الأسباب التي صنعت أزمة الدولار بمصر من الضغوط الخارجية إلى السياسات الخاطئة
وعن معاناة المواطن بعد خسائر المدخرات واشتعال الأسعار.. وعن المستقبل

السياسية:

قبل سنوات فقد الجنيه المصري نصف وزنه على الأقل بضربة واحدة.
كان ذلك في نهاية 2016.
لكنه يتعرض الآن للتراجع التدريجي.. والتعويم البطيء.
يصحو المصريون كل صبح تقريباً ليسألوا عن سعر الدولار، حتى يستعدوا لتداعيات هبوط عُملتهم.
وحتى يستعدوا لمزيد من تسونامي غلاء الأسعار وارتفاع نسب التضخم إلى معدلات غير مسبوقة.

* يقف الاقتصاد المصري على حافة مشكلتين كبيرتين:
انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بصورة تدريجية.
وتراجع احتياطي العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية وعلى رأسها الغذاء، وأيضاً لسداد أقساط مستحقة من الديون بالعملة الصعبة.
الحقيقة التي لا مفر منها هي أن مصر بحاجة إلى جمع 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بحلول نهاية عام 2023.
والمؤسسات المالية العالمية تتوقع المزيد من خفض قيمة العملة.

المرحلة القادمة قد تكون أشد وطأة على الجنيه، بدليل ما ورد عن أن البنك المركزي ربما بدأ بالفعل في تنفيذ سياسة التعويم المُدار للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي.

تتجه مصر إلى تبني سعر صرف أكثر مرونة، إذ تتطلع الحكومة إلى الحصول على قرض جديد من الصندوق.
الانخفاضات الأخيرة في سعر صرف الجنيه، تأتي أيضاً في إطار محاولات مصر للتوافق مع متطلبات صندوق النقد الدولي، الذي يحث دائماً على اتباع سياسة سعر صرف مرنة.

هل صحيح أن انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار جاء “نتيجة ضغوط كبيرة ومتراكمة تعاني منها حالياً الأسواق الناشئة، ومصر ليست استثناء”، أم أن هناك “حالة” مصرية خاصة؟

هذا التقرير يستعرض مؤشرات أزمة الدولار في مصر، وأسبابها، وسيناريوهات التعامل معها.

* أزمة 2022 بدأت قبل أعوام

بدأ الجنيه المصري عام 2022 بفقدان 15% من قيمته أمام الدولار، لكنه اعتاد أن يفقد بعض القروش كل يوم منذ بداية الصيف، فيما يبدو تحريراً تدريجياً لسعره.
الأزمة أعادت للأذهان انهيار الجنيه أمام الدولار في 2016، لدى تعويمه جزئياً بنهاية العام، ما ضاعف من سعر الدولار تقريباً.
وشهدت أسواق مصر وقتها تداعيات لا نهائية في صورة موجة تضخم عالية اكتسحت كل السلع والأسواق.

في أزمة 2022 فقد الجنيه نحو 15% من قيمته فقط حتى نهاية الصيف، لكنه مرشح لمزيد من الخسائر.
تعويم الجنيه قبل سنوات كانت له دوافع إجبارية في نظر صانع القرار، لكن تراجع العملة الوطنية الآن تحكمه عدة عوامل وأسباب تتجاوز حدود مصر.

*هذه هي الأسباب الرسمية لقرار التعويم في 2016

محاولة خفض عجز الموازنة والدين العام.
استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي كأحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي.
خفض الواردات ووقف الاستيراد العشوائي.

زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وإلغاء الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء.
التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي لمحدودي الدخل.
زيادة حصيلة البنك المركزي من العملة الأجنبية.
إنهاء المضاربة على الدولار في السوق السوداء.
كشف حجم العرض والطلب الحقيقيين على الدولار.
وقف التصاعد في معدلات التضخم.
إنعاش البورصة المصرية التي شهدت خروج جزء كبير من السيولة للمضاربة على الدولار.

* الطريق إلى أزمة الدولار الجديدة في 2022

ما يحدث في مصر هو مرحلة حرجة في ما يتعلق بالسياسات المالية، دفعت بمعدل التضخم السنوي إلى مستويات غير مسبوقة.
الأزمة بدأت تدريجياً مع إغلاق كورونا، ثم الحرب الروسية في أوكرانيا، وهناك أسباب أخرى داخلية نستعرضها بعد قليل، أهمها حلول موعد سداد قروض مستحقة.

قالت مصر إنها سددت 24 مليار دولار في النصف الأول من 2022، منها 10 مليارات دولار ديون خارجية، و14 مليار دولار للصناديق الأجنبية.
لكن هذا ليس سوى جزء يسير من ديون مصر الخارجية التي تجاوزت 145 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري 2021/2022.
سداد الأقساط المستحقة تسبب في عجز كبير بصافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي بلغ 19.7 مليار دولار في صيف 2022.
هناك عجز قيمته 8.2 مليار دولار بالبنك المركزي.
و11.5 مليار دولار عجزاً في بقية البنوك.

وأدى ذلك إلى عودة السوق السوداء للدولار، فاندفعت الحكومة نحو تقييد الواردات لتخفيف الضغط على الدولارات المتاحة، الأمر الذى أدى إلى تأثر الصادرات التي تعتمد على نحو 60% مكونات أجنبية.
الاستيراد الذي توقف تقريباً في الشهور الأولى من العام أصاب قطاعات عديدة بالجمود والانكماش.
كما ارتفعت فاتورة الواردات نتيجة الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار الطاقة والسلع الأساسية.
كما أن أسعار النفط والسلع المرتفعة بشدة أثرت على أكبر مستوردي القمح في العالم.

وخسرت مصر السياح القادمين من روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن ضغط الصراع على العملة المصرية؛ كل ذلك دفعها لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي.
اليوم تحتاج مصر إلى 400 مليار دولار بصورة عاجلة وفقاً لوكالة Bloomberg، لسد العجز الهائل في الموازنة واحتياجات سداد الديون.
فيديو 3 دقائق من الجزيرة: الصعود الأخير للدولار أمام الجنيه صيف 2022

*ما يعنيه انخفاض احتياطي النقد الأجنبي في مصر
يعاني الاقتصاد المصري من نزيف للعملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، حيث ارتفعت تكاليف الاستيراد، وفقد رافداً هاماً من روافد العملة متمثلاً في السياحة الروسية والأوكرانية.

وتسجل مصر تراجعاً شهرياً في الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، ما يثير التساؤلات حول تداعياته على اقتصاد البلاد من جانب وعلى جيب المواطن المصري من جانب آخر.

وتراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في مصر خلال شهر يوليو/تموز بما يعادل 232 مليون دولار عن الشهر السابق، ليزيد قليلاً على 33 مليار دولار، وفقاً لبيان البنك المركزي المصري. وقيمة التراجع ليست كبيرة، لكن المشكلة الحقيقية تتعلق بإمكانية “استمرار هذا الانخفاض”.

وتراجع الاحتياطي النقدي إلى حدود لا تغطي واردات ثلاثة شهور يجعل مصر عرضة لـ”خفض التصنيف الائتماني”.
وفي مايو/أيار، خفضت وكالة “موديز” نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، محذرة من أن “البلاد لا تزال معرضة للخطر”، وذلك للمرة الأولى منذ عقد من الزمن.

وتوقع بنك غولدمان ساكس أن تلجأ مصر لاقتراض 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
لكن وزير المالية المصري محمد معيط قال إن هذا الرقم غير صحيح، من دون أن يحدد المبلغ المطلوب.

*أبرز الأسباب وراء أزمة الدولار

ديون مصر الخارجية بلغت 145.5 مليار دولار بنهاية 2021.
خروج “أموال ساخنة” من السوق المحلية بقيمة 20 مليار دولار.
شروط صندوق النقد الدولي بتحقيق مرونة أكبر في سعر صرف الجنيه المصري، أي التعويم المطلق.
اتباع البنك المركزي سياسة التعويم المدار، أي أنه هو الجهة الوحيدة التي تقرر سعر صرف الجنيه وليس آليات العرض والطلب.
تثبيت سعر الصرف بشكل وهمي وعدم تعبيره عن القيمة الحقيقية للعملة الوطنية.
قفزة أسعار الحبوب والنفط والمنتجات الأساسية بعد كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
فقدان المصدر الأكبر للسياح، أي روسيا وأوكرانيا، سبب صدمة في قطاع السياحة تزيد من صعوبة التعافي السريع.
ديون مستحقة بالدولار حتى نهاية 2025/ المصدر بانكر نيوز

* وأخطر نتائجها على الاقتصاد
نسبة ديون مصر إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت حوالي 94%.
أكبر بند في المصروفات هو خدمة الديون وتكبد الخزانة نحو 690 مليار جنيه أي 33.3% من إجمالي المصروفات.

أكبر بند في الإيرادات هو جباية الضرائب من المواطنين، وبلغ نحو 1.2 تريليون جنيه، أي 77% من إجمالي الإيرادات.
فقدت السندات المحلية في البلاد حوالي 2% في شهر واحد، مما يجعلها الأسوأ أداءً في الأسواق الناشئة.

مصر أكبر مصدِر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، بنحو 73 مليار دولار خلال العام الحالي.
ارتفاع فاتورة الواردات نتيجة الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار الطاقة والسلع الأساسية.

نقص حاد في العملة الأجنبية يتسبب في صعوبات للبنوك والمستوردين فيما يتعلق بدفع خطابات الاعتماد اللازمة للإفراج عن شحناتهم من الجمارك.
توقفات جزئية وشكاوى من أضرار بالغة في بعض المصانع وشركات التجزئة من نقص مستلزمات التشغيل بسبب أزمة الدولار والاستيراد.

* مزيج من السياسات الخاطئة والصدمات الكونية

أصل المشكلة أن مصر ثبتت تقريباً سعر الصرف منذ 2017، رغم أزمات الدول الناشئة وكوفيد، وصعود أسعار الفائدة الأمريكية، وارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء.
فرضت السياسات المالية سعراً غير واقعي للدولار، واعتمدت على الأموال الساخنة لتمويل عجزها.

ويرى خبراء أن سعر صرف الجنيه الحالي يُقيم بأعلى من قيمته الحقيقية من 10% إلى 12%، لذلك أي مقرض لمصر سيشترط أن يتداول الجنيه عند قيمته العادلة. وتتوقع التقديرات هبوطاَ بنسبة 23% عن القيمة الحالية، أي أن يصل سعر الصرف إلى 24.6 جنيه مقابل الدولار.

هكذا تراكمت الصدمات حتى احتاجت إلى تغيير كبير في سعر الصرف بدلاً من تعديل تدريجي عبر السنين، كما كتب زياد داوود خبير الأسواق الناشئة في وكالة بلومبرغ.
تحتاج مصر إلى 41 مليار دولار حتى نهاية 2023 لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة.
احتياطي النقد الأجنبي نحو 33 مليار دولار، ولا يكفي وحده لسداد هذه الفاتورة.

ومن وجهة نظر الخبراء فإن العملة المصرية مقوّمة بأعلى من قيمتها بنسبة 10%، كما تم قياسها من خلال سعر الصرف الفعلي الحقيقي، في حين أن سيتي غروب لديها تقدير أقل بنسبة 5%.
وفي ظل الضغوط الحالية على العملة المصرية، يتوقع بنك استثمار الأهلي فاروس المصري أن يواصل الهبوط إلى حوالي 19.7 للدولار، بنهاية العام المالي الجاري، ونحو 20.6 بنهاية العام المالي القادم.

فيما خفض محللو بلومبرغ تقييم الجنيه بنسبة 23%، وذلك كضرورة للنهوض بالاقتصاد وتقليص فجوة التمويل.
وهناك بعض الصناعات في مصر تعامل الجنيه بأقل من قيمته المتداولة، مثلاً موردو السيارات يسعرون الدولار على 23 جنيهاً، لذا لن تكون هناك مفاجأة إذا تحرك الجنيه لهذا المستوى.

* التضييق على القطاع الخاص يضرّ بكل القطاعات الاقتصادية

في شهر أبريل/نيسان 2022، نقلت The Economist إشادة مسؤولي صندوق النقد بمصر لاتخاذها وبسرعة إجراءات تقشف مؤلمة وغير شعبية، لكنها اشتكت من أن الحكومة تخنق القطاع الخاص، وأن الجيش يسيطر على أجزاء من الاقتصاد ويقيد السوق الحرة رغم تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي المؤيدة للأعمال.

“إن الجيش يمسك بكل ما يريد، وتقوم السلطات بالتضييق على رجال الأعمال والقطاع الخاص، الأمر الذي تسبب في سوء الاقتصاد والفشل في بناء قاعدة تصنيعية، وكبح قدوم المستثمرين الأجانب”.

وتقول المجلة إنه على الرغم من حصول الجيش على إعفاءات ضريبية خاصة وإعفاءات جمركية، فإن الحكومة تشيد به “لإنقاذه الجمهور من التجار الجشعين والمضاربين”.

وتضيف أنه خلال شهر رمضان الماضي قام الجنود بتوزيع اللحوم بأسعار مدعومة، في وقت كانت فيه وزارة الزراعة قد حظرت المنافسين من القطاع الخاص عام 2019 الدخول في سوق اللحوم الحلال المربحة.

ونقلت إيكونوميست عن صندوق النقد أنه “رغم نمو الناتج المحلي الإجمالي منذ عملية الإنقاذ عام 2016، فإن الاقتصاد المصري في حالة سيئة، إذ فشلت مصر في بناء قاعدتها التصنيعية، كما أن الصادرات بطيئة”.

* أسواق لا تعترف بالعرض والطلب

تتأثر أسعار السلع في مصر على نحو مباشر بتراجع سعر الجنيه أمام الدولار، فنحن نتحدث عن دولة تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من الغذاء والطاقة والتكنولوجيا الحديثة.
وتستورد مصر سنوياً سلعاً مختلفة، معظمها غذائية
بنحو 78 مليار دولار.
الانخفاض المتكرر في قيمة الجنيه أثخن المصريين بأزمة اقتصادية مركبة:
خسروا جانباً من قيمة مدخراتهم بالعملة المحلية.
في الوقت نفسه اشتعلت أسعار السلع والخدمات أضعافاً مضاعفة.
لكن هذا الضرر الكبير بدأ فعلياً عقب تعويم الجنيه في نهاية العام 2016، وتضاعف أثره بعد تغيير إجراءات الاستيراد
في مارس/آذار 2022.
من وقتها توقفت تقريباً عمليات الاستيراد، خاصة السلع تامة الصنع، مثل الأدوات الصحية، والأجهزة الكهربائية، والأدوات المنزلية، والأدوات المكتبية، والأخشاب والأثاث، ولعب الأطفال، وقطع غيار السيارات، وغيرها.

وفور أن بدأت معاناة المستوردين لجلب بضائع جديدة وقرب نفاد المخزون لديهم، اندفعت الأسعار لأعلى بما يتراوح بين 20% و45% حسب كل قطاع، كما يقول متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين في مصر.

* السوق المصري غير منضبط بقواعد العرض والطلب

كل الطرق تؤدي لزيادات جديدة في أسعار كل السلع بأسواق مصر، من أوضاع عالمية معقدة، إلى سياسات اقتصادية محلية مثيرة للجدل.
ويتوقع الخبراء أن يستمر تأثير ذلك سنوات عديدة، وأن تتضاعف أسعار المواد الغذائية تقريباً، بينما ستضطر بعض الأسر المصرية إلى التخلي عن سلع أساسية أخرى.
الفئات المتوسطة والأقل دخلاً هي الأكثر تضرراً بحركة أسعار السلع والمنتجات أكثر من غيرها. “كل الخامات والمنتجات المستوردة أسعارها هتزيد، وبالتالي كل السلع في الأسواق تقريباً” كما يقولها د. أحمد متولي الخبير المصرفي.

ورغم انخفاض الأسعار العالمية لحبوب الذرة والصويا لأقل مستوى لها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الأسعار تواصل الصعود محلياً.
وارتفعت أسعار الأعلاف الحيوانية بعد صعود أسعار مكونات الأعلاف الأساسية محلياً.

إضافة إلى الأزمات العالمية “الإجبارية”، يضيف بعض الباحثين سبباً آخر للغلاء: السوق المصري غير منضبط بعوامل العرض والطلب، فهو سوق يستجيب للعرض والطلب بشكل بطيء، نظراً لعدد كبير من الاحتكارات أو ما يسمى “الكارتل” أو الاتفاق الشفوي بين عدد من المتحكمين في السلعة.

* متى يتوقف نزيف الجنيه؟

هناك نغمة تفاؤل بين من يدافعون عن السياسات الاقتصادية، تردد أن ما يتعرض له الجنيه أزمة عابرة، تنتهي بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد، وتعديل بعض سياسات البنك المركزي.
مثلاً يقول هانى جنينة المحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن البنك المركزي سيرفع الفائدة مجدداً إذا استمر نزيف الجنيه، مع خفض وتيرة تنفيذ بعض المشروعات الكبرى.
والهدف؟
يجيب جنينة بأن الهدف هو الحصول على قرض جديد من الصندوق.
وقرض جديد من الصندوق كفيل بالحفاظ على سعر الدولار قرب المعدلات الحالية، أي 20 جنيهاً.

لكنه يطالب الحكومة المصرية بـ”إجراءات إصلاحية قاسية نتجرع منها جرعة سريعة في الأمد القصير حتى نتمكن من توفير الدولار”، على رأسها تحرير سعر الصرف بشكل كامل.
الإجراءات قصيرة الأمد تركز على مصادر سريعة للعملة الصعبة، مثل الودائع أو بيع سندات الدين.
ثم قرض جديد من الصندوق، حتى لو كان الثمن مزيداً من غرق الجنيه أثناء محاولة تعويمه.

وذكرت Bloomberg أن التمويل من الخليج يوفر دعامة أساسية لمصر التي يبدو أنها تعمل على استقرار الأوضاع المالية، وقد تعهدت السعودية والإمارات وقطر بتقديم أكثر من 22 مليار دولار من الودائع والاستثمارات.

* الخطوات بعيدة المدى تتمثل في بيع أصول وشركات حكومية لسداد الديون.

تخطط مصر لجمع 10 مليارات دولار بنهاية العام و30 مليار دولار أخرى بنهاية 2025 عن طريق مشاركة القطاع الخاص في مشروعات منها طرح حصص في شركات حكومية في البورصة، كما أوضح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.

وتتحدث الحكومة المصرية عن مثل هذه الإجراءات منذ سنوات، وأعلنت في 2018 أنها ستعرض حصصاً أقلية في 23 شركة مملوكة للدولة في خطة لجمع ما يصل إلى 80 مليار جنيه.

لكن تأجل هذا البرنامج مراراً بسبب ضعف الأسواق والعقبات القانونية وجاهزية الوثائق المالية للشركات، حسب مسؤولين حكوميين.

*العام المالي الجديد يحمل ضغوطاً غير مسبوقة على الاقتصاد

“مصر ربما تدفع مبالغ باهظة لتمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار في ميزانية السنة المالية التي بدأت في يوليو/تموز 2022”.
هكذا استخلص تقرير لوكالة رويترز، بعد استعراض باقة المشكلات التي تضغط على الاقتصاد المصري، وأبرزها ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة، وحذر المستثمرين من الأسواق الناشئة.

جاء مشروع الموازنة الضخمة بحجم المصروفات غير المسبوق، والديون والاحتياجات التمويلية أو الضرائب غير المسبوقة أيضاً، لكنه رغم ذلك جاء مسانداً للقطاعات والفئات الأكثر تضرراً، من وجهة نظر بيان وزارة المالية.

