السياسية || محمد محسن الجوهري*

لا شك أن ظهور القادة المناهضين للمشاريع الاستعمارية والإمبريالية يمثل دائمًا محطة فارقة في مسار الصراع، إذ يعيد رسم ملامح المواجهة بين الشعوب المستضعفة والقوى المتسلطة. ويأتي ظهور السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في هذا السياق كحدث بالغ الأهمية، ليس فقط على المستوى المحلي في اليمن، بل على المستوى الإقليمي والدولي، حيث تتسع دائرة التأثير السياسي والإعلامي لكل خطاب يلقيه، مما يثير قلق القوى المعادية ويفرض عليها إعادة حساباتها.

لطالما سعت القوى الاستعمارية، قديمًا وحديثًا، إلى تشويه صورة القادة الذين يحملون مشاريع تحررية، لما لذلك من تأثير مباشر على وعي الجماهير واستعدادها لمقاومة الهيمنة الخارجية. فالسيد الحوثي، بخطابه الذي يستند إلى مبادئ الاستقلال والسيادة الوطنية، استطاع استنهاض الشعب اليمني في مواجهة تحالف دولي يسعى إلى فرض الهيمنة عليه. ولم يكن مستغربًا أن يواجه حملات إعلامية مكثفة تحاول النيل من شخصه والتقليل من أهمية خطابه، تمامًا كما حدث مع العديد من القادة الذين تصدوا للإمبريالية الغربية عبر التاريخ.

وإذا عدنا إلى صفحات التاريخ، نجد أن الاستعمار وأدواته الإعلامية كانوا دائمًا في صراع مع الشخصيات التي تقود مشاريع التحرر. فكما واجه القائد القومي جمال عبد الناصر حربًا إعلامية شرسة من الغرب وأدواتهم في المنطقة، كالسعودية وغيرها، بسبب سياساته المناهضة للهيمنة الاستعمارية، وخضع فيدل كاسترو لمحاولات تشويه واغتيال ممنهجة من قبل الولايات المتحدة، وُضع هوشي منه على قائمة أعداء أمريكا بسبب نضاله ضد الاحتلال، وتعرض هوغو تشافيز لحملات دعائية ضخمة بسبب مواقفه المعادية للنفوذ الأمريكي، نجد أن السيد عبدالملك الحوثي يواجه اليوم حملة مماثلة، تهدف إلى تشويه خطابه والتقليل من تأثيره، في محاولة بائسة لاحتواء المشروع الذي يتبناه.

لكن لماذا يخشى العدو ظهور السيد عبدالملك الحوثي؟ إن هذا الخوف نابع من عدة أسباب، لعل أبرزها قدرته الفائقة على تحريك الجماهير واستنهاض الهمم، ما يجعل من كل خطاب يلقيه عاملًا محفزًا للصمود الشعبي. كما أن خطابه لا يقتصر على الداخل اليمني، بل يتجاوز ذلك إلى فضح المخططات الغربية التي تستهدف المنطقة بأسرها، وهو أمر يثير قلق القوى الاستعمارية التي تسعى إلى تمرير مشاريعها دون مقاومة. كما أن توقيت ظهوره غالبًا ما يكون مرتبطًا بمنعطفات حاسمة في مسار الصراع، مما يزيد من تأثيره ويجعل من خطابه عنصرًا أساسيًا في معادلة المواجهة.

لقد أدرك الإعلام المعادي خطورة هذا التأثير، فحاول بأساليب مختلفة التقليل من شأن خطابات السيد الحوثي. فمرة يسعى إلى تصويرها على أنها مجرد دعاية إعلامية لا تأثير لها على أرض الواقع، ومرة يحاول تحريف مضمونها وإخراجها عن سياقها، وأحيانًا يعمد إلى إثارة النعرات الطائفية من أجل التشويش على مشروعه التحرري. لكن رغم كل هذه المحاولات، يبقى الواقع شاهدًا على أن خطابه لا يزال حاضرًا بقوة في وجدان الجماهير، وأن تأثيره يزداد اتساعًا مع كل خطاب جديد.

إن ظهور السيد عبدالملك الحوثي لا يمثل مجرد حدث عابر، بل هو دليل على ثبات مشروع المقاومة في مواجهة الاستعمار الجديد. وكما أن القادة التاريخيين الذين واجهوا الإمبريالية تعرضوا لحملات التشويه ثم أثبت التاريخ صدق مواقفهم، فإن محاولات العدو للنيل من السيد الحوثي وخطابه لن تكون سوى شهادة جديدة على حجم القلق الذي يثيره لدى خصومه، وحجم الأمل الذي يبعثه في نفوس مؤيديه.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب