“معليش.. وليخسأ جيش الاحتلال”
ليلى عماشا*
تستهدف الآلة العدوانية المتوحشّة الصحافيين منذ اليوم الأول للعدوان، واستشهد من جراء ذلك حتى اللحظة ٢٣ زميلًا في غزة عدا عن استهداف سيارات تابعة لمؤسسات إعلامية في جنوب لبنان ما أدى إلى استشهاد الزميل عصام عبدالله وجرح آخرين، ومحاصرة فريق صحفي إيراني قرب موقع العباد.
الصحافيون في الحرب ولا سيما المراسلون الميدانيون المتواجدون على الخط الأمامي، يعلمون أنّ احتمال استهدافهم أو تعرّضهم للإصابة في القصف الهمجيّ مرتفع جدًا.. أما أن تُستهدف عائلاتهم انتقامًا، فذلك يفوق القتل لؤمًا ووحشية: لقد قتل الصهاينة عائلة الزميل الإعلامي في قناة “الجزيرة” وائل الدحدوح، وتلك الـ”معليش” المخضبّة بدموعه وهو يودّع جثامين أولاده، كسرة قلب الأب التي شهدناها في ألف مشهد من غزّة، جاءت كثيفة جدًا في صوت وائل.. كأنّه بتلك التمتمات المتوجعة كان يتلو صوت الفجيعة الملثّمة بالصبر عن كلّ الأباء الذين وقفوا عند جثامين أولادهم في غزّة.
في أيام الحرب بشكل خاص، يصبح المراسلون الميدانيون جزءًا من بيوت وعوائل الناس التي تتابع الأحداث من بيوتها. يعطونهم ثقتهم ويعتبرونهم أعينهم التي ترى الحدث وتنقله لهم، فيما هم في بيوتهم آمنين. وحين نقول “آمنين”، يحزّ بقلبنا أنّه لا يوجد شبرا من في غزة، ومهما حاول الناس المفاضلة بين مكان وآخر.
نقل وائل عائلته من منطقة شمال غزّة كي يحميهم، لكنّ العدو الحاقد الحاضر جدًا على كآفة الوسائل الإعلامية، ومنها منصّات التواصل، مارس ما قد يكون انتقامًا مبرحًا من وائل الدحدوح، الذي يعرفه الناس من حرقته الواضحة وهو يغطي وينقل مجريات العدوان على غزّة.. ومن أبنائه الذين سجّلوا منذ أيام قليلة “فيديو” باللغة الإنكليزية يخبرون فيه العالم عمّا يجري على غزّة وأهلها ولا سيّما أطفالها، بعد دعوات من ناشطين كثر لضرورة استخدام اللغات الأجنبية على منصات التواصل، في محاولة لكسر الهيمنة الغربية على الأخبار المنقولة، بحيث تُروَى الحرب من وجهة نظرها، فتكذب وتضلّل وتحيل الضحية قاتلًا والقاتل ضحية!
فاضت دموع الصبر من عينيّ وائل، انحنى عند وجوه أولاده، يودّعهم، يحنو عليهم واحدًا واحدًا لآخر مرة. يبكيهم ويبكي فيهم كلّ أولاد غزّة، وكلّ الأولاد الذين سبقوا أهلهم إلى الموت، بفعل الهمجية الصهيونية القاتلة.
أمام المشهد، الذي يضاف إلى ألف مشهد يشبهه في غزّة، يحضر صوت الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي: “إوعى تعيش يوم بعد عيالك.. إوعى يا عبد الرحمن.. في الدنيا أوجاع وهموم أشكال وألوان.. الناس مبتعرفهاش.. أوعدهم لو حتعيش، بعد عيالك ما تموت.. ساعتها بس، حتعرف إي هو الموت!” في وصف قسوة حال الأهل إن هم دفنوا أولادهم وبقوا بعدهم أحياء! هذه الحال، التي تعتبر من أقسى التجارب الإنسانية، هي حال مرتبطة بوجود الطغيان والظلم. ويعرفها جيّدًا من يحاربون الظالم في كلّ زمان ومكان، لذلك، لا شيء يضاهي صبر أهل المقاومة، ولا قربان في الدنيا يوازي احتمالهم للألم الأقصى وهم يرفعون فلذات أرواحهم شهداء على طريق القدس.
* المصدر: العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب