التناقض القطري بين غزة وسورية: كيف يصب في مصلحة "إسرائيل"؟
السياسية || محمد محسن الجوهري*
تستطيع قطر فعل الكثير للقضية الفلسطينية، ليس فقط على مستوى الدعم الإنساني، بل وعلى مستوى التسليح والدعم العسكري، ولو أنها أقدمت على هذه الخطوة الجريئة لتغيرت موازين القوى بشكلٍ كبير لصالح الشعب الفلسطيني خاصةً في غزة، حيث توجد أكبر أزمة إنسانية على الإطلاق بسبب جرائم العدوان الصهيوني المتواصلة، ولكن قطر اختارت أن يكون دورها هناك مكملاً للدور "الإسرائيلي"، ولتخفيف الضغط عليه بإعادة إعمار ما دمره، لا أكثر.
ولنا أن نقارن موقف قطر في غزة بموقفها في سورية، حيث تتضح الكثير من الحقائق والتفاصيل التي تؤكد أن الدوحة تمضي وفق أجندات إسرائيلية في الواقع، وإن كان ظاهراً تبدو وكأنها لصالح الشعب الفلسطيني، فالبكاء والعويل للإعلام القطري لا يكفي لنصرة غزة، فبإمكانها أن تفعل الكثير وأن تقدم المال والسلاح لفصائل المقاومة، لكنها اختارت العكس تماماً، لأن ذلك يتعارض مع ولاء الأسرة الحاكمة للبيت الأبيض وتل أبيب.
وللتذكير، فإن الحكومة القطرية ومع اندلاع الحرب السورية عام 2011، تبنت سياسة دعم الفصائل المعارضة بالمال والسلاح، حيث وفرت تمويلًا وتسليحًا لفصائل مثل "الجيش السوري الحر" والدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وغيرها، كما نسقت قطر مع تركيا والولايات المتحدة لتمرير الأسلحة عبر الحدود التركية إلى الداخل السوري، مستغلة التحالفات الإقليمية التي كانت تستهدف إسقاط الدولة السورية.
لم يقتصر هذا الدعم على الجانب السياسي أو المالي، بل شمل توفير أسلحة متطورة، مثل البنادق الرشاشة والقناصات المتقدمة، والصواريخ المضادة للدروع مثل "كونكورس" و"فاغوت"، إضافة إلى أنظمة مضادة للطائرات مثل FN-6 الصينية. كان الهدف القطري من هذا الدعم هو الإطاحة بالجيش السوري كلياً وإضعاف نفوذ الدولة، لمنح "إسرائيل" دورًا إقليميًا أقوى في سورية.
على العكس من موقفها في سورية، لم تقدم قطر أي دعم عسكري مباشر لحركات المقاومة في غزة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، رغم أنها تبنت دعمًا سياسيًا وماليًا مكثفًا. فقد قدمت الدوحة ملايين الدولارات للمساهمة في إعادة إعمار غزة، وتمويل رواتب الموظفين، وتوفير الوقود لمحطات الكهرباء. ومع أن هذا الدعم ساعد في تخفيف المعاناة عن سكان القطاع، إلا أنه لم يغير موازين القوى عسكريًا لصالح المقاومة. بل أدى على العكس، إلى تخفيف الضغط عن "إسرائيل"، التي كانت تتعرض لضغوط دولية بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة.
هناك عدة أسباب وراء اختلاف النهج القطري بين سورية وغزة: أولًا، تحقيق التوازن لخدمة الغرب و"إسرائيل"، حيث كان هناك دعم غربي واسع للمعارضة ضد الأسد، بينما في غزة أي دعم عسكري لحماس والجهاد الإسلامي يعني مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وهذا يتعارض مع سياسة قطر.
ثانيًا، التحالفات الإقليمية، ففي سورية تحالفت قطر مع تركيا والسعودية ضد النظام السوري، لكن في غزة لم يكن هناك تحالف مشابه، بل كانت هناك حسابات تتعلق بعلاقات قطر مع واشنطن وتل أبيب.
ثالثًا، دور إيران، ففي غزة تتولى إيران مهمة تسليح الفصائل المقاومة، عبر سورية، فكان الرد بدعم الجماعات المعادية لسورية لمعاقبة البلدين، سورية وإيران. رابعًا، الحفاظ على قناة دبلوماسية مع "إسرائيل"، حيث تسعى قطر إلى التقرب للكيان بكل الوسائل المتاحة، ولو كان دعمها الإنساني لغزة يغضب "إسرائيل" لما أقدمت عليه.
هذا التناقض يصب في مصلحة "إسرائيل" بعدة طرق، فهو يساهم في احتواء المقاومة الفلسطينية، حيث إن الدعم المالي القطري لغزة يساعد في تهدئة الأوضاع الإنسانية، لكنه لا يمنح المقاومة الوسائل الكافية لردع العدوان الإسرائيلي، مما يجعل القطاع تحت سيطرة محسوبة. كما أدى الدعم القطري للمتطرفين إلى تدمير سورية كدولة قوية كانت تشكل تهديدًا لـ"إسرائيل" من الجبهة الشمالية، بغض النظر عن بقاء الأسد أو سقوطه. إضافة إلى ذلك استفادت "إسرائيل" من الدور القطري في غزة لمنع انهيار الأوضاع تمامًا، مما يجنبها سيناريو التدخل العسكري المكلف.
السياسة القطرية في الشرق الأوسط تتسم بالبراغماتية، لكنها أحيانًا تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، تصب في مصلحة خصوم الأمة. التناقض في تعامل قطر مع غزة وسورية، رغم اختلاف الظروف، يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القرار القطري، وحول الدور الذي تلعبه الدوحة في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي بما يخدم مصالح قوى أكبر، من بينها الكيان الإسرائيلي.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب