السياسية – تقرير: نجيب هبة

لم يحدث في التاريخ أن سعت دولة محتلة من أجل مصلحة البلد الذي تحتله بل على العكس فإن الدول المحتلة دائماً تستغل البلدان والشعوب الواقعة تحت احتلالها من أجل مصلحتها وتنهب خيراتها وثرواتها وتزيد على ذلك أن تعمل على إشعال الفتن والصراعات داخل هذه المجتمعات ليسهل عليها تحقيق أهدافها الاحتلالية.

وهذا تماماً ما تقوم به دولتي الاحتلال السعودي الإماراتي في اليمن فتحت ذريعة ما يسمونه بـ “إعادة الإعمار” يعمل نظام آل سعود على استعمار واحتلال المحافظات الجنوبية ونهب خيراتها على مرأى ومسمع من دول العالم وبتواطؤ مخجل من حكومة المرتزقة التي يعمل أعضاءها كموظفين لدى نظامي أبوظبي والرياض.

ففي هذا الإطار، شرع ما يعرف بـ”البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن” بإنشاء مدارس في محافظة المهرة وقام بتسميتها بأسماء مدن سعودية مخالفاً بذلك رغبات وتطلعات المواطنين اليمنيين في تلك المحافظة، كما شرع بإنشاء غيرها من المشاريع وكلها بمسميات سعودية وبشروط سعودية مجحفة تكرس سياسية الاحتلال والاستعمار والرغبة التوسعية لنظام آل سعود في المهرة وغيرها من المحافظات اليمنية.

وتأتي هذه التصرفات تجسيداً لاتفاقية وقعها “البرنامج السعودي” في وقت سابق مع حكومة الفار هادي أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها استعمار تحت ذريعة “إعادة الإعمار”.

فقد كشفت مصادر إعلامية نقلا عن مسئولين في حكومة المرتزقة، تفاصيل خطيرة حول اتفاقية وقعها أحد وزراء حكومة الفنادق، مع مايسمى “البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن”، في مايو من العام الماضي، وأن هذه الاتفاقية تمثل تعد واضح على سيادة البلد، وتكرس الهيمنة على السياسات والبرامج والخطط الحكومية. ويبدو واضحاً أن نصوص الاتفاقية تتجاوز قوانين اليمن النافذة، وتخطط للهيمنة والانتقاص من سيادة هذا البلد.

وحسب تلك المصادر فقد ورد في الاتفاقية التي تتألف من 14 مادة أن “حكومة المملكة العربية السعودية قد أسست البرنامج السعودي لتنمية وإعادة إعمار اليمن بناء على طلب حكومة البلد”، وهو ما يثير تساؤلات حول الجهة التي أنيط بها تقديم الطلب عنها؟

وتشير الاتفاقية إلى أن أحكامها تطبق على جميع المشاريع أو المساعدات التي ينفذها الطرف الأول (البرنامج السعودي) في الجمهورية اليمنية أو يساعد في تنفيذها “، فيما أكدت المصادر أن معظم المشاريع التي تم تنفيذها دون أي اتفاقيات أو عقود، هي عبارة عن مشاريع هدفها التسويق الإعلامي، ولم تخضع لمواصفات ومقاييس تضمن جودتها، مضيفا أن فيها عمليات فساد كبيرة، بالإضافة إلى أن كلفة التنفيذ لا تتناسب مع حجم الانجاز، بينما حجم الفساد فيها يتجاوز أحيانا 70 %.

وورد في مشروع الاتفاقية أن يقوم الطرف الأول بتنفيذ المشاريع التي تكون ضمن نطاق البرنامج استجابة للطلبات التي قد ترد من الطرف الثاني (حكومة المرتزقة) أو من أي جهة يعينها الطرف الثاني ويوافق عليها الطرف الأول”.

ووفقا للمصدر الحكومي، فإن الاستجابة هنا خاضعة لتنفيذ المشاريع المطلوبة من الحكومة لموافقة الطرف الأول (الجانب السعودي)، وهو ما يعني أن الأمر في مجمله مناط بما ترغب به السعودية لا بما يرغب به الجانب اليمني.

ومنحت “المادة الرابعة” البرنامج السعودي حقوق تتعارض مع كل القوانين المنظمة للتعاملات المصرفية والتي منها عمليات الإقراض، بالإضافة لمنح البرنامج حرية الاستثمار، وقد خرج البرنامج السعودي هنا من أداء دوره المحدد في ديباجة الاتفاقية وبنودها ووضع في مصاف البنوك المقرضة والمستثمرين.

“المادة 5”

ويلفت المصدر إلى أن الفقرة 2 من البند (ج) تنص على “تقديم خدمات الخبراء لأداء الوظائف التشغيلية أو التنفيذية أو الإدارية كموظفين في الخدمة المدنية للطرف الثاني (الجانب اليمني) أو كموظفين لأي جهة يعينها الطرف ذاته، وهو ما يمنح الحكومة السعودية الحق في التدخل المباشر في قضايا تعيين الموظفين في الوظائف التشغيلية أو التنفيذية أو الإدارية وأدخلتهم كموظفين من موظفي الخدمة المدنية وفي أعمال مختلف الجهات وهو ما يتعارض مع قانون الخدمة المدنية اليمني.

كما تشير الفقرة (3) من المادة ذاتها، إلى أن “الطرف الأول (المملكة) يقدم المساعدات إما من خلال الجهات الحكومية أو من خلال البعثة المقيمة في اليمن، أو من خلال التعاون مع جهة خارجية، وذلك وفقاً لما يراه مناسبا”.

وحسب محللين قانونيين فإن ذلك يُمكن الجانب السعودي من عمل وتنفيذ ما يرغب فيه ودون علم “الحكومة اليمنية”، ودون مشاركة منها ودون استشارتها أو التنسيق المسبق معها.. مؤكدين أن التنفيذ يمكن أن يتم عبر طرف خارجي يحدده الطرف الأول وهو البرنامج السعودي وفقا لما يراه مناسبا.

فيما الفقرة (4) تؤكد أن الطرف الأول، أي البرنامج السعودي، يقدم المساعدات داخل الجمهورية اليمنية من خلال البعثة المقيمة أو الممثل المقيم على أن تتولى البعثة السعودية أو الممثل المقيم مسؤولية الاتصال مع الطرف الثاني ممثلا بوزارة التخطيط والتعاون الدولي والذي يتولى بدوره التنسيق مع الأجهزة والجهات ذات العلاقة وإبلاغهم بالسياسات والمعايير والإجراءات المتعلقة بعمل البرنامج.

وعلق المحللون القانونيون على هذه الفقرة بأن الاتفاقية قصرت دور الوزارة اليمنية على إبلاغ الجهات بالسياسات والمعايير والإجراءات المتعلقة بعمل البرنامج، وأن على الجهات اليمنية، ضمناً الالتزام بتلك الإجراءات التي يحددها البرنامج السعودي في “نسف كامل للإجراءات الحكومية القانونية والنظامية”.

“المادة 6”

أما هذه المادة المنظمة لتنفيذ المشاريع، كما جاء في الاتفاقية ، حيث تفيد الفقرة (1) في البند (أ) على إلزام حكومة اليمن بمجموعة من الالتزامات التي تنتقص من حقوقها القانونية، حسبما ذكر المصدر.

وهنا حدد البرنامج السعودي أسس تقديم الطلبات وفقاً لما يضعها من إجراءات، فيما يفترض أن يتم الاتفاق على تلك الأسس مع الحكومة اليمنية، وتكون ثابتة لاتتغير بناء على مزاج المسؤولين السعوديين عن البرنامج.

وتحدث المصدر عن الفقرة (1) في البند (ث) والتي اشترطت أمر تعيين ممثل الطرف الثاني “الحكومة اليمنية” بالتشاور مع الجانب السعودي، وهو ما يشير إلى إمكانية فرض من يراه.

فضلا عن ذلك، اشترط الجانب السعودي أن “يلتزم ممثل الطرف الثاني بأداء المهام التي يوكلها إليه البرنامج، وهو ما يجعل ممثل الجانب اليمني مجرد موظف لدى البرنامج وليس ممثل لبلاده”.

ويعدّ ما ورود في الفقرتين (ب، د) قمة في الاستخفاف بـ “الحكومة اليمنية”، رغم أنها جاءت تحت بند الالتزامات من البرنامج السعودي إلا أنها تصب في صالحه عندما منحته “تعيين الخبراء والاستشاريين والموظفين والمتطوعين، في سبيل تنفيذ المشاريع، وأمر تلقي التعليمات والتوجيهات من حق مشرف البرنامج أو من يمثله، بالإضافة لاختيار الشركات والموردين السعوديين وإدارتهم وفقاَ لسياسات تلك الشركات والموردين وممارساتهم”.

“المادة 7”

وجردت المادة السابعة السلطات اليمنية من كل الحقوق السيادية للمشاريع المنفذة في البلاد لصالح البرنامج السعودي وجعلت حقوق براءات الاختراع والملكية الفكرية وحقوق النشر وأي حق ناشئ عن أي اكتشاف لصالح الأخير”.

“المادة 8”

وتحدث المصدر عن تفاصيل خطيرة وردت في الفقرتين الأولى والثانية من المادة الثامنة والمتعلقة بمجال الاستثمار والتي أعطت السلطات السعودية الحق في الاستثمار في المشاريع التنموية في جميع محافظات الجمهورية، وكذا الحق في الدخول في شراكات استثمارية مع شركات متعددة الجنسيات.

ومن أخطر ما في الاتفاقية، ما ورد في الفقرة (4) من المادة (8) حيث تلزم الطرف الثاني، بـ”إعفاء الشركات والموردين السعوديين والجهات المتعاقدة مع البرنامج من دفع الرسوم الجمركية أو الضرائب أو التعريفات على استيراد أو تملك أو نقل أو تخزين المعدات والأدوات المستخدمة في مشروعات البرنامج أو أي نفقات متعلقة بذلك خلال فترة عمل أو تعاقد هذه الشركات أو الموردين أو الجهات لتنفيذ المشاريع وفقا للقوانين المنظمة في الجمهورية اليمنية”.

وبحسب المصدر فإنه لا يوجد قانون يجيز ذلك.. حتى يتم اسناد هذا الأمر وفقا للقوانين المنظمة في اليمن، كما أنه لا يمكن أن يتم إعفاء الشركات والموردين السعوديين والجهات المتعاقدة مع البرنامج من دفع الرسوم الجمركية أو الضرائب، كون هكذا اجراء يتطلب تشريع قانوني.

“المادة 10”

وبالنسبة للفقرة الثانية من المادة (10) التي تعتبر البرنامج السعودي “مؤسسة دبلوماسية، وبناء عليه يلتزم الطرف الثاني، (اليمني) بمنح المقر الرئيس للبرنامج وفروعه والموظفين السعوديين المبتعثين للعمل فيه وعائلاتهم وممتلكاتهم الامتيازات والحصانات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين في البلاد.

وهذه الفقرة، تخالف جميع القوانين والاعراف الدبلوماسية الدولية، ولا يمكن القبول بها. واستدل المصدر على ذلك بإتفاقية “فيينا” للعلاقات الدبلوماسية المبرمة في العام 1961، التي حددت الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وتبين الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية وحدود مفاهيم الحصانة الدبلوماسية، وهذا ما لا ينطبق مع “البرنامج السعودي”.

“المادة 13”

ودعا المصدر إلى إلغاء الفقرة (2) من المادة الثالثة عشر، والتي تنص أنه “في حال عدم الاتفاق على وسيلة لحل النزاع، يلجأ الطرفان الى إنشاء هيئة تحكيم ثلاثية يختار كل طرف ممثلا عنه عضوا في الهيئة، ويختار العضوان بالاتفاق مرجحا ثالثا، وتكون قرارات اللجنة نهائية وملزمة للطرفين”.

وأرجع ذلك إلى “كون الاتفاق يتم بين دولتين وأن بنود الاتفاقية تتضمن المساهمة في أعمال الإعمار والمساعدة في التعافي الاقتصادي، بالإضافة لتمويل برامج وخطط التنمية، وتحسين وتجويد الخدمات الأساسية، وكل تلك الأعمال تندرج في اطار التبرع والمساهمات غير الربحية”.

فيما يُمكن هذا النص الطرف الأول (السعودي) من تحقيق عوائد مالية قد تفضي لنزاع يستوجب معه التحكيم بهذه الطريقة التي توضع عادة في اتفاقيات الأعمال التجارية.

وما يظهر في هذه المواد المجحفة يجعل من المستحيل على أي طرف كان أن يقبل بها ، ولكن توقيعها من قبل حكومة المرتزقة يوضح إلى أي مستوى وصل الذل والعمالة التي قبل أولئك أن يضعوا أنفسهم وبلادهم فيها.

وهذه الاتفاقية فيها انتقاص من الحق السيادي للجمهورية اليمنية وتتعارض مع معظم مواد الدستور والقانون، خاصة أنها تمنح ما يسمى بـ “البرنامج السعودي” امتيازات وحقوق وحصانات واعفاءات جمركية وضريبية.. وبالمقابل فإنها لا تمنح شيئاً يذكر للجانب اليمني.

وليس هذا بمستغرب على النظام السعودي الذي بدا واضحاً منذ البداية أن تدخله في أزمة اليمن كان طمعاً في تحقيق مصالح اقتصادية وأهداف احتلالية توسعية على حساب الشعب اليمني المغلوب على أمره.