادلة سيف القدس وتعتبر تطويرا لها بزيادة درع إلى السيف وهو ما يحتاجه المقاتل كي تكتمل جهوزيته للقتال.

هذه الرسائل السياسية والعسكرية تتزامن مع يوم هو في ذاته يوم استراتيجي، وهو يوم القدس، حيث يعبر اليوم عن حضور القضية وعدم سقوطها بالتقادم وعدم خضوعها للظروف السياسية وموازين القوى وتبدلاتها، فهي من الثوابت الوطنية والدينية، ومن جانب آخر، هي تتغلق بالقدس والتي يعتبرها العدو درة التاج لاغتصابه فلسطين ويعتبرها خط الدفاع الأخير عن احتلاله، باعتبارها ذريعة دينية مزعومة يمكن أن يوحد حولها المتطرفين.

لا شك أن مشاركة الساحة اليمنية والسورية واللبنانية والعراقية هي أكبر رد على العدو ورعاته، بأن الحصار ومغامرات استخدام “داعش” وغيرها ومحاولات التخويف والتهديد لم تؤثر على ثوابت محور المقاومة وخياراته، بل زادته وحدة وتنسيقا يبدأ من مكاتب السياسة وصولا إلى غرف العمليات العسكرية، وهي رسالة ينبغي أن يستوعبها العدو جيدا على مستويين:

أولهما تكتيكي: بأن يرتدع عن ارتكاب الحماقات والتمادي في العدوان.

وثانيهما وهو الأهم استراتيجي: بأنه لا مستقبل له وأن زواله مسألة وقت ولم يعد طويلا بل تراه المقاومة ويراه المقاومون قريبا.

  • المصدر: العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع