إيهاب شوقي*

 

لا شك أن المعادلات الراهنة لا تخدم أهداف العدوّ الإسرائيلي الاستراتيجية والتي تقوم على بندين رئيسيين، أولهما تصفية المقاومة وخيارها في فلسطين وتحديدًا في غزّة، وثانيهما القضاء على وحدة الساحات المقاومة وتضافر محور المقاومة وتنسيقه العسكري والسياسي.

وبالتالي ليس أمام العدوّ الذي يعلم أن التسوية في الظرف الحالي لن تقود إلى هزيمة استراتيجية فقط، بل تقود إلى انفجار للوضع الداخلي الصهيوني إلا المضي قدمًا في الحماقات واللعب بالنيران ودفع الأمور إلى حافة الهاوية الإقليمية.

نتنياهو يعلم أنه لو تمت التسوية السياسية فهو فاشل في حرب أعلنها بهدف معلن وهو القضاء على حماس واستعادة الأسرى، وفي ظلّ حماقاته وغروره وإجرامه ضحى بحياة العديد من الأسرى ويبدو أنه لا يكترث بفقدانهم جميعًا في سبيل تنفيذ وهمه بالقضاء على المقاومة، لذلك ليس قادرًا على التراجع رغم دخوله في مرحلة نهائية من التصعيد أشبه بالمقامرة.

وأمريكا التي قادت ولا تزال تقود الحرب تعلم أنها لو فقدت مفتاح القوّة والردع ومفتاح الحل السياسي وامتلاك قيادة الحل السياسي، إما عن طريق الإذعان أو عن طريق التسوية السياسية، فإنها ستفقد هيمنتها ومصالحها بالمنطقة، وبالتالي هي تلعب أيضًا بالنيران لأنها لا يمكن في إطار حفاظها على وضعها التضحية بالكيان حتّى ولو كان على رأسه وقيادته موتورون حمقى مثل نتنياهو وحكومته.

وبالتالي فلا يجب أن ننشغل بالسياسات والتصريحات والانتخابات الأمريكية عن حقيقة استراتيجية جلية، وهي أن أمريكا والكيان الإسرائيلي في وحدة عضوية هدفها الرئيسي هو تركيع الشعوب والقضاء على خيار المقاومة نفسه، سواء مثل هذا الخيار حركات أو فصائل مقاومة، أو دول ومحور للمقاومة.

والحديث الدائر الآن عن معركة رفح وتهجير الفلسطينيين لا ينبغي النظر له كفزاعة سياسية وضغط لإجبار حماس أو المقاومة على التنازل والرضوخ، بل هو خطة حقيقية وأمل صهيوني معلن، وله شواهد على الأرض منذ بداية المعركة، بل وربما من قبلها، يظهر في نوايا أمريكا و”إسرائيل” السياسية بعدم اتّخاذ أي خطوات سياسية لترضية الأنظمة الرسمية التي قبلت بالتنازل عن فلسطين التاريخية واتّخاذ أي اجراء باتّجاه الدولة الفلسطينية التي وافقت عليها الأنظمة رغم أنها دولة منقوصة تحت عنوان حدود 67، بل ولم يتم اتّخاذ إجراءات حتّى بوجود أي دولة سوى كلام أمريكي فضفاض بوعود مؤجلة.

وبالتالي فإن معركة رفح هي المعركة الأخيرة لتصفية القضية وربما تعتمد القراءة الإسرائيلية لهذه المعركة وحساباتها على أن الأنظمة وقفت متفرجة على الجرائم الصهيونية وحرب الإبادة واكتفت بالمطالبات السياسية وهي لا تشكّل رادعًا للكيان ولا لأمريكا المهيمنة على المؤسسات الدولية.

والأخطر أن ما صدر من ردود أفعال على تهديد نتنياهو بالمعركة لا يشكّل رادعًا، حيث إن الموقف المصري بتصريحاته الراهنة لا يردع “إسرائيل”، فقد خلت تصريحات مصر من أي رادع.

وبنظرة لتصريحات مصر، فقد شددت جمهورية مصر العربية في بيان صادر عن وزارة الخارجية، على رفضها الكامل للتصريحات الصادرة عن مسئولين رفيعي المستوى بالحكومة الإسرائيلية، بشأن اعتزام قوات الاحتلال الإسرائيلية شن عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزّة، وحذرت مصر من العواقب الوخيمة لمثل هذا الإجراء، لا سيما في ظلّ ما يكتنفه من مخاطر تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزّة.

وطالبت مصر، بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية؛ للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية، التي باتت تؤوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني نزحوا إليها؛ لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع.

وبتفحص وتمحيص البيان، فقد خلا من أي تهديد أو أي ورقة ضغط، وربما اعتمدت مصر على تسريبات صحفية بأنها ستعلق عملية السلام، وهذه التسريبات لا قيمة لها دون تصريحات رسمية، والأخطر من ذلك أن تعليق عملية السلام حتّى لا يعتبر رادعًا للعدو في ظلّ معركته الراهنة التي لا يعبأ فيها بالضعفاء ولا يعبأ فيها بمن تخلّى عن خيار المواجهة العسكرية.

إن أمريكا و”إسرائيل” لا تعبآن إلا بالمواجهة العسكرية وخيار القوّة، ولا تشكّل السياسة لهما إلا مسحوقًا للتجميل، بل الاعتماد على الرهانات السياسية يشكّل تشجيعًا لهما على المضيّ قدمًا في إجراءات التصفية وارتكاب المزيد من الجرائم.

وفي ظلّ هذا الضعف العربي خاصة ضبابية وضعف الموقف المصري، وفي ظلّ عدم وجود ضغط شعبي عربي، فإن الأمور قد تتّجه لنكبة جديدة للشعب الفلسطيني، لا يوقف حساباتها إلا تهديدات محور المقاومة حصرًا وخاصة حزب الله وحماس وأنصار الله في اليمن وما توجهه فصائل المقاومة العراقية من تهديدات لأمريكا والكيان.

ولكن ومع هذه الخطوة الأخيرة بالمعركة والمتمثلة في رفح، فإن الأمور تبدو بحاجة للانتقال لمرحلة أخرى من التصعيد ضد الكيان ولأمريكا، وربما بدأ اليمن بتدشين ذلك بإطلاقه تهديدات في حال اعتدى العدو على رفح، بينما عودتنا المقاومة الإسلامية في لبنان أن العين على الميدان وعدم الإغراق في التصريحات بل تأّمل الميدان وخطواتها به.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المقال يعبر عن رأي الكاتب