إسرائيل تواجه جيلاً من المسلمين لا يقبل الهزيمة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
“الكبار يموتون والصغار يجهلون”، مقولة مشهورة لديفيد بن غورويون، مؤسس الكيان الصهيوني ورئيس أول حكومة له، ويقصد بعبارته تلك أن معضلة “إسرائيل” تكمن في الجيل الفلسطيني الأول (جيل النكبة)، أما الأجيال القادمة فستتكيف مع الكيان الصهيوني، وستقبل به كأمر واقع في المنطقة.
إلا أن الواقع اليوم يُثبت خلاف ذلك الرأي، وها هو الجيل الفلسطيني الأخير أشرس وأضرى من أي جيلٍ فلسطيني مضى، بل أن فتية اليوم ترى أن جيل 48 – الذي كان يخشاه بن غورويون – هو جيل النكبة، وأنها مصممة على تلافي تفريطهم، وتصحيح الانحراف التاريخي الذي أنتج لنا كيان الاحتلال.
البداية كانت مع أواخر العام 1987، عشية انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما قرر الشبان الفلسطينيون تفجير الوضع ضد الاحتلال ولو بالحجارة، معلنين بذلك رفضهم الخنوع لليهود مهما كان الثمن.
وقد تزامنت انتفاضتهم تلك مع الذكرى الأربعين لإعلان كيان الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، وكانت المفارقة أن المنتفضون وُلِدوا جميعهم في ظل الاحتلال، ولم يعهدوا أرضهم وهي بلا صهاينة، عندها أدرك دهاقنة السياسة اليهودية أن الصغار لا يجهلون، بل يثورون ويرفضون التعايش مع الواقع المأساوي، وأنَّ “إسرائيل” كيان مؤقت، ونهايتها ستكون واقعة بمجرد تسليح الشعب الفلسطيني.
هنا اتجهت “إسرائيل” إلى الرهان على مشروع التطبيع، وإقناع العرب بالعدول عن نصرة فلسطين، وقد تحقق لها بعض ذلك، إلا أن التطبيع اقتصر على الطواغيت من الحكام، أمَّا الشعوب فلا تزال في مجملها ترفض الكيان اليهودي جملةٌ وتفصيلا.
كما لم تفلح جهود “إسرائيل” بمنع تسليح الشعب الفلسطيني، فقد وصل السلاح رغم حجم المؤامرة والحصار، وليس عن طريق حكام العرب المدجنين، بل عبر طرف آخر لا علاقة له بالعروبة، وهي الجمهورية الإسلامية في إيران، التي أخذت على عاتقها مَهمَّة عسكرة الشعب الفلسطيني المسلم، وتعرضت هي للحروب والتنكيل في سبيل ذلك، وكان ذلك مصداق قوله تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثنَّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} الأعراف 167.
كما أن “إسرائيل” نفسها تواجه أزمات وجودية تمهِّد لسقوطها، منها الهجرة العكسية والأزمان الاقتصادية وصحوة الشعوب العربية والإسلامية، والأدهى من كل ذلك إعادة بعث الثقافة الجهادية التي انطلقت من اليمن، ولا تتحرج من نصرة فلسطين كما لا تبالي بحجم التهديد الأمريكي ومؤامراته عليها.
وفي خضم كل ذلك تهيأت بيئة مميتة تحاصر الكيان اليهودي، وتُبشر بهلاكه، وكأن الصهاينة على أرض فلسطين محكوم عليهم بالإعدام داخل سجن كبير، وبانتظار تنفيذ الحكم.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب