السياسية – تقرير:

بإعلان وزير خارجيتها مايك بومبيو عن تغير الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية واعتبارها غير مخالفة للقانون، تكون الإدارة الأمريكية الحالية بذلك قد أعلنت شراكتها مع الكيان الإسرائيلي في احتلال ما بقي من أرض فلسطين، وضربت عرض الحائط موقف العالم اجمع الرافض للاستيطان، بل والقانون الدولي نفسه.

وقال بومبيو في تصريحات صحفية “إن وضع الضفة المحتلة أمر يتفاوض عليه الإسرائيليون والفلسطينيون”.

وأضاف انه “وبعد دراسة جميع أوجه الجدل القانوني بعناية، توصلت الولايات المتحدة إلى أن بناء المستوطنات الإسرائيلية المدنية في الضفة الغربية في حد ذاته لا يتعارض مع القانون الدولي”.

ورأى الوزير الأمريكي بأن “وصف بناء المستوطنات الإسرائيلية بأنه مخالف للقانون الدولي لم يجد نفعاً، ولم يساعد على إحراز أي تقدم في قضية السلام”.

وقد سارع الكيان الإسرائيلي بالترحيب بتحرك الإدارة الأمريكية الحالية الذي جاء على النقيض من موقف إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من المستوطنات.

ووصف رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو هذا التحول في السياسة الأمريكية بأنه يصحح ما اسماه بـ “خطأ تاريخي” لم يعرفه المؤرخون .. مطالباً دولاً أخرى بأن تحذو حذو الولايات المتحدة.

لكن الكونغرس الأميركي، مؤخرا، صادق على قرار بأغلبية 226 مقابل معارضة 188،  يدعم حل الدولتين، والذي طرحه العضو الديمقراطي الان لوينثال.

وينص القرار على أنه “فقط نتيجة حل الدولتين الذي يعزز الاستقرار والأمن لإسرائيل والفلسطينيين، ويمكن أن يضمن بقاء إسرائيل وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني”.

كما رفض الاتحاد الأوروبي موقف إدارة ترمب وأصر على اعتبار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مخالفاً للقانون الدولي.

وجدد الاتحاد موقفه الذي يؤكد ان النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني بموجب القانوني الدولي ويقلل فرص التوصل إلى سلام دائم.

بل وذهبت مسئولة الاتحاد للسياسة الخارجية والامنية فيدريكا موغيريني الى مطالبة الكيان الإسرائيلي بانهاء الاستيطان قائلة في بيان رسمي إن “الاتحاد الأوروبي يدعو (إسرائيل) لإنهاء كل النشاط الاستيطاني في ضوء التزاماتها كقوة محتلة”.

لكن تفسير القانون الدولي ليس في أيدي الأمريكيين، بل هو من مسئولية جهات دولية كالأمم المتحدة وهو مشرعن في اتفاقيات ومعاهدات دولية مثل معاهدة جنيف الرابعة التي تحرم القوة المحتلة من إسكان مدنييها في الأراضي التي تحتلها.

كما أن تغير القرار الأمريكي من المستوطنات والقائم منذ حوالي أربعة عقود سيكون له مع ذلك أثر من وجهة النظر السياسية، فهو يدعم الموقف الإسرائيلي القائل إن الضفة الغربية أرض “متنازع عليها” وليست “محتلة”.

ومن شأن هذا القرار أيضاً إضعاف إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ومن نظر القانون الدولي فالمستوطنات عبارة عن تجمعات إسكانية يهودية شيدت في الأراضي التي احتلتها (اسرائيل) بالقوة العسكرية في حرب حزيران (يونيو) عام 1967م.

ويقيم وفقاً لاخر التقارير أكثر من 600 ألف مستوطن يهودي في 140 مستوطنة بُنيت منذ احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية والقدس.

وكانت المفاوضات التي جرت بين الجانبين في سياق اتفاقيات أوسلو للسلام في عام 1993م تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.

وسبق أن عارضت الإدارات الأمريكية السابقة بناء وتوسيع المستوطنات، باعتبارها عقبة في طريق السلام، وكانت هذه الإدارات تعارض هذا التوجه الاسرائيلي بدرجات متفاوتة.

لكن وتيرة انشاء وتوسيع المستوطنات تسارعت منذ تسلم ترامب مقاليد الحكم في واشنطن.

ويرى المراقبون أن هذا القرار قد يفتح الطريق لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الكيان الصهيوني وهو ما يطالب به اليمين الاسرائيلي المتشدد والذي يعد من أقوى المؤيدين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يسعى لاحتلال ما بقي من اراضي الضفة الغربية.

ويقول الدبلوماسي الروسي السابق الخبير في الشؤون العربية فياتشيسلاف ماتوزوف إن الموقف الأمريكي “يقتل المفاوضات الدبلوماسية، لأنها تدعم طرفاً واحداً في النزاع العربي – الإسرائيلي”.

ويؤكد أن هذا الموقف الأمريكي الجديد سيخلق مشاكل للدول الأخرى في العالم التي كانت تتصرف على أساس الهيكل المتفق عليه دولياً للسلام بين (اسرائيل) والفلسطينيين.

لأكثر من عقدين من الزمن، ركّز المجتمع الدولي جهوده على العمل للتوصل إلى حل الدولتين للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، وطالما حذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أن النشاط الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة إنما يقوّض امكانية التوصل إلى هذا الحل.

ورغم ذلك يرى الدبلوماسي الروسي أن هذا الموقف لن يغير شيئاً على الأرض، لأنه يتعارض مع كل القوانين الدولية.

فيما يرى الصحفي الأمريكي ريتشارد سيلفرشتاين أن القرار الأمريكي سيشجع (اسرائيل) عن استحداث نظاماً شبيهاً بنظام الفصل العنصري الذي كانت تتبعه جنوب أفريقيا بتحديد مناطق منفصلة للسود.

ويقول أنه وفي مثل هكذا نظام، ستتخلص من الفلسطينيين عبر منحهم سلطة تتمتع بنوع من الحكم الذاتي بحيث تستطيع أن تدعي أنهم يمارسون حق تقرير المصير.

ويمضي سيلفرشتاين إلى القول إن هناك حفنة من الدول -يصفها بالنشاز- تؤيد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، من بينها الولايات المتحدة.

ولعل هذا الاعتراف يجعل من الولايات المتحدة “دولة منبوذة” تماماً مثل (إسرائيل) حسب تعبير الكاتب.

وما يزيد من الأمر تعقيداً انقسام القيادة الفلسطينية بين السلطة التي يقودها محمود عباس ومنظمة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة، وقد منع هذا الخلاف بين الجانبين بلورة أي إستراتيجية فعالة لمواجهة إدارة ترامب وسعيها لتغيير مسار السياسة الأمريكية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

سبأ