عماد الحطبة*

ستعود “إسرائيل” والولايات المتحدة صاغرة إلى وقف إطلاق النار بحسب شروط المقاومة بعد انتهاء الاستعراض العسكري الإجرامي الذي يساعدها على تسويق المرحلة القادمة أمام شعوبها.

لا يكاد يمر يوم من دون مقال واحد على الأقل في صحيفة أو موقع تواصل صهيوني عن الضغوط الأميركية على الكيان الصهيوني في حربه على غزّة. الضغوط بحسب المواقع الصهيونية تذهب باتجاهين؛ عدم الذهاب إلى عملية عسكرية برية في جنوب قطاع غزّة ووسطه، والانسحاب من شمال القطاع والاكتفاء بعمليات جراحية طويلة الأمد تستهدف تجمعات حركة حماس وقياداتها.

يولول معظم الكتاب أن هذه الضغوط تحرم الكيان الصهيوني من فرصة القضاء على حماس، ويبقي التهديد الذي تشكله على الكيان قائماً. يستغرب المراقب هذه الحملة التي تنافي تماماً ما نراه ونسمعه من الولايات المتحدة وحلفائها.

منذ اليوم الأول للعملية، أكدت الولايات المتحدة رفضها أي وقف لإطلاق النار في غزة، وروّجت للرواية الصهيونية بأكاذيب واضحة، وبتشكيك في الرواية الفلسطينية، وخصوصاً أعداد الضحايا الفلسطينيين. كانت الولايات المتحدة طرفاً رئيساً في مفاوضات الهدنة الإنسانية من موقع الداعم لوجهة النظر والشروط الصهيونية .

بعد إقرار الهدنة الإنسانية، ومنذ اللحظة الأولى، أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تعتقد أن الوقت مناسب لوقف إطلاق النار، مع تأكيدها “الكاذب” على رغبتها في استمرار الهدنة الإنسانية لبضعة أيام إضافية. كان الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، أول من أعلن دعم استمرار القصف الصهيوني على غزة، وذلك قبل استئناف العمليات بيوم، وعاد لتأكيد هذا الدعم بعد بدء العمليات. كيف يستوي الأمران: الضغط لوقف الحرب، والدعم المادي والمعنوي لـ”إسرائيل”؟

في السماء، عانى سكان الأردن وفلسطين من خلل في موقع غوغل للخرائط مع تجدد الهجوم على غزّة، وأصبح يحدد المسافات والمواقع من داخل مصر. يعتقد البعض أن هذا الخلل مرتبط بتسخير موقع غوغل للخرائط في عمليات البحث عن الأسرى والأنفاق في غزّة، وهو ما أعلنت بريطانيا أن طائراتها تقوم به في أجواء غزة، لتضاف جهودها إلى الجهود الأميركية والإسرائيلية.

الهجمة الإعلامية على المحتوى المؤيد لفلسطين ترتفع. يكفي ذكر جمل مثل “انتصار غزة أو حماس” لتتعرض لحظر شامل أو جزئي. القنوات الإخبارية الأجنبية التي وجدت نفسها مشدودة إلى الصورة المنقولة من غزّة، بدأت تتراجع وتنقل صورة معاكسة تماماً تركز فيها على معاناة الإسرائيليين. حتى الأسرى الذين أطلقت حماس سراحهم، لم تعد تلك القنوات معنية بلقائهم. في المقابل، تعرض لقاءات قديمة مع عائلاتهم يعبرون فيها عن ألمهم وخوفهم مما ستفعله حماس بهم.

هذه التناقضات تجعل الصورة شديدة الوضوح بالنسبة إلينا. “إسرائيل” لا تملك خيارات سوى الاستمرار بحرب مكلفة سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، بحثاً عن نصر ما يساعدها على إيقاف الحرب، والالتفات إلى تحسين صورتها في الإعلام، واستعادة مكاسبها السياسية في المنطقة من خلال إحياء عملية “السلام”، وعالمياً باستعادة الدعم الذي خسرته خلال أيام الحرب من دول مثل إسبانيا وبلجيكا، وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي.

الصورة أكثر تعقيداً بارزة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً مع العمليات العسكرية اليمنية في منطقة البحر الأحمر وبحر العرب. العدوان الواسع على اليمن يمكن أن يفجر المنطقة، وفي الوقت نفسه السكوت عن العمليات اليمنية يظهر الناتو عاجزاً عن حماية مصالحه ومصالح شركائه. إيقاف المعارك مطلب أميركي، لكنه يحتاج إلى النصر نفسه الذي تبحث “إسرائيل” عنه.

الواقع على الأرض يقول إن الخيارات جميعاً في المعركة الحالية بيد المقاومة، رغم بشاعة المجازر التي يرتكبها العدو بحق المدنيين الأبرياء، والتدمير الممنهج للبنية التحتية في قطاع غزّة.

المقاومة تضبط إيقاع المواجهة، فهي القادرة على المحافظة على المستوى الحالي من المعارك. وفي الوقت نفسه هي القادرة على توسيع جبهات المعارك ودفع العدو إلى مغامرات يمكن أن تكلفه غالياً.

المقاومة ليست جيشاً يحتفظ بمواقع ثابتة على الأرض. لذلك، إن محاولة تصوير اكتساب العدو مساحات من الأرض هنا أو هناك ليست سوى دعاية للاستهلاك أمام جمهور المستوطنين الذي لم يستفق بعد من هول ضربة السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

المقاومة في غزة مستمرة في كل مكان من شمال القطاع وحتى جنوبه. إن رفع شعار مثل قدرة جيش الاحتلال على الوصول إلى منزل القائد يحيى السنوار في مدينة خان يونس لا يعبر إلا عن أزمة جيش الاحتلال الباحث عن أي نصر، ما يذكرنا باقتحام مستشفى الشفاء وتصوير الأمر على أنه إنجاز عسكري.

لم يعد أمام الاحتلال نفق يمر عبره للتقليل من خسائر حربه على غزة سوى الحديث عن ضغوط أميركية لوقف المعركة.

هذه الضغوط تعززها جهود أطراف رئيسة في الناتو مثل فرنسا التي ذهب رئيسها إلى قطر لبحث وسائل الوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار. وكان قد سبقه ويليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، واللواء عباس كامل مدير المخابرات المصرية.

جاء الرد على هذه الجهود على لسان القائد صالح العاروري الذي أعلن إغلاق باب التفاوض حول الأسرى الصهاينة تحت النار، وأن وقف الحرب شرط لاستئناف المفاوضات. يشير هذا الرد إلى أن المقاومة مرتاحة في ساحات القتال، وأن الجولة الماضية والجولة الجديدة لم تشكل تهديداً جدّياً لإمكانياتها العسكرية.

ستعود “إسرائيل” والولايات المتحدة صاغرة إلى وقف إطلاق النار بحسب شروط المقاومة، بعد انتهاء الاستعراض العسكري الإجرامي الذي يساعدها على تسويق المرحلة القادمة أمام شعوبها. ستخرج المقاومة أكثر قوة، وسيكون المحور المقاوم أكثر تأثيراً في الساحة السياسية الإقليمية، ولا يوجد أمام الأعداء خيار آخر.

* المصدر: الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب