السياسية:

التهديدات التي وجهها الاتحاد الأوروبي لشركة أسترازينيكا بسبب التأخير في تسليم الجرعات المتعاقد عليها من لقاحات كورونا كشفت عن وجود بنود كثيرة في تلك العقود تتسم بالسرية، فما هي تلك البنود ولماذا وافقت الحكومات على السرية؟

فبعد أسابيع من بدء حملة التطعيمات في أوروبا، أعلنت شركتا Pfizer وAstraZeneca مؤخراً أنهما ستتخلّفان عن أهداف التسليم الأوروبية المتوقّعة، ما أثار المخاوف الواسعة في ظل انتشار سلالات خطيرة من الفيروس مثل السلالة البريطانية.

وأعربت مفوضة الصحة بالاتحاد الأوروبي ستيلا كيرياكيدس، الاثنين 25 يناير/كانون الثاني الجاري، عن استيائها من المحادثات مع “أسترازينيكا”، حيث قالت إن الشركة المصنعة للأدوية “تعتزم توفير جرعات أقل بكثير في الأسابيع المقبلة مما أعلن عنه وتم الاتفاق عليه”، مشيرة إلى أن المحادثات ستستمر.

بينما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يوم الثلاثاء، خلال اجتماع افتراضي للمنتدى الاقتصادي العالمي إن أوروبا “استثمرت المليارات للمساعدة في تطوير أول لقاحات كوفيد 19 في العالم، لمصلحة عالمية حقيقية. والآن يجب على الشركات أن تسلم. يجب عليهم الوفاء بالتزاماتهم”.

وبالتالي هدد الاتحاد الأوروبي شركات تصنيع اللقاحات “أسترازينيكا” و”فايزر” باتخاذ إجراءات قانونية وفرض ضوابط على تصدير الجرعات المنتجة في الكتلة وسط تأخر تسليم اللقاحات الذي قد يبطئ من تعافي الاتحاد من الوباء.

لكن شروط تلك العقود محصنةً بالسرية، وهو ما يزيد صعوبة مساءلة الشركات ومسؤولي الحكومة حول اللوم أو التعويضات، إذ حين جلس أعضاء البرلمان الأوروبي الشهر الجاري لقراءة أول عقود شراء لقاحات فيروس كورونا المتاحة للعامة، لاحظوا شيئاً مفقوداً. بل الكثير من الأشياء المفقودة، رغم أن العقد بين شركة الأدوية الألمانية CureVac والاتحاد الأوروبي واحداً من أكثر العقود شفافيةً في العالم.

أي البنود سرية؟

سعر الجرعة؟ سري. جدول التسليم؟ سري. المبلغ المدفوع مُقدّماً؟ سري. لكن رغم السرية، كشفت الوثائق التنظيمية والحكومية، والبيانات العامة، والمقابلات، والهفوات العرضية عن بعض التفاصيل الرئيسية حول صفقات اللقاحات، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

فقد ضخّت الحكومات مليارات الدولارات لمساعدة شركات الأدوية في تطوير اللقاحات، كما تُنفق مليارات الدولارات الأخرى لشراء الجرعات. لكن تفاصيل هذه الصفقات لا تزال سريةً على نحوٍ كبير، حيث أذعنت الحكومات ومنظمات الصحة العامة لمطالب شركات الأدوية بالسرية.

الوثائق المتاحة تُشير إلى أنّ شركات الأدوية طلبت وحصلت على جداول تسليم مرنة، وحماية لبراءات الاختراع، وحصانة من المسؤولية في حال حدوث أيّ خطأ. وفي بعض الحالات، يُحظر على البلدان التبرّع بالجرعات أو إعادة بيها، وهو حظرٌ قد يُعيق الجهود المبذولة لإيصال اللقاحات إلى الدول الفقيرة.

وتُبرِمُ الحكومات ثلاثة أنواع من صفقات اللقاحات: إذ تشتري بعضها بشكلٍ مباشر من شركات الأدوية، بينما تشتري أخرى من الكيانات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الإفريقي. وتلجأ العديد من الدول إلى برنامج كوفاكس غير الربحي، وهو التحالف الذي يضُم 190 دولة تشتري من شركات الأدوية بهدف توفير اللقاحات على مستوى العالم -خاصةً للدول الفقيرة- مجاناً أو أو بتكلفةٍ منخفضة. وقد وقعت بعض الحكومات على صفقات مع الشركات المُصنّعة وكوفاكس على حدٍّ سواء.

وتقول كوفاكس إنّ لديها اتفاقيات على أكثر من ملياري جرعة لقاح، رغم أنّها تُحافظ على سرية عقودها. ومن بين حكومات 92 دولة مؤهلة للحصول على إعانات اللقاح تحت مظلة التحالف، تمكّنت نحو 10 حكومات فقط من تأمين صفقات منفصلة مع الشركات المنفردة لتوفير 500 مليون جرعة إجمالاً.

الحكومات ساعدت في تطوير اللقاحات

تطوير اللقاحات هو مغامرةٌ محفوفة بالمخاطر. ونادراً ما تستثمر الشركات في التصنيع حتى تضمن فاعلية لقاحاتها وقدرتها على الحصول على موافقة الحكومة. وهذا جزء من الأسباب التي تجعل تطويرها يستغرق وقتاً طويلاً لتطويرها ونشرها.

ولتسريع العملية، تحمّلت الحكومات -خاصةً في أوروبا والولايات المتحدة- والمجموعات غير الربحية مثل “التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة” بعض تلك المخاطر أو جميعها. وجرت صياغة هذه الترتيبات لمساعدة الشركات على البدء فوراً في التصنيع وتغطية تكاليف مثل الاختبارات السريرية.

لكن الشركات ستحتفظ ببراءات الاختراع

ورغم الاستثمارات الهائلة من دافعي الضرائب، تمتلك شركات الأدوية عادةً براءات الاختراع بالكامل، مما يعني أنّ الشركات تستطيع تقرير كيف وأين يتم تصنيع اللقاحات وكم تكلفتها. وكما يتبيّن من عقد CureVac، “يحق للشركة استغلال أيّ من هذه الحقوق بشكلٍ حصري”.

وكانت هذه مسألةً خلافية قائمة منذ شهور، حيث تقدّم تحالف الدول، الذي تقوده الهند وجنوب إفريقيا، بطلبٍ إلى منظمة التجارة العالمية للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية حتى يتمكّن صناع الأدوية العاديون من البدء في إنتاج اللقاحات. كما أيّدت منظمة الصحة العالمية الفكرة، لكن الأمر برمته ستقابله معارضة من الولايات المتحدة وأوروبا، التي يقول مصنّعو الأدوية فيها إنّ براءات الاختراع والأرباح الناتجة عنها هي شريان حياة الابتكار.

وهكذا تتفاوت الأسعار

إذ يجري باستمرار تنقيح خانة أحد الشروط الرئيسية لعقود اللقاح -سعر الجرعة- في النسخ المتاحة للجمهور من العقود الحكومية. وتعتبر الشركات الأمر سراً تجارياً. وضمّنت بعض شركات الأدوية فقرات في عقود التوريد تسمح لها بتعليق عمليات التسليم إذا كشفت الدول عن السعر.

وبالإصرار على حفظ سرية تسعيرها، تمتّعت شركات الأدوية باليد العليا على مفاوضي الحكومة الذي لا يعرفون المبلغ الذي تدفعه الدول الأخرى.

ولم تستجب شركات الأدوية لطلبات الاطلاع على عقودها غير المنقّحة أو تفسير سبب ضرورة السرية. إذ أشارت المتحدثة باسم شركة Moderna فقط إلى وثيقةٍ تنظيمية تقول إنّ العقد “يتضمّن الشروط والأحكام المعتادة”.

ولهذا السبب أُثيرت ضجةٌ كبيرة الشهر الماضي حين كشف مسؤولٌ بلجيكي عن طريق الخطأ قائمة أسعار، أظهرت أنّ دافعي الضرائب الأمريكيين يدفعون 19.50 دولار مقابل الجرعة من لقاح Pfizer، بينما يدفع الأوروبيون 14.70 دولار أمريكي.

حظر التبرعات وإعادة البيع

دعا المدافعون عن الصحة العامة الدول الغنية -التي حاصرت السوق في الجرعات المبكرة- إلى التبرع باللقاحات أو بيعها إلى الدول الفقيرة. لكن بعض العقود تحظر قدرة المشترين على تصدير الجرعات، لأنّ ذلك قد يُقلّل مبيعات شركات الأدوية.

إذ يحظر عقد CureVac مثلاً على الدول الأوروبية إعادة بيع، أو تصدير، أو التبرع بالجرعات -وحتى كوفاكس- بدون تصريحٍ من الشركة. وتحتوي بعض العقود في الولايات المتحدة على قيود مماثلة.

وقال متحدثٌ باسم المفوضية الأوروبية إنّ الشركات أدرجت هذا البند لضمان تغطيتها بنفس الحماية القانونية بغض النظر عن مكان استخدام لقاحها. وتحاول الحكومات العثور على وسائل أخرى لتقييد الصادرات كذلك.

متى ستصل اللقاحات؟

تُعتبر مواعيد التسليم من معلومات الملكية الفكرية، لذا ليست هناك معايير عامة لقياس أداء الشركة على أساسها.

ويتجلّى هذا الأمر تحديداً في معركة الاتحاد الأوروبي مع شركة AstraZeneca بسبب إعلان الشركة أنّها لن تُسلّم الرقم المتوقع من الجرعات في الربع الأول من العام الجاري. ويقول المسؤولون الأوروبيون إنّهم حصلوا على تأكيدات تعاقدية محددة بمواعيد التسليم محل الخلاف. بينما تقول الشركة إنها وعدت فقط ببذل أقصى جهودها لتحقيق تلك الأهداف.

وقد طلب المسؤولون الأوروبيون، الذين وافقوا في البداية على إبقاء العقود سرية، الآن من الشركات رفع السرية عن العقود. ولو لم يحدث ذلك، فلن تكون هناك وسيلة لتحديد هوية المسؤول.

وقد قال جميع مُصنّعي الأدوية تقريباً للمستثمرين إنّهم قد لا يبلغون أهدافهم الإنتاجية، حيث حذّرت Pfizer في بيانٍ شهر أغسطس/آب الماضي: “قد لا نتمكّن من تكوين أو زيادة القدرة التصنيعية اللازمة لتحقيق أهداف الإنتاج في الوقت المناسب”.

الشركات تتمتّع بحمايةٍ من المسؤولية

داخل الولايات المتحدة، تتمتّع شركات الأدوية بالحماية من كل أشكال المسؤولية في حال فشلت اللقاحات أو سبّبت آثاراً جانبية خطيرة. وهذا يعني أنّ الأشخاص لا يستطيعون مقاضاة الشركات، حتى في حالات الإهمال والتهوّر. والاستثناءات الوحيدة هي حالات “سوء السلوك” المُثبتة.

وتسعى شركات الأدوية إلى الحصول على إعفاءات شبيهة من المسؤولية في مفاوضاتها مع الدول. لكن المفاوضين الأوروبيين رفضوا مثل هذه الطلبات. كما أصرّت مجموعة كوفاكس على تحمّل الدول لكامل المسؤولية بموجب العقود.

إذ تحمي عقود CureVac مع الاتحاد الأوروبي الشركة من المسؤولية الكبيرة، ولكن مع بعض الاستثناءات. وحتى تلك الاستثناءات مُنقّحة في العقود.

* تقرير – موقع “عربي بوست”