تقرير.. نجيب هبة

بالتحركات الأخيرة التي أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ألقي الحجر في بركة الوضع اليمني الذي ركد لفترة طويلة وأدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الناتجة عن استمرار العدوان وتعنته في قبول المقترحات المتلاحقة لوقف الحرب الظالمة على اليمن..

كانت البداية بتعهد حملة الرئيس بايدن الانتخابية بوقف الدعم الذي كانت تقدمه الإدارة الأمريكية لنظامي الرياض وأبوظبي في عدوانهما على اليمن ، بما في ذلك مبيعات الأسلحة لدول الخليج ، وبعد استلام هذه الإدارة الجديدة للحكم بشكل عملي يأتي دور التنفيذ واختبار مدى جدية بايدن وإدارته في تحقيق تلك الوعود المتعلقة بالملف اليمني.

ومن المسلمات أن للولايات المتحدة الأمريكية مصالح أمنية وعسكرية واقتصادية استراتيجية في منطقة الخليج ومع أنظمتها الحاكمة ولايمكن أن تتخلى عنها بسهولة ، وتأتي مبيعات الأسلحة في مقدمة تلك المصالح الاقتصادية التي تتجاوز تغير الإدارات الأمريكية.. كما أن لدول الخليج علاقات استراتيجية مع واشنطن تمتد لعقود طويلة ولم تتأثر كذلك بتغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتلتزم بموجبها واشنطن بحماية أمن دول الخليج وأنظمتها .

ووسط هذه المعطيات يبرز تساؤل مهم حول قدرة إدارة بايدن على الموازنة بين هذه الحقائق وبين وعودها بإحداث تغيير في الملف اليمني وضرورة وقف العدوان والحرب على اليمن؟!

تعديل الوعود الانتخابية

ففي هذا السياق ، قال تقرير لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن ، أن “الديمقراطيين في الكونجرس عارضوا مبيعات الأسلحة الأخيرة للإمارات العربية المتحدة. بمجرد وصولهم إلى السلطة، ومعظم الرؤساء يعدلون الوعود الأكثر إثارة في حملاتهم الانتخابية، ومن المرجح جداً أن يكون هذا هو الحال بالنسبة لبايدن.. ففي حين ستكون هناك فترة قصيرة للتقييم وتوقف مؤقت في مبيعات الأسلحة الجديدة، إلا أنه من المرجح أن يكون لمواقف إدارة بايدن بشأن مبيعات الأسلحة لحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الخليج الكثير من الأمور المشتركة مع ترامب وأوباما”.

وأضاف التقرير الذي أعده ديفيد دي روش – وهو باحث غير مقيم في معهد دول الخليج العربية – أنه “كان هناك توافق بين الحزبين على مبيعات الأسلحة الأمريكية للشرق الأوسط، وخاصة لدول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، تم الانتهاء من أكبر عملية بيع عسكرية أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة، وهي إعادة رسملة وتحديث أسطول F-15 السعودي، خلال إدارة الرئيس باراك أوباما. ونتيجة لذلك، تم بيع أحدث الطائرات التي تحلق اليوم فوق اليمن بفضل جهود متواصلة واستثنائية من قبل إدارة أوباما”.

مبيعات الأسلحة كأداة رئيسية للسياسة الخارجية

ويرى مراقبون أن قضايا مثل مبيعات الأسلحة دائماً ما تستخدم كنوع من المناكفات السياسية والحزبية ..

حيث أشار تقرير دي روش إلى أنه “بدلاً من كونها قضية حزبية بحتة، غالباً ما تميل معارضة مبيعات الأسلحة إلى أن تكون مشكلة بين السلطات الحكومية: يميل الكونجرس (خاصة إذا كان يسيطر عليه حزب مختلف عن حزب الرئيس في البيت الأبيض) لأن يكون أكثر صرامةً تجاه مبيعات الأسلحة.. ونتيجة لذلك، غالباً ما تستخدم السلطة التنفيذية مبيعات الأسلحة كأداة رئيسية للسياسة الخارجية، وتعطيها الأولوية في بعض الأحيان على اعتبارات أخرى، مثل انتهاكات حقوق الإنسان”.

وأضاف التقرير أنه “بالنسبة لأعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس، كان يُنظر جزئيًا إلى مهاجمة المبيعات لهذه البلدان على أنها وسيلة لمهاجمة ترامب”.

واستدرك تقرير دي روش أنه “يبقى أن نرى كيف ستخرج الإدارة الجديدة من هذا المأزق، وتضغط من أجل إنهاء الصراع في اليمن مع تجنب الإجراءات التي قد تضر بالعلاقات مع الحلفاء الخليجيين الرئيسيين أو ربما تتسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن”.. مضيفاً “على الرغم من أهمية هذه المخاوف، إلا أنها على الأرجح لا تشير إلى إنهاء مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج العربية. لكنها تعزز ما يحتمل أن يكون توجهاً لدى الإدارة الجديدة للمضي بحذر في هذه القضية.. ومن المرجح أن يختار بايدن وضع مبيعات الأسلحة للخليج في آخر اهتماماته”.

واختتم تقرير معهد دول الخليج العربية بالقول أن “إدارة بايدن مع انتقالها من الحملات الانتخابية إلى الحكم، من المرجح أن تتبع نمط الإدارات السابقة، والتحول من بعض تعهدات الحملة الانتخابية المبسطة نسبيًا لأفراد من خارج السلطة والانتقال إلى إدارة العلاقات الثنائية مع مجموعة كاملة من أدوات السياسة، بما في ذلك مبيعات الأسلحة. سرعان ما تكتشف جميع الإدارات – بصرف النظر عن خطابها في الحملة الانتخابية – أن المصالح الأمنية الأمريكية في الخليج تعد مصالح حقيقية بالفعل، ولا يمكن تأمينها دون دعم من الشركاء الإقليميين، سيتم اتخاذ بعض المواقف وسيكون هناك الكثير من الخطابات، ولكن في نهاية المطاف – وكما هو الحال في التغييرات لدى الإدارات الأمريكية الأخرى- سيكون أكثر ما يلفت الانتباه هو الاستمرارية وليس التغيير”.

إعلان بايدن من الناحية العملية

من ناحيتها اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست”، قرار بايدن “تحوّلاً كبيراً في الموقف الأميركي منذ إطلاق إشارة الحرب الأولى من واشنطن سنة 2015، على أن الإدارة الجديدة قدّمت القليل من التفاصيل حول ما سيعنيه إعلانها من الناحية العمليّة؛ ومن هذا القليل، وعود بايدن بوقف مبيعات السلاح المتصلّة بالحرب، لحلفائه في الرياض وأبو ظبي، فضلاً عن تكثيف الدبلوماسية، وتعيين مبعوث خاص إلى اليمن، ودعم وقف كامل لإطلاق النار، وعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، والالتزام بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد”.

وتضيف “واشنطن بوست” أن ماتقدم  “يشير إلى أن الإدارة تخطّط لاستثمار مستدام في الدبلوماسية لإنهاء الحرب؛ إذ يُعتبر “الاعتراف باستحالة الفوز فيها محوراً رئيساً في سياسة الولايات المتحدة”.

وفي الاتجاه نفسه، يرى محمد عبدي، المدير القطري لليمن في “المجلس النرويجي للاجئين”، أن «لدى إدارة بايدن فرصة تاريخية لتغيير دور الولايات المتحدة في اليمن، من سمسار أسلحة في ظلّ الإدارة السابقة، إلى صانع سلام”. ويضيف أن الرئيس الأميركي “لديه الآن فرصة لتعبئة العالم للدفع من أجل وقف فوري لإطلاق النار على الصعيد الوطني، والضغط على أطراف النزاع للعودة إلى طاولة المفاوضات”.

أمريكا المحرض الرئيس على الحرب

ففي واشنطن، رأت كل من إدارتي ترامب وأوباما الصراع من منظور التنافس السعودي – الإيراني الأوسع”.. لكن السؤال الرئيس “هو إذا ما كان الأطراف المتحاربون في اليمن سيقبلون التحوّل الحادّ في السياسة الأميركية، وإذا ما كانوا سينظرون إلى الولايات المتحدة كوسيط دبلوماسي محايد وجدير بالثقة.. ففي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يُنظر إلى أميركا على أنّها المحرِّض الرئيس على الحرب”.

من ناحيتها تشير أفراح ناصر ، الباحثة في الشأن اليمني في “هيومن رايتس ووتش” ، إلى “خلافات ومظالم وتوتّرات وانقسامات عميقة الجذور في اليمن، وأكثر من 30 جبهة قتال بين مختلف الفصائل.. كانت مسؤولية الولايات المتحدة أن يكون لها موقف قوي، لكنّنا في حاجة إلى نهج شامل لإنهاء الصراع”.

ومع ذلك، يرى بعض الخبراء “علامات مشجّعة في نهج بايدن تجاه الحرب، بما فيها تعيينه تيموثي ليندركينغ، وهو دبلوماسي مخضرم يتمتّع بخبرة واسعة في المنطقة، مبعوثاً خاصاً مكلّفاً بالضغط من أجل تسوية سلمية”.

من جانبه ، يرى بيتر سالزبري، محلّل شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، إن “التركيز على الدبلوماسية التي كانت غائبة عن كبار القادة في إدارة ترامب، أمر مرحّب به. وقد يؤدي تقليص الدعم إلى جعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على الدفع في اتجاه تسوية”.. مضيفاً أنه “من خلال إخراج نفسها من الصراع، تكون أميركا أكثر قدرة على وضع نفسها كقوّة دبلوماسية تسعى بمصداقية إلى إنهاء الصراع ، لكن الصعوبة تكمن في إيجاد حلّ وسط تعتقد غالبية الفصائل المسلحة والسياسية في اليمن أنه مقبول”.. معتبراً أنه “قد يكون من الممكن إنهاء الحرب الكبيرة، ولكن من الصعب للغاية إنهاء الحروب الصغيرة التي تشكّل الصراع”.