بين الاقرار والنفي.. لا أمان لأمريكا في البحر الاحمر
السياسية || مجيب حفظ الله
حالةٌ من التخبط ابرزتها تصريحات المسئولين الأمريكيين يوم امس عقب الإعلان عن تمكن صنعاء من اسقاط طائرة أمريكية بدون طيار فوق مياه البحر الأحمر..
صارت السمة الأبرز للسياسات الإعلامية الامريكية هي التخبط فواشنطن لم تعد تحكم بقرارٍ واحد والامريكان في انفسهم منقسمون وكل فريقٍ منهم يحاول ان يظهر سوءة الآخر..
لا نشك على الاطلاق بأن الولايات المتحدة كدولة فاعلة في كل المشاهد الساخنة والاستراتيجية من هذا العالم تميل دوماً نحو كفّة الباطل لكن الانقسام بين النخب الامريكية صار امراً واقعاً لا يستطيع هؤلاء اخفاءه..
على هذا الصعيد تأتي التناقضات في التصريحات الامريكية الرسمية لتعكس حدة هذا الشقاق الذي يحاول ان يراعي السياسات الامريكية الخارجية بالتوأمة مع المشاكل الداخلية في الولايات المتحدة وهو أمرٌ صعب المنال..
التصريحات الامريكية التي أعقبت اعلان الجيش اليمني عن اسقاط هدف ثمين فوق مياه البحر الاحمر ذهبت في بدايتها الى الإقرار الكلي بسقط طائرة أمريكية متطورة بدون طيار الامر الذي رأى فيه محللون انه يصب في خانة محاولة تأكيد تورط الحوثيين في استهداف الامريكان كحال فصائل المقاومة في العراق وسوريا..
لكن في لحظة تدقيق شعر الامريكان بان هذا الإنجاز يمنح صنعاء هدفاً معنوياً فالاستعراض الأمريكي عبر ناقلات الطائرات والبوارج التي تزاحمت في البحر الأحمر لا يعني شيئاً لليمنيين الذين ذاقوا ويلات الحرب الكونية عليهم طيلة تسع سنين..
قد يبدو الاستعراض الأمريكي بالقوة البحرية مفزعاً لدولٍ تخشى الامريكان لكن بالنسبة لنا نحن اليمنيين فقد اثبتت حرب السنين التسع عن ان القوة ليست هي شوكة الميزان بل عدالة القضية وصدق الاتكال على الله هي احد اهم أسباب النصر..
القطع البحرية الامريكية التي تزاحمت فوق مياه البحر الأحمر تحمل شعاراً واحداً هو حماية إسرائيل من أي تهديدات قد تطالها من أيٍّ من دول المنطقة لكنها ايضاً تسعى لاستعادة الصورة المهزوزة التي باتت عليها حقيقة القوة الامريكية..
على هذا الصعيد نقلت “قناة العربية السعودية” عن مسؤول دفاعي امريكي صحة ما قال انها مزاعم للحوثيين بإسقاط مسيّرة أميركية قبالة سواحل اليمن..
لكن هذا التصريح يتناقض كلية مع ما أوردته كل الوكالات الامريكية والغربية ومنها اسوشيتد برس ورويترز وفرانس برس نقلاً عن مسئولين في البنتاجون تؤكد سقوط مسيرة أمريكية من نوع “ام كيو ناين” فوق مياه البحر الأحمر..
الوكالات الأمريكية والغربية اكدت اسقاط الطائرة وأكدت ايضاً ان الحوثيين هم من استهدفها بسلاح أرض جو غير معروف..
صنعاء التي لم تخفي استعدادها للمضي قدماً في هذه المعركة ايّاً كانت عواقبها اكدت ان اسقاط الطائرة جاء لأنها تستخدم في دعم إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة..
الطائرة المتطورة تقدر كلفتها بنحو 30 مليون دولار ما يعني انها صيد ثمين تمكنت صنعاء من اقتناصه في اللحظة المناسبة..
بالعودة لمحور هذه الحلقة والذي نسعى فيه لتفسير أسباب التخبط الأمريكي في التصريحات الرسمية بدءاً بالإقرار ثم النفي..
يشير هذا التخبط إلى حالة من الارباك التي تعيشها دوائر القرار الأمريكي فعلى الرغم من تعرض القواعد العسكرية الامريكية في سوريا والعراق لضربات متتالية إلا ان هذه الضربة هي الأكثر وجعاً بالنسبة لواشنطن..
الامر لا علاقة له بحجم الضرب لكنه مرتبطٌ اكثر بفكرة سلامة الوجود الأمريكي في مياه البحر الأحمر والذي كانت واشنطن تعتبره والى وقتٍ قريب اكثر امناً حتى من المياه الامريكية نفسها..
انعكاسات الحرب في غزة على الامريكان لن تتوقف عند هذا الحد بل ستطال فكرة التواجد الأمريكي في المنطقة برمتها وبهذا تكون واشنطن فتحت على نفسها باباً من أبواب جهنم كانت في غنىً تامٍ عنها نتيجة انشغالها بقضاياها الداخلية واكثر من ذلك المواجهة مع الروس في أوكرانيا..
اسقاط مسيرة أمريكية ثمينة فوق مياه البحر الأحمر يشكل رسالة للبنتاجون والسياسيين الأمريكيين بأنهم في الوقت الذي أتوا فيه الى هنا لاستعراض القوة وتحجيم دول المنطقة عن الاشتراك في حرب غزة سيجدون انفسهم في موقف المدافع عن قواتهم القادمة من وراء البحار.
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع