السياسية:

أمازون تدخل عصر الروبوتات.. ما الذي يعنيه ذلك لمستقبل شركات التجارة الإلكترونية ومئات آلاف الموظفين؟ (تعبيرية، Getty)
انهمكت ذراع آلية صفراء في فرز الطرود بمفردها الأسبوع الماضي، في زاوية مستودعٍ لشركة أمازون على مساحة 35,500 متر مربع بولاية بوسطن الأمريكية. وعكفت الذراع على إعداد الأغراض من أجل شحنها إلى العملاء، الذين يستمرون في المطالبة بخدمات توصيلٍ أسرع. وسرعان ما ستنضم إليها العديد من الأذرع الأخرى في تطورٍ سيعني نهاية مئات آلاف الوظائف، بينما تقول أمازون إنه سيخلق آلاف الوظائف الأخرى.. كيف ذلك؟
روبوتات تستطيع تأدية مهمات دقيقة
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن هذا الروبوت، الذي يُدعى سبارو، سيتمكن من تأدية عمل مئات الآلاف من الناس قريباً. حيث سيحل محل الموظفين الذين تعتمد عليهم أمازون حالياً لفرز نحو 13 مليون طرد ترسلها الشركة لعملائها سنوياً.
وتقول أمازون إن سبارو يستطيع التعرف على نحو 65% من مخزون منتجاتها الحالي، واكتشاف الأغراض التالفة والتخلص منها، وضبط قياس “يد” كوب الشفط لإمساك مختلف العناصر باستخدام الرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي. وتجري جميع هذه الوظائف حالياً باستخدام الأيدي البشرية. بينما تواصل الأذرع الآلية التعلُّم والتحسُّن يومياً.
وعرضت أمازون أمام عشرات الصحفيين على شاشات كبيرة مدى التقدم الذي يحرزه الروبوت أثناء عمله. حيث عبّأ بعناية عبوةً من مسحوق البروتين، ثم أضاف حلقات المناشف بعدها، وأدى العديد من المهام التي كان يُعتقد أنه لا يمكن تأديتها إلا بواسطة العمال.
جيش من الروبوتات البديلة للبشر
وسيبدأ نشر سبارو في العام المقبل على الأرجح، ليصبح واحداً من جيش الروبوتات الجديد الذي عُرِضَ للمرة الأولى في مؤتمر “توصيل المستقبل” الخاص بأمازون يوم الخميس، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وتضمنت قائمة الابتكارات الأخرى الروبوت الأخضر المستقل بروتوس، الذي يبدو كمكنسة روبوتية عملاقة، ويستطيع نقل الحمولات الثقيلة داخل المستودعات. كما استعرضت الشركة أحدث نسخ طائرتها المسيّرة، التي تأمل أن تسمح للشركة بتوصيل 500 مليون شحنة جواً بحلول نهاية العقد الجاري.
وجرى تجهيز زاويةٍ أخرى من مستودع بوسطن بعشب اصطناعي، وواجهات منازل مزيفة، وشاحنة توصيل كهربائية تحتوي على تقنيةٍ تُطلع السائقين على أفضل المسارات وتعطيهم “التوجيهات” من أجل قيادةٍ أفضل. فيما استقرت طائرة مسيّرة على المرج الأخضر وراء السياج الخشبي الأبيض، لتنقل تصوّر أمازون حول الطريقة التي سيتسلم بها ملايين العملاء طلباتهم.
ويقول تاي برادي، رئيس التقنية في Amazon Robotics التابعة لأمازون، إن عشرينيات القرن الجاري ستكون “عصر الروبوتات التطبيقية. حيث ستبدأ الروبوتات في تأدية مهامٍ مفيدة لتوسع نطاق القدرة البشرية. وأشعر أننا استغرقنا 50 عاماً لنصل إلى هذه المرحلة. وهذا أمرٌ حماسي!”.
مليون و600 ألف عامل في أمازون وحدها
أصبحت أمازون من أكبر الشركات الخاصة في العالم خلال السنوات الأخيرة، بعدد موظفين تجاوز الـ1.6 مليون شخص حتى عام 2021. لكن هذا النمو لم يأتِ بسهولة. إذ تحارب أمازون بكل طاقتها لمنع موظفي المستودعات الأمريكية من تشكيل نقابات، وسط استيائهم من انخفاض الأجور والضغوطات المتواصلة.
فيما انتقدت وول ستريت سياسة التوظيف المفرط التي تنتهجها أمازون. وبهذا يمكن أن تساعد روبوتات التعبئة، والنقل، والتوصيل في حل تلك المشكلات.
لكن برادي لا يتفق مع هذه الفكرة، إذ يتوقع الناس منذ عقود أن تؤدي الروبوتات إلى تدمير سوق العمل. حيث تنبأ الاقتصادي، جون مينارد كينز، أن البطالة التقنية الواسعة أصبحت وشيكةً منذ عام 1933، “لأن وتيرة اكتشافنا لوسائل الاقتصاد في استخدام العمالة أصبحت أسرع من وتيرة عثورنا على استخدامات جديدة لتلك العمالة”.
وقال برادي: “لا أرى ذلك مطلقاً؛ حيث جاء أول استثمار جاد لنا في مجال الروبوتات قبل أكثر من 10 سنوات، وقد وفّرنا في تلك السنوات العشر أكثر من مليون وظيفة”. وأوضح أن زيادة الروبوتات سترفع معدلات كفاءة المستودعات، ما يعني زيادة قدرتها على تخزين البضائع. وبالتالي ستبدأ أمازون في بيع مزيد من الأشياء، وستحتاج لمزيد من الناس لضمان سير كل الأمور بسلاسة.
وأردف برادي: “ستظل الحاجة للعنصر البشري قائمةً دائماً من أجل حل المشكلات واستخدام التفكير البديهي. ولم نقترب من تحقيق هذه الأشياء مع الروبوتات مطلقاً. بل لا نزال بعيدين تماماً عن هذه المرحلة. حيث تطور العقل البشري على مدار ملايين السنين ليعمل بطاقة 20 واط، يمكنه أن يستمدها من تناول موزة، وهذا مذهل”.
آثار سلبية على ملايين الموظفين والعمال
وتقول صحيفة الغارديان، ربما يكون برادي محقاً فيما يتعلق بأعداد الوظائف. إذ قال تقريرٌ حديث أصدره مكتب إحصاءات العمل بالحكومة الأمريكية إنّه “ليست هناك الكثير من الأدلة لدعم” فكرة أن العصر الجديد من الآلات الذكية سيؤدي لتدمير الوظائف. ويطلق الاقتصاديون على هذه الفكرة وصف “مغالطة تكتل العمالة”. وربما يقضي الابتكار على بعض الوظائف، لكن عدد الوظائف ليس ثابتاً، كما ستواصل الوظائف الأخرى الظهور. إذ حلّت وظائف المستودعات محل وظائف التجزئة مثلاً، بالتزامن مع استحواذ التسوق عبر الإنترنت على دور مراكز التسوق التقليدية.
لكن كل هذه التغييرات لن تكون جيدةً للعمالة بالضرورة. إذ نشر مركز العمل في جامعة بيركلي ورقةً بحثية من إعداد بيث غوتيليوس ونيك ثيودور، وخلصت الورقة إلى أن الابتكارات التقنية في المستودعات من المستبعد أن تتسبب في فقدان الكثير من الوظائف. لكن الورقة جادلت بأن أرباب العمل “قد يستغلون التقنية بطرقٍ تقلص متطلبات المهارة المطلوبة للوظائف البشرية، حتى يقللوا أوقات التدريب وتكاليف تدوير الموظفين. مما يمكن أن يعود بآثار سلبية على العاملين، مثل ركود الأجور وانعدام الأمن الوظيفي”.
ومن المستبعَد أن تؤدي مثل هذه الحجج إلى إبطاء ثورة الروبوتات في أمازون. حيث تُعد الشركة أكبر مُصنّع للروبوتات الصناعية في العالم. وتُنتج المنشأة التابعة لها في بوسطن وحدها 330 ألف روبوت سنوياً بالفعل، وذلك من أجل توفير توصيلٍ أسرع للزبائن. وهذا هو ما يريده الناس في رأي برادي، الذي قال: “سنتفاعل مع احتياجات العميل، ونوليها أقصى اهتمام. وإذا كان يريد وصول معجون أسنانه أسرع، فسوف نساعده في الحصول على معجون الأسنان بأسرع طريقةٍ ممكنة”.
المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع