السياسية:

لقد كان هذا الشتاء شتاءً طويلاً بالنسبة للولايات المتحدة، استقبلت فيه المستشفيات أعداداً من المرضى المصابين بفيروس كورونا أكثر من أي وقت مضى منذ تفشي الوباء، وبلغ متوسط عدد الوفيات اليومية 3000 حالة لأول مرة.

ولكن مع اقتراب فصل الربيع الآن، يتراجع عدد الإصابات ويبدو أن برنامج التطعيم قد ساعد البلاد في التغلب على بعض مشاكله الأولية.

فهل تُقبل الولايات المتحدة على شكل من أشكال الحياة الطبيعية في عام 2021 ؟ أم أن ظهور السلالات الجديدة للفيروس يعني المزيد من الانتكاسات في المستقبل؟

ظل متوسط عدد حالات الإصابة اليومية في الولايات المتحدة يرتفع منذ شهر سبتمبر/أيلول، باستثناء بعض الفترات التي كانت النسب فيها منخفضة، بسبب البيانات غير الكاملة خلال فترات العطلات مثل عيدي الشكر والميلاد (الكريسماس).

ولكن، ما زال هناك أكثر من 120 ألف حالة إصابة جديدة في كل يوم كمعدل. وليس واضحاً ما إذا كان الانخفاض الأخير سيستمر أم لا، وخاصة أنه لدى الولايات المتحدة الآن حالات إصابة بالسلالات الجديدة الأسرع انتشارا من الفيروس، اللاتي اكتشفن لأول مرة في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا والبرازيل.

وبشكل عام، كان هناك ما يقرب من 30 مليون حالة مؤكدة في الولايات المتحدة، وهو أعلى رقم على مستوى العالم.

ولكن، نظراً لأن الاختبارات كانت محدودة للغاية في ربيع العام الماضي، من المحتمل أن يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

وأشارت إحدى الدراسات التي أجراها علماء في المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، إلى أن الرقم الحقيقي قد وصل إلى 100 مليون إصابة بحلول نهاية عام 2020.

المستشفيات ما زالت تحت الضغط

على الرغم من أن الانخفاض في الحالات يعتبر خبراً ساراً، إلا أنه بحاجة إلى بضعة أسابيع قبل أن يكون له أي تأثير كبير على عدد مرضى فيروس كورونا في المستشفيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وقد انخفض هذا العدد منذ بضعة أسابيع، لكن ما زال هناك أكثر من 80 ألف شخص في المستشفيات حالياً، أي أنه ما زالت هناك زيادة بمقدار 20 ألفاً عن تلك التي حدثت في العام الماضي.

وتظهر أحدث البيانات الذي جمعها مشروع تتبع المرض، أن عدد مرضى كوفيد 19 في المستشفيات، في انخفاض في جميع المناطق الأربع بالولايات المتحدة، وشهد الغرب الأوسط أكبر نسبة انخفاض منذ بداية العام الحالي.

انخفاض عدد الوفيات سيكون بطيئاً

كان شهر كانون الثاني/يناير، هو الشهر الأكثر فتكاً بالأرواح جراء الإصابة بالوباء في الولايات المتحدة، حيث تم الإبلاغ عن 95000 حالة وفاة ، أي أكثر من خُمس إجمالي المتوفين البالغ عددهم 460 ألف.

ولا يزال متوسط عدد الوفيات مرتفعاً جداً، إذ يصل عددهم في الوقت الحالي إلى 3000 حالة وفاة يومياً. ولكن ثمة علامات تشير إلى انخفاض طفيف في الأيام الأخيرة.

بيد أن نسبة الوفيات هي مقياس يبدو متخلفا عن نسبة حالات الإصابة الجديدة أو المصابين المحالين إلى المستشفيات، لأن الأمر قد يستغرق عدة أسابيع بالنسبة لمن هم أكثر تضرراً، حتى يفارقوا الحياة نتيجة الإصابة بالمرض.

لذلك، من المرجح أن تتجاوز أعداد الوفيات، 500 ألف حالة بحلول نهاية الشهر الحالي في الولايات المتحدة، التي لديها بالفعل أعلى حصيلة وفيات بالفيروس على مستوى العالم.

نتائج إيجابية لحملة التطعيم

كانت هناك بعض المشاكل الأولية مع طرح اللقاحات في الولايات المتحدة. فقد حددت الحكومة هدفاً يقضي بتطعيم 20 مليون شخص بحلول نهاية عام 2020، لكنها تمكنت من تطعيم ثلاثة ملايين فقط. إلا أن الأمور تحسنت بشكل أفضل في يناير/كانون الثاني.

ووضع الرئيس جو بايدن هدفاً يتمثل في توفير 100 مليون لقاح بحلول يومه المائة في منصبه، لكنهم كانوا فعلياً في طريقهم إلى تحقيق ذلك حتى قبل توليه منصبه.

في 21 يناير/كانون الثاني، أي اليوم التالي لتسنم بايدن منصبه رسمياً، تم تطعيم ما يعادل مليون جرعة من اللقاح تقريبا في اليوم.

ويبلغ متوسط عدد اللقاحات التي تعطى للمواطنين في الولايات المتحدة حالياً، 1.3 مليون لقاح يومياً، وقد رفع بايدن هدفه إلى 1.5 مليون لقاح يومياً.

وعندما نلقي نظرة على البيانات على مستوى البلاد، نرى أن الصورة متنوعة تماماً. فولاية ألاسكا حالياً في الصدارة ، إذ أنه هناك 19 جرعة لقاح لكل 100 شخص، بينما يتغير هذا الرقم إلى 9 فقط في ولاية ألاباما.

ويبدو أنه ما زال هناك الكثير للقيام به من أجل ضمان وصول اللقاحات إلى الفئات الأكثر ضعفاً وعرضة للخطر.

ووجدت الأبحاث الحديثة التي أجرتها مؤسسة “كايسر فاميلي”، وهي مؤسسة خيرية للرعاية الصحية في الولايات المتحدة، أن نصيب السود من التطعيمات مقارنة بنصيبهم من حالات الإصابة والوفيات أقل في جميع الولايات التي قدمت بيانات في هذا الصدد تقريباً.

ولكن، وفقاً للمعايير العالمية، فالبرنامج الأمريكي يسير على ما يرام. إذ يبلغ متوسط التطعيمات في البلاد حوالي 12 جرعة لقاح لكل 100 شخص، وهو أعلى من كندا بثلاث مرات، وكل أوروبا باستثناء المملكة المتحدة التي تلقح 18 شخصاً من أصل كل 100 شخص.

أما إسرائيل فلديها أعلى معدل من أي دولة، إذ يبلغ عدد الأشخاص الذين يتلقون اللقاح 63 لكل 100 شخص.

الأشهر المتبقية قبل “الوضع الطبيعي الجديد”

ومع تسارع وتيرة طرح اللقاح ، يأمل العديد من الأمريكيين أن تعود الحياة إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن الخبراء يقولون إنه لا يزال أمامنا طريق طويل.

تقول الدكتورة كيري ألتوف، أستاذة علم الأوبئة في جامعة جونز هوبكنز: “سوف تمر عدة أشهر قبل أن نرى، ليس بالضرورة عودة الحياة إلى طبيعتها؛ ولكن ظهور حالة طبيعية جديدة”.

وتضيف: “أنا مترددة في تحديد موعد لذلك، يبدو أنه في كل مرة نكتشف فيها شيئاً حول هذا الفيروس، نكتشف مفاجأة أخرى لم تكن في الحسبان”، في إشارة إلى السلالات الجديدة من الفيروس التي ظهرت في الأشهر الأخيرة.

وتوضح ألتوف قائلة “إن الوضع الطبيعي الجديد” سيتطلب استمرار مسؤولي الصحة العامة في توصيتهم للناس بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والتحذير من أي تجمعات اجتماعية كبيرة سواء كانت في الأماكن المغلقة أو حتى في الهواء الطلق”.

وتتابع: “يشعر الكثير من الناس في الولايات المتحدة بالإرهاق من هذا الفيروس. إنه أمر طبيعي تماماً ونحن بحاجة إلى أن نتعاطف ونتقبل ذلك، لكن هذا الفيروس لن يختفي، لذلك علينا الاستمرار في حماية أنفسنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا”.

وكالات