السياسية - تقرير - نجيب هبة :

يحاول وسطاء اتفاق غزة الانتقال إلى الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، ويبذلون جهودا من أجل التغلب على المصاعب والاختلالات التي تعرقل الانتقال.ولكن مَن يضع العراقيل أمام المضي قدمًا في الانتقال للمرحلة الثانية؟

يبدو جليًا أن ما يقوم به العدو الاسرائيلي من خروقات يومية للاتفاق هو العقبة الأساسية أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية؛ إذ كيف يمكن بدء تنفيد هذه المرحلة بينما لايزال وقف إطلاق النار (وهو أحد البنود الأساسية للمرحلة الأولى) هشاً بسبب استمرار القصف وإطلاق النار وتفجير المنازل وقتل المدنيين، الذي يمارسه العدو يوميًا في قطاع غزة؟

كما أن العدو الاسرائيلي أخلّ كذلك بالبند المتعلق بالانسحاب من بعض المناطق.

بينما على الطرف الآخر، بات أحد المكونات الرئيسية للمرحلة الأولى من الاتفاق، وهو إفراج المقاومة الفلسطينية عن جميع أسرى العدو الأحياء والجثامين، شبه مكتمل، إذ تتبقى إعادة رفات أسير واحد فقط.

وتوصف المرحلة الثانية بأنها أكثر تعقيدًا، حيث تتداخل فيها الحسابات السياسية والأمنية، وترسم خطة ترامب خطوطًا عريضة للتنفيذ، بينما يكمن الشيطان في التفاصيل.

ففي هذا السياق، تبذل دول الوساطة في اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، (الولايات المتحدة، ومصر، وقطر، وتركيا)، جهوداً حثيثة لبدء ‌المرحلة الثانية من الاتفاق مطلع العام المقبل، وذلك ⁠عقب محادثات بين مسؤولين أميركيين وقطريين ومصريين وأتراك في ميامي، قبل أيام، توصلت إلى ما وصفته بـ"تفاهمات واعدة" بشأن المرحلة الثانية.

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قال، خلال مؤتمر ‌صحافي، الاثنين، إن بلاده تتوقع بدء ‌المرحلة الثانية من اتفاق غزة مطلع عام 2026، موضحاً أن "مناقشات ميامي" ركزت على العقبات التي تحول دون انتقال الاتفاق إلى مرحلته التالية.

وتوصل الوسطاء إلى تفاهمات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، خلال اجتماع في مدينة ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، على المضي قدماً في تنفيذ اتفاق غزة، بعد تقييم ما تحقق في مرحلته الأولى، بما يشمل تعزيز المساعدات الإنسانية، وخفض الأعمال القتالية، والتحضير لترتيبات الحكم والإعمار والتكامل الإقليمي، بحسب بيان مشترك.

وتقوم المرحلة الثانية، على عناصر تشمل انسحاباً إضافياً للعدو الاسرائيلي ، وتشكيل آلية حكم انتقالي عبر هيئة دولية تشرف على إدارة غزة، وهو ما سمي بـ (مجلس السلام)، إلى جانب ترتيبات أمنية تتضمن نزع السلاح ، وحظيت بدعم عبر قرار مجلس الأمن الدولي، الذي تضمن إطاراً لـ"قوة استقرار دولية"، وآلية حكم انتقالية.

غير أن أكثر المصاعب وضوحًا تبقى ترتيب الأولويات، إذ يكرر العدو الإسرائيلي أن تنفيذ المرحلة الثانية يجب أن يضمن نزع سلاح "حماس" وتفكيك قدراتها، بينما يرفض قادة الحركة فكرة نزع السلاح، ويطرحون "هدنة طويلة"، أو ترتيبات أخرى من نوع "تجميد أو تخزين السلاح"، مقابل انسحاب "إسرائيلي"، وضمانات تمنع استئناف الحرب.

وفي مقابلة إعلامية، قدم رئيس حركة حماس في الخارج، خالد مشعل، تصوراً يقوم على "تخزين سلاح الحركة"، وعدم استخدامه أو استعراضه، ضمن هدنة طويلة الأمد، تمتد لسنوات، وهو ما يرفضه العدو الإسرائيلي الذي يطالب بنزع السلاح بالكامل.

وناقش وفد من حركة حماس برئاسة الدكتور خليل الحية رئيس الحركة في قطاع غزة، في مدينة إسطنبول التركية، مع رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن، مجريات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وسبل استكمال العدو تنفيذ التزاماته في المرحلة الأولى، والانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.

وذكرت "حماس" في بيان على قناتها في "تليجرام" ، أن وفد الحركة ، أكد خلال اللقاء التزام المقاومة باستمرار وقف إطلاق النار، مستعرضا في الوقت نفسه الانتهاكات الصهيونية المستمرة والخروقات المتكررة التي يرتكبها جيش العدو، والتي أسفرت عن ارتقاء أكثر من 400 شهيد منذ بدء سريان الاتفاق، مشدداً على ضرورة وقف هذه الخروقات المتواصلة.

وبحث الجانبان الجهود المبذولة لتهيئة الظروف اللازمة للانتقال للمرحلة الثانية لمعالجة القضايا العالقة، كما تم التأكيد على ضرورة تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، والحفاظ على الثوابت الوطنية، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ويعد أحد أكثر الأسئلة، ما يتعلق بمهام "قوة الاستقرار الدولية"، ففي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن ترتيبات الحكم الجديدة في غزة "ستكون قائمة قريباً"، على أن يتبعها تشكيل القوة الدولية، لكنه أقر بأن أسئلة أساسية، بينها ملف نزع السلاح، ما زالت دون إجابات واضحة للدول المرشحة للمشاركة.

ولكن العدو الاسرائيلي يبدو أن له رأيا آخر، حيث يتجاهل تلك المحاولات التي يقوم بها الوسطاء، ويغرد في وادٍ بعيد مستمرا بخروقاته ومجازره اليومية بحق الفلسطينيين في غزة.

تجاهل بيان الرباعية

قالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إن حكومة الفاشية الإسرائيلية تجاهلت البيان الرباعي للأطراف الضامنة لوقف الحرب ووقف النار، الصادر عن اجتماعها في ميامي في الولايات المتحدة الأميركية، وتأكيده على الوقف التام للأعمال العدائية، والانتقال إلى المرحلة الثانية من إتفاق غزة.

وأضافت الجبهة الديمقراطية في بيان، أن الفاشية الإسرائيلية تواصل ارتكاب مجازرها ضد المدنيين العزل وتحرم عليهم لجوءهم حتى إلى أماكن سكناهم المدمرة، اتقاء للريح والمطر والبرد، وتطلق إدعاءات مفبركة حول تجاوز الخط الأصفر، الذي كانت قوات العدو هي نفسها تجاوزته نحو الغرب، لمنع أبناء القطاع النازحين والمهجرين من العودة إلى مناطق سكنهم.

ووصفت الجبهة تواصل المجازر والأعمال العدائية الإسرائيلية في القطاع، وعرقلة الحركة على المعابر، وإصرار جيش العدو على السيطرة على المنطقة الغربية من القطاع بقوة النيران، استخفافا بالأطراف الأربعة الضامنة لاتفاق غزة، وتحدياً لها، ومحاولة مكشوفة لفرض التفسير الإسرائيلي لتطبيقات إتفاق غزة.

وقالت: "لم يعد مفهوماً لشعبنا والرأي العام هذا التحدي الإسرائيلي للأطراف الضامنة، ولقرار مجلس الأمن 2803، وخطة الرئيس ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة".

كما حمّلت الجبهة الديمقراطية، في بيان سابق، حكومة العدو الصهيوني الفاشية مسؤولية تعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب.

ودعت الأطراف الضامنة للاتفاق في شرم الشيخ والدول الثماني، إلى ممارسة الضغط الكافي لردع دولة الفاشية، والانتقال إلى المرحلة الثانية، بما فيها تشكيل الهيئة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، وانتشار قوة الاستقرار على خطوط التماس بعد الانسحاب الإسرائيلي التام من قطاع غزة.

من جانبه، أكد الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حازم قاسم، أن تصعيد انتهاكات العدو الإسرائيلي، المتمثل في القتل اليومي للمواطنين الفلسطينيين، يُعد استمرارًا لخروقات العدو لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ويزيد من خطورة الأوضاع الإنسانية.

وأوضح قاسم، في تصريح صحفي وصل وكالة الانباء اليمنية (سبأ)، أن هذا يأتي في وقت تتحدث فيه الأطراف المختلفة عن تثبيت وقف إطلاق النار والتقدم نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب على غزة، بما يعكس رغبة واضحة للعدو الاسرائيلي في مواصلة العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وأضاف الناطق باسم الحركة: "ما زلنا ندعو الوسطاء إلى التحرك الجاد للجم هذه الخروقات، والضغط على العدو لبدء عملية إعمار حقيقية لقطاع غزة، بدلًا من استمرار استشهاد المواطنين؛ سواء بانهيار المباني المقصوفة، أو غرق الخيام، أو الموت من البرد، في ظل انعدام وسائل التدفئة في القطاع".

تعثر المرحلة الأولى

واعتبر خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، أن العدو الإسرائيلي يمضي في سياسة المماطلة بتنفيذ اتفاق غزة، عبر عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية منه، في محاولة لإفشال مساعي التهدئة والاستقرار وإعادة الإعمار.

ولفت أحمد، في مداخلة مع برنامج "اليوم" المذاع على قناة DMC المصرية، إلى أن المرحلة الأولى من الاتفاق، التي انطلقت في أكتوبر الماضي، ما تزال متعثرة بفعل الانتهاكات "الإسرائيلية" المستمرة، والتي شملت تقييد إدخال المساعدات الإنسانية، والإبقاء على إغلاق المعابر الحيوية وفي مقدمتها معبر رفح، فضلًا عن تصعيد الاعتداءات الميدانية بحق المدنيين الفلسطينيين.

وشدّد على أن غياب الجداول الزمنية الواضحة وآليات الضمان الملزمة داخل الاتفاق يتيح للعدو التهرب من التزاماته دون الخضوع لأي شكل من أشكال المحاسبة الدولية.

وحذّر من "مخططات إسرائيلية" خطيرة تقوم على تعطيل عملية إعادة إعمار قطاع غزة، بهدف تحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة، ودفع الفلسطينيين قسرًا نحو الهجرة وترك أراضيهم، في خرق جسيم للقانون الدولي والمواثيق الإنسانية.

دعم أمريكي للكيان

أما المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم دعمًا مستمرًا للكيان الإسرائيلي، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا، بما يمكّنها من الاستمرار في تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

واعتبر المرصد، في بيان على موقعه الالكتروني، أن هذا الدعم يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

وأوضح أن هذا الدعم يشمل التمويل العسكري، توريد الأسلحة والذخائر وقطع الغيار، الدعم اللوجستي، والتعاون الاستخباراتي، مشيرًا إلى أن استمرار عمليات العدو الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم الإنسانية يرتبط بشكل مباشر بالغطاء الأمريكي غير المشروط.



تعقيدات الانتقال للمرحلة الثانية

وقال كبير الباحثين في معهد كيتو والمساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، دوغلاس باندو، لبرنامج المسائية على قناة الجزيرة مباشر، إن التحدي الأساسي أمام تطبيق المرحلة الثانية يتمثل في غياب وقف إطلاق نار حقيقي، مشيرا إلى أن العدو الاسرائيلي انتهك الهدنة، ما يجعل أي تقدم سياسي أمرا بالغ الصعوبة.

وأضاف باندو أن واشنطن تواجه عدة عقبات، أبرزها ملف الخلافات حول تشكيل قوة حفظ الاستقرار، في ظل اعتراض الكيان الإسرائيلي على مشاركة تركيا، ورغبتها في أن تكون القوة غير منخرطة في أي مهام تتعلّق بنزع السلاح.

وانتقد الباحث استمرار العمليات العسكرية للعدو الإسرائيلي، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مشيرا إلى أن ذلك يتناقض كليا مع أي حديث عن سلام أو حكومة تكنوقراط، لافتا إلى أن الأطفال في القطاع يموتون نتيجة القصف والبرد ومنع الإغاثة.

وحول الدور الأميركي، اعتبر باندو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تمارس حتى الآن أي ضغط حقيقي على حكومة العدو الإسرائيلي، ولم تلوّح بعقوبات رغم استمرار الخروقات، مؤكدا أن واشنطن مطالبة بالاعتراف بأن الكيان الإسرائيلي هو الطرف الذي يُعيق تنفيذ بنود الاتفاق عبر مواصلة الغارات.

ثلاث قضايا محورية

وفي تحليله لمآلات المرحلة الثانية، قال الدكتور إبراهيم الخطيب، أستاذ إدارة النزاعات الدولية بمعهد الدوحة، إن المباحثات الجارية في ميامي مطالبة بحسم ثلاث قضايا محورية، أولها طبيعة وصلاحيات قوة الاستقرار الدولية، بحيث لا تتحول إلى قوة احتلال جديدة، وإنما تقتصر مهامها على حفظ الهدوء والاستقرار في القطاع.

وأضاف الخطيب في تحليل نشره موقع "الجزيرة نت"، أن القضية الثانية تتعلق بتشكيلة هذه القوة، في ظل الاعتراض "الإسرائيلي" على مشاركة تركيا، وهو ما يتطلب حسمه عبر مشاورات بين واشنطن والوسطاء الإقليميين، لا سيما قطر ومصر وتركيا، أما القضية الثالثة فتتعلق بالجداول الزمنية لإعادة الإعمار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتحديد سقف زمني واضح لتطبيق المرحلة الثانية.

وأكدَّ الخطيب أن العامل الحاسم يبقى في مدى استعداد إدارة ترامب للضغط على الكيان الإسرائيلي، مشيرا إلى أن "تل أبيب" تسعى إلى "فرض نزع سلاح حماس" دون تقديم أي تنازلات تتعلق بالانسحاب العسكري، رغم أن خطة ترامب تنص بوضوح على انسحاب "إسرائيلي" متدرج مع بدء المرحلة الثانية.

وأشار إلى أن استمرار الضربات الجوية والمدفعية الإسرائيلية، رغم الاتفاق، يعكس محاولة من رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، لفرض أمر واقع جديد في غزة حتى في حال وجود قوات دولية، محذرا من أن فشل واشنطن في كبح هذه الخروقات قد يؤدي إما إلى عودة الحرب أو إلى تكريس واقع أمني هش.

رفض مشاركة تركيا

وفي السياق ذاته، قال المحلل العسكري التركي، يوسف الأبردة، إن رفض الكيان الإسرائيلي مشاركة تركيا في قوة الاستقرار لا يستند إلى أي شرعية، مشددا على أن "غزة ليست أرضا إسرائيلية"، ولا يحق لتل أبيب تقرير الأطراف المشاركة في الاتفاق.

وأضاف الأبردة لموقع قناة الجزيرة الإلكتروني، أن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى تعطيل المرحلة الثانية لأنها تعني وجود آلية دولية لمراقبة الخروقات، وهو ما سيكشف الطرف المنتهك لوقف إطلاق النار، مؤكدًا أن تأجيل تشكيل قوة الاستقرار يهدف إلى كسب الوقت ومواصلة فرض الوقائع على الأرض.

ويبدو أن مختلف التحليلات السياسية تُجمع على أن نجاح المرحلة الثانية من الاتفاق مرهون بحسم قضايا انسحاب العدو الإسرائيلي، وطبيعة قوة الاستقرار، وشكل الإدارة المدنية في غزة، إضافة إلى توفير ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار ومنع تكرار الخروقات.

وتحذر ، في الوقت نفسه ، من أن الفشل في ذلك قد يُعيد القطاع إلى مربع التصعيد أو يكرس حالة من عدم الاستقرار طويل الأمد.