السياسية || محمد محسن الجوهري*

في حماقة إخوانية أخرى، أعلنت الحكومة الجديدة في سورية أن الجولاني (أحمد الشرع) سيبدأ جولته الخارجية بزيارة المملكة العربية السعودية، ولتكون الرياض أولى العواصم التي يزورها بعد توليه قيادة البلاد. هذا الإعلان أعاد للذاكرة ما فعله الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، المحسوب على جماعة الإخوان ذاتها، وكأن الجماعة لا تستفيد أبداً من الدروس.

فالراحل مرسي ظن أن زيارته للرياض ستوفر عليه وعلى جماعته الكثير من المتاعب، وأنه قد يحظى ببعض المكاسب المالية التي عادةً ما تنفقها المملكة على القادة العرب تحت عنوان "مكرمات". لكن أمله خاب على المستويين، وذهب الدعم السعودي لخصومه في الجيش المصري الذين دبروا انقلاباً عسكرياً ضد حكم الإخوان في مصر، وأقصوهم من السلطة بالضربة القاضية.

وهذا هو السيناريو الأقرب لإخوان سورية بقيادة الجولاني. بما أن الجماعة لا تستفيد من الدروس والأخطاء، فإن من الغباء السياسي أن يحظوا بالمكرمات السعودية دون غيرهم من أفرع الجماعة. فالرياض لا تفرق بين إخواني وآخر، وتمتهن كرامة الجميع دون استثناء، كما أنها قد تعاقب إخوان بلدٍ على خطأٍ ارتكبه بعض أفرادها في مكانٍ آخر. وهذه طبيعة آل سعود وديدنهم مع كل حلفائهم العرب.

إلا أن الغريب هو الغباء المفرط لجماعة الإخوان. ها هي في سورية تكرر نفس السياسة بحذافيرها، بدءًا من التودد إلى "إسرائيل" وانتهاءً بالتقرب من الرياض. وقد نسوا أن المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين، ولو أنهم امتلكوا إيماناً لمنحهم بعض الفراسة السياسية، ولحال دون سقوطهم المدوي في أكثر من قطرٍ عربي، وعلى يد السعودية نفسها.
نتذكر أيضاً أن جماعة الإخوان في اليمن (حزب الإصلاح) لم تتعظ حتى اليوم من الصفعات السعودية المتكررة لها منذ عقود. تستمر في سياسة التقرب من السعودية فقط من أجل أن تبقى بعض الامتيازات المالية التي تحظى بها قيادة الحزب، كاليدومي والزنداني وغيرهم، عبر اللجنة الخاصة، ولو على حساب عشرات الآلاف من القتلى من أفراد الجماعة وقاعدتها الشعبية.
الشواهد على غدر السعودية كثيرة ولا يتسع لها نصٌ أو اثنان. ففي سورية نفسها، ظل النظام صامداً على مدى سنوات ولم يُكتب له السقوط إلا بعد تراجع الرياض عن عدائها له، وبداية مسيرة التطبيع بين الرياض ودمشق. ومن هنا كانت النهاية للأسد وللجيش العربي السوري، وكأن التقارب مع آل سعود هو بداية النهاية لأي حاكم عربي، ولو من غير جماعة الإخوان.

وفي اليمن، ما كان صالح ليضطر إلى التخلي عن السلطة لولا رهانه على الوصاية الغربية والسعودية. وقد نجحت الأخيرة في إقناعه بالتوقيع على المبادرة الخليجية والتخلي عن السلطة على أمل أن يعود إليها عبر نافذة التوريث التي كان يُمنِّي نفسه بها قبل 2011، لكنه خرج من الحكم إلى الأبد، "ومن خرج من الباب لا يرجع عبر الشباك"، كما سبق وعلق على خصومه الاشتراكيين الذين راهنوا قبله على الرياض وأعلنوا الانفصال وخابت آمالهم للأسباب نفسها.

إن تكرار أخطاء الماضي يعكس عدم النضج السياسي لدى جماعة الإخوان، مما يجعل رهاناتهم على دعم خارجي مثل ذلك الذي تقدمه السعودية محفوفة بالمخاطر. ينبغي عليهم أن يدركوا أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الاستمرار في نفس النهج لن يؤدي إلا إلى المزيد من الفشل والإخفاق. قد يكون من الأفضل لهم إعادة النظر في استراتيجياتهم السياسية والتعلم من الدروس القاسية التي مروا بها، قبل أن يتكرر السيناريو نفسه مرة أخرى.


*المقال يعبر عن رأي الكاتب