السياسية || محمد محسن الجوهري*


مشهدٌ طال انتظاره في غزة لكنه تحقق بفضل الله وتضحيات الشهداء، وهاهو القطاع يصحو على يومٍ جديد ومرحلة جديدة بلا صراع أو قصف، ليس لأن العدو انتهى من مخططاته، لا لأن رجال غزة حالوا دون تحقيقها، ومعهم كل أحرار العالم، ولو أن الكيان قادر على الصمود أطول لما قَبِل بالهدنة.



وبهذا النصر تنتهي جولة حاسمة في الصراع بين محوري الحق والشر، ربما هي الأكبر والأهم، وتؤسس -أيضاً- لمراحل أخرى من الصراع، لكنها أهون على أهل الحق وأشد مضاضة على الباطل وحزبه، فغزة اليوم ليست وحدها بفضل الله، ويكفي أن هناك من يستعد للجولة القادمة ولديه من الخيارات ما يردع العدو ويمنع عجرفته.



ولأن المظلومية واحدة فإن المسار واحد، وما شهدته غزة خلال السنوات من 2008 وحتى 2025، لا يختلف كثيراً عن المرحلة التي عاشتها صعدة خلال الحروب الستة بين عامي 2004 و2010، وانتهت في الحالتين بانتصار الحق وانحسار الباطل ولو على دفعات، وفي التشابه عبرة كبيرة لمن يعرف الحق وأهله، ويعرف مسارهما حتى النصر.



ويكفي أن تلك الحروب الظالمة انتهت بتوحيد الجبهتين فعلياً إلى جبهة واحدة، وصارت غزة واليمن -بفضل الله- في خندقٍ واحد لأول مرةٍ في العلن، من بعد عجز الطواغيت في تل أبيب والرياض وواشنطن عن تجزئة المعركة، وتجلى الجميع أمام الجميع، وباتت المعركة موحدة بين معسكرين لا ثالث لهما، ونصف الطريق بينهما باطل.



وحدة الساحة الفلسطينية اليمنية ليس مجرد إنجازٍ عادي، بل هو نصرٌ طل انتظاره، خاصة في اليمن، فالمشروع القرآني الذي بدأ في صعدة قبل نحو عقدين، وجه بوصلته نحو القدس منذ يومه الأول، وصرخ بالموت لأعداء فلسطين أعداء الحق، فكانت النتيجة أن تداعت أوجه الباطل الواحد تلو الآخر، بداية بالأذناب المحليين، ثم الإقليميين قبل أن نلتقي مع العدو الصهيوني وجهاً لوجه، وبات جلياً للجميع أن أعداء اليمن هم أنفسهم أعداء غزة، وهم كذلك أعداء الحق والنص الإلهي، الذي كشف لنا حقيقتهم قبل أربعة عشر قرناً.



وبما أن المحورين مقبلان على حربٍ ضروس حاسمة، فإن الثقافة الواجب علينا اعتناقها هي الثقافة الجهادية القرآنية، ففيها كل أسباب النصر لو تضافر لقتالنا كل أشرار الأرض بكل وسائل الموت، فقدر الحق أن ينتصر اليوم كما انتصر بالأمس، فـ"إسرائيل" في هذا العصر هي خيبر بالأمس، والفارق بيننا اليوم كنف الفارق يومئذٍ، لكن معية الله كانت فرقاناً للمؤمنين، وستكون كذلك عما قريب، بإذن الله، فليس سوى النصر ينتظرنا في اليمن وفلسطين، من بعد أن استتمت لنا أسباب النصر الإلهي.



ولا نريد أن نعقد المقارنات مع أدعياء الحق الضالين لنكشف الفوارق فيما بيننا، ولكن يكفي أننا أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وليس سوى معسكرنا اليوم، بقيادة علم الهدى، يجسد هذه الحقيقة التي هي شرطٌ محوري للنصر على أهل الكتاب، كما كانت كذلك في معسكر الأمس بقيادة الإمام عليٍ عليه السلام يوم فتحه لخيبر.




* المقال يعبر عن رأي الكاتب