دينا الرميمة*

ثمة تأريخ لا يموت مهما طال به الزمن وحاول بعض مدعيه من المؤرخين طمسه أو تحريفه وتزيفه كون اصحابه نحتوه بحروف من نور اخترقت حدود الزمان والمكان حتى استطاعت أن تصل إلينا ناصعة كخيوط الشمس التي لا تأفل أو تزول.

ولنا في كربلاء الطف وثورة الحسين عليه السلام خير شاهد ودليل وكيف وصلت الينا أحداثها بعد أن حاول الأمويين تغييبها وتحريف أسبابها وتشويه ثورة الإمام الحسين وتقديمها على أنها حربا نشبها الإمام الحسين طلباً للخلافة كأرث من جده المصطفى بينما الواقع يقول ان خروجه إنما كان للإصلاح في أمة جده وانقاذا للرسالة المحمدية من يد الطلقاء ومدعي الإسلام من بني أمية الذين تسلطوا على رقاب الأمة ودينها الذي يكنون له كل الحقد، فاستضعفوها بعدما تركها النبي الكريم في أوج قوتها وعزتها حتى جبنت عن الانتصار لنفسها ودينها وذلت وخذلت الأمام الحسين وهو الذي ما خرج إلا لرفع الظلم عنها فتركته وحيدا يجابه جيش يزيد وبن مرجانة حتى ذهب شهيدا مع أصحابه الذين وصفهم بقوله (والله لم اجد اصحابا اوفى من اصحابي).

ومن بعدها حاولوا تزييف الاسباب الحقيقية لقتلهم الحسين لولا السيدة زينب الحوراء التي كانت حاضرة الطف وشاهدة على خروج أخيها الحسين إلى كربلاء ودواعي خروجه ورافقته خطوة بخطوة منذ خرج من المدينة حتى وصول رأسه بين يدي يزيد بعد شهدت بكل رضى وتسليم ارتقائه مع أولاده والبقية الباقية من رجال آل محمد شهداء وحز رؤوسهم بقلب راضي «ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى».

وبعد انتهاء المعركة كبلت الاقدام واليدين واقتيدت حافية تجوب الصحاري والمدن أسيرة تتلقى كل كلمات الشماتة والسب من جيش يزيد إبتداء من بن مرجانة الذي تشفى بمصاب آل البيت وفضحيتهم كما اسماها فترد عليه الحوراء (والله ما رأيت إلا جميلا) وليس انتهاءا بالشمر الذي تشفى بوجع قلب الحبيب المصطفى وهو يرى رأس الحسين مشقوق عن جسده وبان حرمه سبايا وطول طريقه إلى دمشق يهم بقتلهم لولا تذكير من حوله له بخسارة الجائزة التي سينالها من يزيد مقابل ايصالهم إليه وشجاعة زينب التي كانت تذكره بأنهم قوم كتب عليهم القتل والشهادة في سبيل الله، ليكون التشفي الأكبر في مجلس يزيد الذي أمام ناظريها بدا منتشيا وينكث في اسنان الحسين، ليبرز الدور الاكبر لزينب في تقريع يزيد أمام الحاضرين وتذكيره انه ليس إلا ابن الطلقاء ثم تقول (وَأَنَّى يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الشُّهَدَاءِ وَنَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ السُّعَدَاءِ وَنَصَبَ الْحَرْبَ لِسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَعَ الْأَحْزَابَ وَشَهَرَ الْحِرَابَ وَهَزَّ السُّيُوفَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ أَشَدُّ الْعَرَبِ لِلَّهِ جُحُوداً وَأَنْكَرُهُمْ لَهُ رَسُولًا وَأَظْهَرُهُمْ لَهُ عُدْوَاناً وَأَعْتَاهُمْ عَلَى الرَّبِّ كُفْراً وَطُغْيَاناً)، لتجعل كلماتها يزيد يصرح بأنه انتقم لأجداده من كفار قريش في بدر ويعلن كفره بواحا بقوله «لا خبر جاء ولا وحي نزل»، فترد عليه زينب بان كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جُهدَك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيَّامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

وبهذا استطاعت الحوراء ان تنتزع حرية البقية الباقية من آل محمد وصك ايصالهم إلى مدينة جدهم لتبدأ مع الإمام زين العابدين في توعية الناس ونشر مظلومية آل البيت وتوثيقها واستطاعت بهذا ان تحفظها من التغيب والتحريف حتى يومنا هذا.. فالسلام على جبل الصبر وإعلامية كربلاء وقدوة وفخر المرأة المسلمة.

* المصدر : ملتقى الكتاب اليمنيين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه