السياسية:

اهتمت صحف عربية بحالة من التوتر نشأت بين طهران وأنقرة بعد أن ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبياتا شعرية تتعرض لـنهر أراس الواقع على الحدود بين إيران وأذربيجان، والذي اعتبرته إيران استهدافًا لوحدة أراضيها.

واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير التركي فى طهران، وأبلغته احتجاجها على أبيات الشعر، التي ألقاها أردوغان في حفل أقامه الرئيس الأذري إلهام علييف في باكو بمناسبة انتصار بلاده على أرمينيا في معركة قره باخ الأخيرة.

وقال فريق من الكتاب إن أردوغان ربما أراد “تعزيز شعبيته في أوساط الشعب الأذربيجاني الذي يعتبره بطلا لتدخله بقوة لصالح بلادهم في الحرب ضد أرمينيا”.

بينما رأى فريق آخر أن أردوغان يجد عزاءه في الشعر بسبب “عدم قدرته على الإنجاز” فيما يخصّ مشاريعه التوسعية.

“ألا يُوجد عُقلاء؟”

تقول صحيفة رأي اليوم الإلكترونية اللندنية: “لا نعرف ما إذا كان الرئيس أردوغان قد تعمّد تضمين فقرات من هذه القصيدة المنسوبة إلى شاعرٍ ‘قومي’ أذري، وبالتّحديد الفقرة التي تتحدث عن ‘أجزاء’ من الأراضي الأذرية تعتبر أحد المكونات الجغرافية الأساسية للدولة الإيرانية، أم أن اختيارها جاء بالصدفة المحضة، وقرأها دون أن يدرك جوهر كلماتها”.

وتتابع الصحيفة في افتتاحيتها: “كثيرون، وخاصة الذين يعرفون شخصية الرئيس أردوغان واتّباعه لسياسة حافة الهاوية مع دول الجوار، خصومًا كانوا أو أصدقاء، يميلون إلى ترجيح الاحتمال الأول أي ‘التعمّد’ لضرب عصفورين بقصيدة واحدة: الأول، تعزيز شعبيته في أوساط الشعب الأذربيجاني الذي يعتبره بطلا لتدخله بقوة لصالح بلادهم في الحرب ضد أرمينيا … أمّا الثاني فيعود إلى تبني الرئيس أردوغان أيديولوجية قديمة جديدة، عنوانها إحياء القومية التركمانستانية”.

وتضيف رأي اليوم: “مرة أخرى نسأل ‘ألا يوجد عقلاء’ في تركيا يضعون حدًا لسياسة استعداء معظم، أو جميع دول الجوار الإسلامية وغير الإسلامية، وبما يؤدي إلى غرق بلادهم في حروب عسكرية واقتصادية قد تنعكس سلبًا على وحدة التراب والاقتصاد التركي في ظل أزمة اقتصادية طاحنة قد تزداد خطورة في المستقبل المنظور بفعل العقوبات الأوروبية والأمريكية؟”

أما طارق الحُميد، فيرى في صحيفة عكاظ السعودية أن “الظريف في تصريحات إيران، وما يجعل هذا الخلاف التركي-الإيراني شيّقا، هو قول طهران ‘إن حقبة المطالب المتعلقة بالأرض والامبراطوريات التوسعية قد انقضت’. والحقيقة أن هذا التصريح هو من باب شرّ البلية ما يضحك. حيث إن إيران التوسعيّة الطائفية تقول لتركيا التوسعية إن عهد التوسع قد انقضى”.

ويقول الحميد: “الحقيقة أننا لم نر إيران وتركيا وهما تتآمران على منطقتنا، لكننا نراهما الآن وهما تختلفان، وتخاطب إحداهما الأخرى بما تستحقه، وبأسبوع تركي مميز في كيفية صنع الأعداء، و’تصفير’ المكتسبات”.

“المضحكات المبكيات”

في سياق متصل، يقول نديم قطيش في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية: “ما يلفت في علاقة الرئيس التركي بالشعر تلك العلاقة العكسية التي يقيمها مع اللغة والمجاز. فالشعر كان دوما ملاذ الاعتراض السياسي في الهامش على المتون التي تحتلها السلطة، وهي ليست حال أردوغان المتربّع على عرش تركيا منذ نحو عقدين من الزمن”.

ويتابع قطيش: “وأردوغان بات طاغية، يمتلك كل مواصفات الطغيان، يجد في المجاز اللغوي حيزا لتطويع القيم، ويركب اللغة وسيلةَ نقل وشحن عاطفي … اللغة هي ما يردم به أردوغان تلك الهوّة هائلة الاتساع بين حيويته واندفاعه من جهة؛ وعدم قدرته على الإنجاز من جهة ثانية”.

ويستطرد الكاتب قائلا: “فمشروعه التوسعي الممتنع بفعل الواقع السياسي وواقع قدراته العسكرية والاقتصادية والتوازنات العالمية، يجد له متنفسا في الشعر. حاجته الماسة للهروب من مشكلات داخلية اقتصادية وصحية وسياسية وحزبية، تلزمه اختراع أوهام خارج حدود بلاده… الشعر بوابته لإعلان الهوية الإسلامية لتركيا التي يريدها. والشعر للاعتراض على السياسة الأمريكية التي يمتلك حدودًا ضيّقة للاعتراض العملي عليها”.

وعلى المنوال ذاته، يقول مشاري الزايدي في جريدة المصري اليوم: “مجددا، يفجر الأزمات، صاحب الرأس الحامي والتصور الساذج والخطير في آن … الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هذه المرة بحضور الرئيس الأذري إلهام علييف”.

ويتابع: “لكن هذه المرة، ‘الطلعة’ الرجبيّة الشِعرية السلطانية لم تسلم فيها الجَرّة، لأن السلطان المتهور نثر ملحًا على جُرح تاريخي إيراني-تركي قديم … ليست هذه أولى القصائد السياسية الملتهبة التي يصدح بها صناجة التُرك، رجب طيب أردوغان”.

ويتساءل الكاتب: “هل نحن أمام عقلية شعرية شعاراتية، تنفعل بالشعر والشعارات وتفعل به المصائب والويلات؟ حقًا هى أمور من المضحكات المبكيات”.
وكالات