*كيف سوف تدبر الحكومة هذا المبلغ الضخم؟

تخطط وزارة المالية للاعتماد على 3 مصادر تمويلية داخلية وخارجية:
تمويل خارجي بقيمة 146.4 مليار جنيه.
إصدار سندات دولية بقيمة 91.5 مليار جنيه.
إصدار سندات وأذون خزانة محلية بقيمة 1.37 تريليون جنيه مقابل 990.1 مليار العام المالي الجاري.

لكن هناك من يتشككون في دقة وقدرة الحكومة على الوفاء بهذه الموازنة، مثل د. حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط بجامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا. “الدولة هنا توظف الأرقام من خلال منظومة الاقتصاد الكلي لإرسال رسائل خادعة للمؤسسات الدولية، وهي جزء من سياسة الاقتصاد المسموم المصري التي بدأت مع بداية مرحلة القروض ومع تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، والتي يتحمل أعباءها المواطن دافع الضريبة”.

أكبر معضلة الآن تواجه تحقيق تلك الأرقام، من وجهة نظر الشاذلي، تأمين القروض والضرائب، وهي مهمة ليست بالسهلة، والاستمرار في السياسات الاقتصادية التقليدية العقيمة لن يفضي إلا إلى عجز الدولة عن تدبير موارد دولارية لسد احتياجاتها والتزاماتها، على حد قوله.

* والمستقبل يحمل المزيد من الضغوط.. وبعض الأمل

يمر الجنيه المصري بفترة صعبة، لكنه غير مرشح لعبورها سريعاً.
الأزمات التي تسببت في الأزمة مستمرة: تراجع حصيلة النقد الأجنبي، والضغوط على الميزان التجاري، وارتفاع أسعار السلع العالمية.
كل هذه الأزمات توحي للخبراء بأن تخفيضاً جديداً سوف يلحق بقيمة الجنيه.

قيمة “العملة المصرية بحاجة إلى أن تخفض مرة أخرى ليبلغ سعر الدولار 25 جنيهاً بنهاية 2024 لتجنب التعرض لاختلالات خارجية” أي نقص النقد الأجنبي. هكذا قالها مثلاً محللون في كابيتال إيكونوميكس.

وسياسات البنك المركزي توحي للخبراء أيضاً بأن سياسة التعويم المدار أو التدريجي للجنيه المصري مقابل الدولار قد بدأت بالفعل.
والتعويم التدريجي لابد أن ينتهي بغرق تدريجي للجنيه، يتصور المؤيدون له أن يفضي بعد ذلك إلى “استقرار سوق الصرف وتماسك الجنيه المصري”، كما يصوغها الخبير الاقتصادي، هاني جنينة.

على الجانب الآخر هناك من يرى أن تسارع انخفاض الجنيه خلال الفترة الأخيرة قد يكون محاولة غير معلنة من الدولة، للاقتراب من معايير المرونة المطلوبة تحت مظلة الاتفاق مع صندوق النقد.

كما أن خفض الجنيه أمام الدولار ليس سوى البداية في سلسلة إجراءات اقتصادية طويلة ستترتب عليها نتائج قاسية، مثل حدوث موجة تضخمية، وزيادة معدلات الفائدة مجدداً، واستمرار ارتفاع الأسعار إلى جانب ما سوف تقتضيه مطالب صندوق النقد الدولي.

هكذا أصبح الجنيه المصري العريق في مهب الأخطاء المتراكمة، والأزمات العالمية المحدقة. والمزيد من الخسائر يعني الاقتراب من الخطر.
كتب زياد داوود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبرغ، عن احتمالين أمام الجنيه:

قد يشعر صانعو السياسة بالقلق بشأن الآثار الجانبية لتخفيض قيمة العملة، مثل ارتفاع التضخم الذي هو بالفعل في خانة العشرات، وخطر الاضطرابات الاجتماعية، فيتوقفون عن خفض العملة الوطنية.
أو ينتهي الأمر بمصر إلى إضعاف عملتها، لكن بأقل مما يحتاجه الاقتصاد.

* المصدر : عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع