التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا.. ضربات برية محتملة أم تهديدات وضغوط للاستيلاء على النفط؟
السياسية - تقرير - عبدالعزيز الحزي:
صعّدت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من ضغوطها وتهديداتها على فنزويلا، فنشرت قوة كبيرة في بحر الكاريبي، بما في ذلك أكبر حاملة طائرات في العالم، ولوحت لاحقًا بشن ضربات برية محتملة، وفرضت مؤخرا حصارا بحريا، وبدأت في الاستيلاء على بعض سفنها.. فهل تقترب أمريكا من عمل عسكري داخل فنزويلا عقب التصعيد الأخير؟ وهل ينفذ ترامب تهديداته ويجتاح فنزويلا؟ وهل ترضخ الأخيرة للاستفزازات الأمريكية؟
بينما تزعم واشنطن أن الهدف من هذا الانتشار العسكري الكبير هو الحد من تهريب المخدرات، تجلى للعالم أجمع، ما عبرت عنه كراكاس من أول وهلة من أن الانتشار يهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية لفنزويلا ، والإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، والسيطرة على النفط الفنزويلي.
وأعلن الرئيس ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، تصنيف الحكومة الفنزويلية "منظمة إرهابية أجنبية"، وفرض حصار بحري كامل على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات المتجهة إلى فنزويلا أو الخارجة منها.
كما هدّد ترامب فنزويلا بـ"صدمة غير مسبوقة"، مطالبا كراكاس بإعادة ما وصفه بـ"النفط والأراضي والممتلكات المسروقة" من الولايات المتحدة.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم الثلاثاء، أنها نفذت ضربة جديدة استهدفت سفينة في الجزء الشرقي من المحيط الهادئ ضمن (ما أسمته) عملية مكافحة الإرهابيين المتورطين في تهريب المخدرات، وأسفرت عن مقتل شخص واحد.
وتبرر أمريكا وجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي بمكافحة الاتجار بالمخدرات. وخلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين، استخدمت القوات الأمريكية مرارا قدراتها العسكرية لتدمير زوارق قرب السواحل الفنزويلية، بزعم أنها كانت تنقل مخدرات.
والسبت، استولت قوات خفر السواحل الأمريكي، بمساعدة الجيش الأمريكي، على ناقلة نفط أخرى قبالة سواحل فنزويلا، وهو ما يمثل تصعيداً حاداً في حملة الضغط التي تشنها واشنطن ضد حكومة الرئيس مادورو.
وفي خطوة استقواء جديدة، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، مجددا للحديث عن إزاحة الرئيس نيكولاس مادورو من السلطة .
وقال ترامب للصحفيين ردا على سؤال عما إذا كان الهدف هو إجبار مادورو على التنحي عن السلطة، "حسنا، أعتقد أن ذلك على الأرجح... الأمر متروك له فيما يريد أن يفعله. أعتقد أنه سيكون من الذكاء منه أن يفعل ذلك. ولكن مرة أخرى، سنكتشف ذلك".
وقال عندما سئل عما سيحدث للنفط المحتجز "ربما سنبيعه، وربما سنحتفظ به"، مضيفا أنه قد يستخدم أيضا لسد النقص في الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة.
ودون أن يشير مباشرة إلى تصريحات ترامب، قال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، اليوم الثلاثاء، إن على كل زعيم أن يهتم بالشؤون الداخلية لبلده.
وذكر مادورو "إذا تحدثت معه مرة أخرى، سأقول له إن على كل بلد أن يهتم بشؤونه الداخلية"، في إشارة إلى مكالمة هاتفية سابقة بين الزعيمين في نوفمبر الماضي.
والمعروف أن التصعيد الأمريكي الحالي ضد فنزويلا ليس جديدا بل هو امتداد لسياسات العداء بين البلدين الذي تعود جذوره لسبعينيات القرن الماضي ، عندما قامت فنزويلا بتأميم منابع النفط ، التي كانت تديرها شركات أمريكية، ثم ارتفع التصعيد بين البلدين عقب تولى هوجو شافيز الرئاسة في 1998، واستمر التوتر في عهد الرئيس مادورو منذ توليه السلطة في 2013.
أعمال قرصنة دولية
على صعيد ردود الفعل الدولية الأخيرة، أكد الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل بيرموديز، تضامن بلاده الكامل مع فنزويلا، معربا عن إدانته الشديدة لـ"أعمال القرصنة البحرية" التي تنفذها الولايات المتحدة قبالة السواحل الفنزويلية.
وقال الرئيس الكوبي، في كلمة مصورة عُرضت خلال اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الأحد، في مدينة سان بطرسبورغ الروسية: "نؤكد تضامننا مع جمهورية فنزويلا الشقيقة، ونعرب عن إدانتنا الحازمة لأعمال القرصنة البحرية والإرهاب التي تمارسها حكومة الولايات المتحدة، والتي استهدفت سفينة قبالة السواحل الفنزويلية" ، حسب موقع روسيا اليوم .
جاءت تصريحات الرئيس الكوبي بعد ساعات من قيام الولايات المتحدة باحتجاز ناقلة النفط الثالثة "بيلا 1" قبالة السواحل الفنزويلية، في إطار الحصار المشدد الذي تفرضه واشنطن على الجمهورية البوليفارية.
وكانت عمليات الاعتراض قد شملت ناقلة النفط العملاقة "سنتشوريز" يوم السبت، إضافة إلى ناقلة "سكيبر" في العاشر من ديسمبر الجاري، ما يعكس تصعيدا حادا في الإجراءات الأمريكية الرامية إلى تضييق الخناق على صادرات النفط الفنزويلية.
كذلك، حذر الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، من أن أي عمل عسكري أمريكي في فنزويلا سيؤدي إلى "كارثة إنسانية".
وقال لولا، خلال افتتاحه قمة تجمع "ميركوسور" في أمريكا الجنوبية: "بعد 4 عقود من حرب الفوكلاند، باتت قارة أمريكا الجنوبية تعاني مرة أخرى من وطأة الوجود العسكري لقوة أجنبية"، في إشارة إلى نزاع عام 1982 بين بريطانيا والأرجنتين حول الجزر المتنازع عليها في جنوب المحيط الأطلسي.
وشدد على أن "التدخل المسلح في فنزويلا سيكون كارثة إنسانية على مستوى المنطقة، وسيشكل سابقة خطيرة للعالم".
من جهتها، أعربت الخارجية الروسية، عن دعم موسكو نهج الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في حماية مصالح فنزويلا وسيادتها، داعية واشنطن إلى منع الانزلاق أكثر إلى وضع ينذر بعواقب وخيمة.
وجاء في بيان الخارجية الروسية: "نلاحظ التصعيد المستمر والمتعمد للتوتر حول فنزويلا الصديقة. الطبيعة الأحادية لهذه القرارات التي تشكل تهديدا للملاحة الدولية تثير قلقنا البالغ".
ونددت إيران أيضًا من جهتها بـ"التصريحات والأفعال التهديدية الأمريكية " تجاه حليفتها، معتبرة أنها تعكس "سياسة قائمة على استخدام القوة والاستقواء الممنهج".
وأضافت الخارجية الإيرانية في بيان "يُعدّ العمل الأمريكي المتمثل في مهاجمة أو الاستيلاء على أو عرقلة حرية حركة السفن التجارية من وإلى فنزويلا مثالا واضحا على القرصنة والسطو المسلح في البحر".
"لا مساومة على كرامة"
ورفعت فنزويلا نبرة التحدي بوجه الولايات المتحدة، مؤكدة أن صادراتها من النفط الخام لم تتأثر بإعلان الرئيس دونالد ترامب فرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات المُبحرة منها وإليها.
كما رفع الجيش الفنزويلي، الذي يدعم الزعيم مادورو ، أيضا من نبرته، وقال وزير الدفاع ، فلاديمير بادرينو لوبيز، خلال فعالية حضرها كبار القادة الذين تعهدوا بالولاء للرئيس، "نقول للحكومة الأمريكية ورئيسها إننا لا نخاف تهديداتهم الفظة والمتغطرسة".
وأضاف الوزير أن "لا مساومة على كرامة هذا الوطن ولا رضوخ لأي كان".
ضغوط على مادورو
يعلق الباحث في الشأن السياسي الأمريكي، عاطف عبد الجواد، على التطورات قائلا إن الأزمة الفنزويلية–الأمريكية تقف خلفها جملة من العوامل، يتصدرها البعد الاقتصادي، مشيرًا إلى أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، في وقت تسعى فيه شركة شيفرون الأمريكية إلى استعادة مكانتها التاريخية في قطاع النفط الفنزويلي.
وأوضح أن تصاعد الأزمة قد ينعكس بارتفاع أسعار النفط عالميًا، لكن ذلك سيكون محدودًا في مراحله الأولى فقط.
حرب ساخنة محتملة
بدوره، قال أستاذ السياسة، سعيد الزغبي، في تصريحات خاصة لموقع "صدى البلد" إن الولايات المتحدة قد لا تعلن حربًا رسمية على فنزويلا، لكن حصار كراكاس يمثل حربًا اقتصادية مكتملة الأركان قابلة للتحول إلى صراع مسلح في أي لحظة إذا اختار مادورو الرد بقوة، متسائلًا: هل تصبح فنزويلا "عراق ترامب" الجديدة؟ مؤكدًا أن المؤشرات الحالية تقول نعم، ما لم يتدخل المجتمع الدولي لاحتواء هذا المسار التصعيدي.
وينظر إلى ما يجري من تصعيد أمريكي خطير على فنزويلا، وإن بدا في ظاهره محاربة المخدرات، باعتباره يعكس وجه الامبريالية الامريكية، التي اعتادت على استغلال الشعوب وابتزاز ثرواتها.
وتمثل فنزويلا باعتبارها تتبنى مواقفا تحررية وترفض الأحادية القطبية هدفا لواشنطن ، بهدف نهب ثرواتها، وذلك في محاولة لإخضاعها بالقوة؛ التي تؤمن بها واشنطن في علاقتها بالشعوب كدولة استعمارية. .

