علي الدرواني

 

دخلت الحرب العدوانية على غزّة شهرها الخامس، دون أن يقدم مجرمو الحرب من قادة كيان العدوّ أي صورة نصر، يمكنها أن ترمم صورة الجيش الصهيوني أمام جمهوره من المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلّة، ولا أمام الدول المحيطة، التي يريد أن يجرها بحبال التطبيع إلى حظيرته، أو تلك التي يريد أن يبقي على إرهابها بسمعة جيشه التي تهاوت تحت أقدام المجاهدين في غزّة يوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.

هذه هي أهم أهداف حرب التوحش والإجرام الصهيونية على مدار أربعة أشهر كاملة. حتّى اللحظة ليس هناك من إفراج عن الأسرى يمكن أن يعتد به كنتيجة للحرب، ولم يتم سحق حماس، بل على العكس من ذلك، تسعى واشنطن، أكبر داعمي العدوان الصهيوني والتوحش اليهودي ضدّ أطفال ونساء غزّة، قتلًا وحصارًا، لعقد صفقة سياسية تسمح بالإفراج عن الأسرى الصهاينة لدى المقاومة في غزّة.

إن مجرد السعي النشط لواشنطن وتنقل مسؤوليها بين العواصم الإقليمية والدولية، للبحث عن صفقة مع المقاومة، لهو دليل واضح على فشل الحرب. قبل يومين قدمت حماس ردها على ورقة باريس التي صاغتها واشنطن بالشراكة مع كلّ من مصر وقطر، وبمساعدة تركية فرنسية، ووصفها بلنكن بأنها إيجابية، يمكن البناء عليها، في حين ما رآها الجانب الإسرائيلي مجحفة، وخرجت التصريحات الرافضة لها من مكتب مجرم الحرب نتنياهو، ومع هذا لا تزال الجهود الأميركية منصبة على إنجاز هذه الصفقة.

رد حماس الذي صاغته مع فصائل المقاومة في غزّة، جاء حاسمًا من حيث التمسك بوقف إطلاق النار، وإعادة الاعمار، وانهاء العدوان ورفع الحصار، مع جدولة تبادل الأسرى، وفق جدول زمني يفضي إلى الإفراج عن كامل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة خلال فترة وقف النار، التي يمكن أن تمتد إلى عدة شهور.

الرئيس الأميركي جو بايدن، أثناء مرحلة التباحث لصياغة ورقة باريس، كان قد تحدث عن هدنة طويلة سيكون من الصعب عودة الحرب بعدها، وهذا الأمر الذي لا يزال نتنياهو وفريقه يرفضونه، ويطرحون هدن مؤقتة لإطلاق الأسرى، ثمّ تعود الحرب لاستكمال أهدافها، يقابل بالاستهجان حتّى من داخل الكيان، سواء من قادة الكيان السابقين، أو من المعارضة الحالية، والذين يفضلون عقد صفقة مع حماس، تفضي لإطلاق الأسرى، على مواصلة حرب بلا أفق، تقول مجرياتها إنها ستعمق الهزيمة الإسرائيلية ولا تطلق الأسرى.

بيان بايدن الأخير، المتضمن رفض الإدارة الأميركية لأي عملية عسكرية يهودية في رفح، بذريعة وجود مليون مدني، ما كان لنا أن نسمع بها، لولا الخشية الأميركية من توسع الحرب في الإقليم، وفقدان عامل الردع الأميركي في المنطقة، لا سيما مع استمرار العمليات ضدّ السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية في البحر الأحمر، والتي تثبت التقارير الرسمية وغير الرسمية في واشنطن أن الضربات العدائية التي تنفذها في اليمن فشلت في منع العمليات اليمنية المساندة لغزّة.

هذا الواقع الأميركي المأزوم، يضع إدارة بايدن بين نارين، على مفترق طرق تسير إليه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، نار فقدان الردع، ونار توسع نطاق الحرب في المنطقة، وكلاهما أصبح أمرًا شبه واقع، ما دفع بمسؤولي البيت الأبيض إلى الحديث عن الإنسانيّة ومنع استهداف المدنيين في رفح، والحث على ادخال المزيد من المساعدات إلى القطاع المحاصر بالتوازي مع خطى حثيثة تشجع عقد صفقة بين الكيان والمقاومة.

البيان الأميركي تضمن أيضًا حديثًا عن أخذ تعهدات من مستخدمي الأسلحة الأميركية بعدم انتهاك القانون الدولي، وهذا البند تحديدًا، يمكن أن يفهم باتّجاهين، الأول يخدم التوجّه نحو انهاء الحرب في غزّة، والضغط على الكيان للقبول بالصفقة بشروط المقاومة أو أكثرها على الاقل، ليس من أجل عيون أبناء غزّة، ولا من أجل الإنسانيّة، وإنما من أجل مجموعة من الأسباب، أولها هو الفشل الإسرائيلي، وثانيها تداعيات توسيع المواجهة في المنقطة، وثالثًا الاكلاف المترتبة على التوسيع سواء على المستوى العسكري، واستنزاف المقدرات الأميركية، أو الاقتصادية التي تثبت التقارير انها بدأت تظهر على الاقتصاد البريطاني، وكذلك اقتصاد كيان العدوّ الإسرائيلي، مع توقف كامل للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وتعطل ميناء أم الرشراش “ايلات”.

الاتّجاه الثاني، هو محاولة تملص أميركية من جرائم الحرب الإسرائيلية، بعد صدور قرار محكمة لاهاي، والتي بالتأكيد ستحمّل كلّ من يزود الكيان بالسلاح مسؤولية مبشارة عن الجرائم الوحشية، وهذا الاتّجاه مدعوم بوصف العدوان الإسرائيلي بأنه تجاوز ما حصل في 7 من أكتوبر، وأن هناك كلفة عالية يدفعها المدنيون، وهذه اللغة لم نسمعها من قبل، بل كان السائد هو تبرير مقزز لكل ما تقوم به “إسرائيل”، وانكار استهداف المدنيين أصلًا.

هكذا إذًا تبدو التصريحات، بشكل لم يعد يقدم كلّ الغطاء للإسرائيلي، على الاقل شكليًّا، وهو تراجع يجب النظر إليه بايجابية لناحية انعكاساته على الوضع في غزّة وتظهير انتصار المقاومة، ويكون الأمر أكثر وضوحا بالنظر إلى جبهة إسناد غزّة، من لبنان إلى اليمن والعراق، وثباتها على موقفها في دعم المقاومة، واستهداف العدوّ الإسرائيلي، ومعه البريطاني والأميركي. والأيام المقبلة مبشرة بنصر كبير، يحاول الأميركي تغليفه بشعارات إنسانيّة، وصفقات سياسية يمكن أن يكون التبطيع بين السعودية والكيان أهم مظاهرها.

 

  • المصدر: موقع العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع