السياسية – تقرير .. نجيب هبة .

منذ بدء العدوان السعودي الإماراتي على اليمن دأب قادة نظام أبوظبي على تركيز أنظارهم نحو المناطق والمحافظات ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية وهو مادفع بهم إلى احتلال مناطق مهمة مثل سقطرى وبلحاف في شبوة والمخا والخوخة وباب المندب وغيرها من المناطق المطلة على البحرين الأحمر والعربي..

ولم يترك قادة مشيخة الشر الإماراتية جريمة إلا ارتكبوها في تلك المناطق وآخر تلك الجرائم ماكشفت عنه منظمات ووسائل إعلام عن إنشاء سجون سرية في كثير من المناطق التي تحتلها..

حيث اتهمت منظمة حقوقية ، دويلة الإمارات بإنشاء عشرات السجون السرية في اليمن، ودعت مجلس الأمن إلى العمل على إغلاق هذه السجون وضمان محاكمة مرتكبي الانتهاكات.

وسبق أن اتهمت منظمات حقوقية دولية ويمنية، بينها “هيومن رايتس ووتش” وغيرها، أبوظبي بإنشاء سجون سرية في محافظتي عدن وحضرموت .

وقالت منظمة “سام للحقوق والحريات” ، أهلية مقرها جنيف، في بيان إن الإمارات أنشأت عشرات السجون السرية، عبر قوات تمولها وتديرها.. ومن بين هذه القوات “ألوية العمالقة” في الساحل الغربي، وقوات “الحزام الأمني” بمحافظات عدن وأبين ولحج ، والنخبتان “الشبوانية” و”الحضرمية”.

وأضافت المنظمة “تعمد تلك القوات إلى إخفاء آلاف اليمنيين من معارضين سياسيين وأصحاب رأي، بل حتى مدنيين، دون توجيه أي تهمة أو عرض على السلطات القضائية”.

وقالت “سام” إن التطور الأخطر هو إنشاء الإمارات عشرات السجون في مدن ومناطق مختلفة بالبلاد وإنها “رصدت سجوناً عديدة في المكلا عاصمة حضرموت، وعزان في شبوة، وسجون في أبين ولحج، والمخا والخوخة بالساحل الغربي”.

واستعرضت المنظمة شهادات لأشخاص قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب والتوقيف في أحد السجون السرية بمدينة الخوخة الخاضعة لسيطرة “اللواء التاسع عمالقة” المُمول من الإمارات.

ودعت المنظمة مكونات المجتمع الدولي، خاصةً الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى “إرسال لجان تحقيق وتقصّي حقائق؛ للرقابة على السجون السرية والعمل على إغلاقها، وضمان تقديم مرتكبي الانتهاكات بحق اليمنيين للعدالة”.

بلحاف من منشأة اقتصادية إلى سجن كبير

وقد ركز نظام أبوظبي بشكل رئيسي على منشأة بلحاف الاستراتيجية المخصصة لتصدير الغاز المسال، والذي تديرها شركة “توتال” الفرنسية، وباتت منطقة عسكرية مغلقة يديرها ضباط إماراتيون، وسط اتهامات بتحويلها إلى سجنٍ كبير لمعارضي الاحتلال الإماراتي.

ففي هذا السياق، قالت منظمة سام للحقوق والحريات لوكالة أنباء الأناضول إن “المنظمة وثقت في 2017 اعتقال أسرة يمنية من شبوة أثناء عودتها من محافظة مأرب المجاورة، وتم نقل الأسرة بطائرة مروحية إماراتية إلى منشأة بلحاف.. الضحايا أكدوا لنا أنهم شاهدوا جنودا أجانب في المعتقل، لكن غير معروف جنسياتهم”.

وأكدت المنظمة أن لديها “شهادات موثقة لأربعة من الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب بطريقة مهينة وقاسية في سجن بلحاف”.

من جانبه قال موقع الخليج أونلاين أن فرنسا متهمة بتسهيل سيطرة أبوظبي على المنشأة اليمنية عبر شركة “توتال”، مراعاة للمصالح الاقتصادية المشتركة. ما دفع البرلمان الفرنسي لمساءلة وزير الخارجية حول استخدام “بلحاف” كقاعدة عسكرية من الإمارات.

وأضاف الموقع أنه “مع تسليط وسائل الإعلام الفرنسية والمنظمات الحقوقية الضوء على الانتهاكات الحقوقية داخل منشأة بلحاف في شبوة ، شرق اليمن، وجَّه نواب فرنسيون استجواباً لوزير الخارجية جان إيف لودريان بشأن وجود قاعدة عسكرية ومركز اعتقال تقيمه الإمارات في محيط موقع لإنتاج الغاز باليمن تديره شركة “توتال” الفرنسية”.

وفي رسالة مفتوحة نشرت صحيفة “لوموند” جانباً منها، في 13 ديسمبر 2020، عبّر 51 نائباً بالبرلمان الفرنسي عن قلقهم من استغلال منشأة “بلحاف” في اليمن بطريقة تتعارض مع القانون الدولي والاتفاقيات التي تنظم قانون الحرب، والذي تسهم فيه بشكل رئيس شركة فرنسية.

وفي استجواب الوزير قال النواب “يبدو لنا مقلقاً للغاية أن مصنع بلحاف، والمساهم الرئيس فيه هو رائد الصناعة الفرنسية، يتم استغلاله بطريقة تتعارض مع القانون الدولي والاتفاقيات التي تحكم قانون الحرب. إن قلقنا أكثر حدة لأن الدولة قد دعمت مشروع الغاز هذا منذ إطلاقه في عام 2009 بضمان ائتماني يصل إلى 216 مليون يورو”.

 

تورط شركة توتال

وجاء الاستفسار بناء على معلومات كشفت من خلالها صحيفة “لوموند” الفرنسية عن انتهاكات منسوبة إلى قوات الاحتلال الإماراتية في ذلك الموقع، والصراع المستمر للسيطرة عليه.

كما قالت الصحيفة، في تقرير لها في نوفمبر 2019، إنها استقت معلوماتها من شهادات جمعتها منظمة العفو الدولية، وكذا مجموعة من خبراء أمميين في الشأن اليمني، إضافة إلى منظمات غير حكومية ونشطاء يمنيين أكدوا وجود هذا السجن الموجود داخل قاعدة عسكرية أنشأتها الإمارات في منشأة بلحاف.

ومؤخراً كشفت تقارير حقوقية فرنسية عن تورط فرنسا عبر ذراعها الاقتصادي العملاق شركة “توتال” في حرب غير مرئية باليمن، حيث أكد تحقيق استقصائي أجرته منظمات حقوقية أن “توتال” استقدمت بالتنسيق مع دولة الإمارات ثلاث شركات أمنية أجنبية إلى ميناء بلحاف بمحافظة شبوة للعمل تحت غطاء محاربة الإرهاب.

وذكر التحقيق الذي أجرته منظمتا “أصدقاء الأرض” و”مرصد السلاح” الفرنسيتان، في سبتمبر 2020، أن “توتال” قامت بتجهيز قاعدة عسكرية تضم مربضاً للطائرات المسيرة من دون طيار، ومهبط للطائرات العمودية بالإضافة إلى سجون سرية تديرها دولة الإمارات.

وأوضح التحقيق أن تلك السجون السرية تعج بعشرات المعتقلين من معارضي سياسات الاحتلال الإماراتي في اليمن، ويمارس بحقهم شتى أنواع التعذيب الوحشي على أيدي ضباط إماراتيين ومسلحين يتبعون قوات النخبة الشبوانية الممولة من أبوظبي.

وسبق أن كشف تحقيق أجرته وكالة “أسوشييتد برس” عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها الإمارات، ويخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب.

وهكذا فقد انحرف التدخل السعودي الإماراتي عن أهدافه المزعومة بإعادة ما يوصف بالشرعية إلى عدة أهداف توسعية واستعمارية كانت مبيتة منذ البداية ، وما يستدعيه تحقيقها من تكميم أفواه وسحق أي معارضة وبالتالي فإن إقامة السجون السرية جاء من باب تحقيق هذه الأهداف غير الأخلاقية.

 

تجريد اليمن من أهم موارده الإقتصادية

وقال موقع “ديبريفر” ،الذي يبث من لندن، أن ضغوطاً متزايدة تطالب بخروج القوات الإماراتية من ميناء بلحاف النفطي، مع تفاقم الأوضاع الإقتصادية..

وأضاف الموقع في تقرير له أن “هذه الضعوط تضع الإمارات في مرمى الإنتقادات الدولية، وبالأخص بعد تشكيل حكومة المرتزقة الجديدة ، بمشاركة حليفها الوثيق “الإنتقالي الجنوبي”.

وكانت الإمارات بسطت سيطرتها منذ صيف 2016، على ميناء بلحاف، الذي يضم أكبر منشأة إقتصادية يمنية، مخصصة لتصدير الغاز المسال عبر أنبوب رئيسي يمتد من محافظة مأرب وحتى ساحل بحر العرب.

ووفقا لتقارير إقتصادية، فإن إستمرار سيطرة قوات الاحتلال الإماراتية على بلحاف ومنع إستئناف عمليات تصدير النفط والغاز، يحرم اليمن من عائدات مالية تتراوح مابين 2 إلى 3.7 مليار دولار سنويا.

ويرى مراقبون أن إصرار الإمارات على عسكرة هذه المنشأة الإقتصادية الهامة بالنسبة لليمن وتعطيل العمل فيها، يندرج في إطار مساعيها الواضحة لتجريد اليمن من أهم موارده الاقتصادية ، وإبقائه في حالة من الضعف والهوان.. مؤكدين إن ما تقوم به الإمارات هو “خنق الشعب اليمني ، في سياق مساعي متزايدة لتقسيم اليمن، وتحويله إلى مربعات تتنازعها مليشيات، ما يجعل من السهل الهيمنة عليه وعلى موانئه الإستراتيجية وموارده الطبيعية”.

وكالة الأناضول التركية نقلت عن مصدر يمني قوله أن “الإمارات حولت أكبر مشروع اقتصادي في اليمن إلى ثكنة عسكرية وسجن خاص بها تعذب فيه المعتقلين”.. مضيفاً “للأسف الشديد الإمارات ركزت منذ وصولها اليمن على المناطق الاقتصادية وسيطرت عليها، مثل منشأة بلحاف وجزيرة سقطرى”. وأردف “ذهبت الإمارات أيضا إلى الساحل الغربي، وأرسلت مليشياتها إلى مضيق باب المندب، وهي مناطق استراتيجية”.

 

أهداف عسكرية

ورأى مراقبون أن “ثمة أبعاد وأهداف عسكرية يسعى نظام أبوظبي إلى تحقيقها عبر استمرار سيطرته على منشأة بلحاف”. وهذه الأبعاد متعلقة بدعم حلفاءه على الأرض وأهمهم المجلس الانتقالي في مواجهة قوات ما تسمى ب “الحكومة الشرعية” المزعومة.

وأشاروا إلى أن “منشأة بلحاف يمكن أن تفيد الإمارات في مجال النفط والغاز وما شابه، إضافة إلى توظيف وجودها في المنشأة للتأثير على الأطراف الدولية المشاركة في المشروع، ومنها فرنسا وكوريا”.. مضيفين أن “وجود الإمارات في تلك المنشأة هو مكمل لسيطرتها الاقتصادية على ميناء عدن الحيوي ومصافي تكرير النفط هناك، بالإضافة إلى موانئ أخرى، وهيمنتها أيضا على موارد اقتصادية أخرى، ما يؤدي إلى إضعاف الحكومة”.

وقد أثبتت تقارير، لخبراء دوليين أمميين ، وجود سجون اعتقال داخل هذه المنشأة تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان، بما فيها التعذيب”.

فهل يمكن لهذه التحركات الفرنسية أن تؤدي إلى دفع الإمارات للخروج من منشأة بلحاف الغازية؟ أم أن هذه الضغوطات سوف تصطدم بعقبة المصالح الاقتصادية ودوائر النفوذ في فرنسا ، كما هو الحال في كل مرة تقوم برلمانات دول غربية بمساءلة حكومات بلدانها حيث رأينا مثل تلك المساءلات في قضايا صفقات الأسلحة لدول مثل بريطانيا وأمريكا وغيرها مع السعودية والإمارات.

ويبدو أن حركة إحياء المصالح السياسية والاقتصادية للدول الاستعمارية التي تنشط مؤخرا في العديد من دول المنطقة هي من يكون لها الكلمة الفصل دائماً ومن تتفوق على محاولات لفت الانتباه التي تركز على الجوانب الإنسانية من قبل البرلمانات والمنظمات الدولية.