أسرار القوة..
يحيى المحطوري
في ظل صمت عربي وإسلامي مخز ومخجل ومحزن، برزت وتفردت اليمن، قيادة وشعبا وجيشا، بالمواقف العظيمة القوية في نصرة المظلومين المستضعفين من أبناء فلسطين.
ولقيت هذه المواقف صدى كبيرا لدى أحرار العرب والعالم الذين وقفوا مذهولين أمام ما يحدث والكثير يتساءل كيف فعل اليمنيون ذلك وما هو سر قوتهم رغم ظروفهم القاهرة وأوضاعهم الصعبة.
وسنحاول الإجابة على ذلك في عدة نقاط رئيسية، تعتبر من أبرز المقومات والمؤهلات التي أهلت اليمن لهذا الموقف العظيم والشجاع والقوي ومن أهمها:
المنهج الواحد
المتمثل في كتاب الله العظيم القرآن الكريم والقيادة الواحدة الحكيمة الصابرة والمضحية، والشعب العظيم والأمة العظيمة التي تحركت وفق هذا المنهج، وانطلقت مجاهدة تحت راية هذه القيادة.
وقد كان ارتباط اليمنيين بالقرآن الكريم وثقافته العظيمة وتوجيهاته الحكيمة من أبرز عوامل القوة الموقف من الأعداء، فالقرآن الكريم يؤكد على ضرورة العداء لأعداء الله وضرورة اتخاذ الموقف ضدهم حيث يقول الله: “لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ “، ويقول محذرا من الأعداء: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ”. فكانت ثمرة الوعي بذلك، هو الاهتمام الكبير والمستمر بالتوعية والتثقيف للشعب على العداء لأعداء الإسلام أمريكا وإسرائيل منذ عشرين عاما.
ولذلك جاءت مواقف اليوم ملبية لطموح الأمس وثقافته، ولم يكن هناك أي عائق مناطقي أو عرقي أو طائفي يحول دون الوحدة خلف هذا الموقف الكبير.
الروحية الجهادية
كما أن القرآن الكريم أمرنا أن نحمل ثقافة الشهادة وأن نربي أنفسنا وأمتنا على الروحية الجهادية. فانطلق اليمنيون للقتال في سبيل الله، استجابة لأوامره في كتابه الحكيم، حيث يقول: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” ويقول : “انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” ويقول: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ويقول : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” ويقول: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” فكان لهذه الروحية تأثير كبير في التهيئة لهذا الموقف القوي.
الوحدة والاعتصام بحبل الله
وحين أمر الله في القرآن الكريم بالتوحد بقوله: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ” وبالتحرك لبناء الأمة الواحدة بقوله: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” انطلق اليمنيون لتعزيز وحماية الجبهة الداخلية ، وضرب كل من يريد المساس والعبث بها فانعكس هذا التوحد موقفا قويا صلبا في مواجهة إسرائيل لا تكسره مؤامرات الأعداء ولا مكرهم ولا تضليلهم.
الاستعداد والجهوزية
وحين وجه الله في القرآن الكريم بالإعداد والاستعداد للمواجهة بقوله: “وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” استجاب اليمنيون فكانت الأولوية القصوى لهم في الأعوام الماضية بناء المسار العسكري والقدرات التي تمثل خيارات رادعة للأعداء.
ولذلك فقد كانت هذه القوة حاضرة للمشاركة في نصرة المستضعفين من أبناء فلسطين في هذه المعركة.
التحرك الشامل في كل المجالات
ويمكن القول إن المشروع القرآني بقيادته ومنهجه قد أكد على أن الصراع مع العدو ليس عسكريا فقط، وأنه صراع شامل في كل المجالات فانطلق اليمنيون للاهتمام بالعمل الثوري، والاستمرار في التحرك الشعبي، والعناية بالمسار السياسي، والتحرك لإصلاح العمل الرسمي كمسارات لصيقة بالعمل العسكري ومساندة له وعنصرا من عناصر قوته وفاعليته وتأثيره. فكانوا أقدر من غيرهم على اتخاذ الموقف الأقوى في هذه الظروف.
الاستفادة من الصراع
كما أن أعوام العدوان على اليمن، مثلت دروساً مهمة وكبيرة للشعب اليمني في كل ميادين الصراع واستفاد منها في بناء الأمة القوية، عملا بالسنة الإلهية “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا”.
القيادة العظيمة
وفي الختام، فإن من أعظم النعم وأبرز عوامل القوة وجود القيادة الحكيمة التي أضاءت بأنوار القرآن ظلمات العصر وسارت باليمنيين وفق هدى الله وتعليماته وتوجيهاته، على الصراط المستقيم واستطاعت أن تقف باليمن هذه المواقف العظيمة والمشرفة لأنها جسدت القدوة عملا وجهاد، وتحملا وصبرا، وفداءً وتضحية، وعطاء وبذلاً “ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”. والحمد والفضل لله أولا وأخيرا.
- المصدر : المسيرة نت
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع