توحيد الساحات في فلسطين والمنطقة.. ماذا عن الكيان؟
السياسية:
خلال اليومين الماضيين، شهدنا عملية واسعة تم التخطيط لها بدقة من قبل حركة حماس، وقد أُطلِق عليها اسم “غلاف غزة” أو طوفان الأقصى، وتم خلال هذه العملية الأخذ بعين الاعتبار كل العوامل والتداعيات المحتملة والنتائج المرتقبة، ورغم الثمن الباهظ الذي يدفعه سكان القطاع وأفراد كتائب القسام وكوادر حركة حماس، إلا أنها تمثلت في عملية دقيقة ومدروسة لتحقيق أهدافها.
ووفقًا لتقديرات غرفة القيادة العسكرية لحركة المقاومة الفلسطينية، يمكن أن تكون التكلفة العالية التي ستدفعها تلك العملية واحدة من الأوراق الاستراتيجية المهمة لها، يعني ذلك أن الهدف الرئيسي هو نقل الصراع العسكري من داخل قطاع غزة إلى مناطق جديدة وتحديد الأهداف الأساسية للصراع في تلك المناطق، ويُعتبر تعدد الجبهات المشاركة في المواجهات وتوسيع رقعة الصراع هو المكسب الاستراتيجي الرئيسي لهذه العملية.
أهداف المعركة البطوليّة لحماس
النقطة الأكثر أهمية هي أن هذه العملية التي جذبت انتباه العدو الإسرائيلي مجددًا، حيث أصبح من الواضح أن غزة ليست الوحيدة التي تقاتل، وأن سلاح المقاومة لم تعد تقتصر على إطلاق الصواريخ فقط، بل تشمل الآن عمليات كوماندوز واحتلال الأراضي وتطهيرها، واختطاف الأسرى، وإجراء مواجهات مباشرة.
وتؤكد قيادة حماس أن وجود العشرات من الأسرى الإسرائيليين، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، يمثل ورقة رابحة على الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه أهالي القطاع جراء قصف الطيران الإسرائيلي، وفي حالة استمرار صمود المقاومة لمدة تزيد على ستة أيام مع القدرة على الاحتفاظ بالأسرى، فإن حركة حماس ستمتلك ورقة قوية قد تؤدي إلى تحرير الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
عبارة “تبييض السجون” تستخدم حتى في إطار المناقشات والتحاور بين كبار قادة حركة حماس على الصعيدين السياسي والعسكري، وهؤلاء القادة الذين قامت عدة حكومات ووسطاء بالتواصل معهم بهدف التوصل إلى حل وتحقيق تقدم في التسوية، وكانت العملية تركز أساساً على مسألتين، الأولى إظهار قدرة كتائب القسام وفصائل المقاومة على القتال والتقدم برا وجوا نحو المواقع الإسرائيلية المحصنة وشن هجمات ضدها، مؤكدة بذلك القدرة على التصدي للعدو، واستخدام مسألة الأسرى الإسرائيليين كوسيلة استراتيجية لتحقيق أهداف المقاومة، حيث تمتلك حركة حماس فرصة لتحرير العديد من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي من خلال المفاوضات والمساومات.
والأُخرى، فيما يتعلق بتآكل قوة الردع الإسرائيلية في وجه أجيال الفلسطينيين، فإن الهدف كان تسليط الضوء على تدهور هذه القوة على مر الأجيال، حتى في الضفة الغربية.
وأشير إلى أن الوقت قد حان لزيادة تكلفة الاحتلال الإسرائيلي، وأن هناك فرصة لمواجهة الاحتلال وتحقيق أهداف متصلة ومتناسقة، حتى على الرغم من مرارة التكلفة وزيادة عدد الضحايا بين السكان الفلسطينيين غير المحصنين الذين يتعرضون لقصف الطيران الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بالمسار العملياتي، يُشير ذلك إلى مسألتين أخريين أيضًا، أولًا، يُظهر أن الاشتباك قد يحدث على الأرض والبحر وفي الجو، وثانيًا، يُشير إلى أن المواجهة ليست بالضرورة مقتصرة على إطلاق الصواريخ، بل إن جميع سيناريوهات عملية غلاف غزة قد تمت دراستها ووُضعت بعناية في غرفة العمليات المشتركة للمقاومة بجميع تفاصيلها.
وإضافة إلى ذلك، هناك مفاجآت أخرى في الطريق، وهي القدرات العسكرية المتاحة التي ستستخدم بشكل قريب، يعتقد قادة حركة حماس أنهم سيستخدمون هذه القدرات بحذر وبمرونة وفقًا للمستجدات، حيث إذا ارتفع عدد الشهداء والجرحى نتيجة للقصف الإسرائيلي، ستتم زيادة إطلاق الصواريخ والقذائف وإحداث تعطيلات في الاقتصاد الإسرائيلي.
يجدر بالذكر أن أي عملية اقتحام بري ستشهد تصاعدًا في مستوى الاشتباك مع أطراف أخرى في الإقليم، وقد يتطلب استخدام مدفعية ثقيلة مثل بعض القطع الثقيلة التي نُشرت بواسطة قواعد الجيش الإسرائيلي باتجاه غلاف غزة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى بدء مرحلة جديدة من العمليات داخل الأراضي الفلسطينية، ويبدو أن الرهان لا يزال مستمرًا وصامدًا على تحريك معطيات المقاومة وزيادة الاحتكاك في مناطق الضفة الغربية، وفقًا لمصادر حركة حماس، فإنها تمتلك أيضًا سيناريوهات للتحريك في الضفة الغربية المحتلة، حيث تكون كوادرها جاهزة للمشاركة في الاحتكاك، ومن المتوقع أن تتضمن هذه العمليات استخدام قذائف صاروخية صغيرة واقتحام مستوطنات في الضفة الغربية، ما قد يشكل مفاجأة إضافية للعدو في المستقبل القريب.
الضفة الغربية مشتعلة أساساً
من المرجح أن نتائج أي معركة في الضفة الغربية لن تكون متوافقة مع تقديرات العدو وتوقعاته، بل ستكون صادمة بالنسبة له ومخيبة للآمال التي راهن عليها قادته، سيجد العدو نفسه عاجزًا أمام تقدم قدرات المقاومة الفلسطينية، حيث لن يتمكن من تحمل تصاعد نشاطها في الضفة الغربية بالتزامن مع العمق المحتل القريب من غزة، وإذا دخل العدو في معركة عسكرية ضد المقاومة هناك، ستكون نتائج المعركة الحالية كذلك مفاجئة بالنسبة له وستخيب توقعاته، ويجب أن ندرك أن ظاهرة المقاومة في الضفة الغربية تطورت بشكل ملحوظ، وأن العدو فشل بشكل ذريع في محاولاته المتكررة للقضاء على هذه الظاهرة، والمقاومة اليوم –خاصة بعد طوفان الأقصى- تتمتع بعزيمة قوية وإصرار عالٍ، ولها جذور عميقة في المجتمع، وقد تطورت بشكل كبير على مر السنوات، وهي أكثر تحضرًا وتنظيمًا من أي وقت مضى.
وفي حال ارتكاب أدنى غلطة في الضفة، سيجد العدو نفسه عاجزًا أمام تقدم قدرات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وإذا دخل العدو في معركة عسكرية ضد المقاومة، فإن نتائج المعركة ستكون مفاجئة بالنسبة له وستخيب توقعاته، سيصبح عاجزًا أمام تطور قدرات المقاومة الفلسطينية، والتي لم يعد بإمكانه تحمل تصاعد وتيرة عملياتها في الضفة الغربية.
ظاهرة المقاومة في الضفة الغربية واجتثاثها وضرب قدراتها المتنامية أصبحت من الماضي، حيث إن العدو فشل بشكل ذريع في محاولاته المتكررة لإنهائها، ذلك لأن المقاومة في الضفة اليوم تتمتع بعزيمة أقوى وإصرار أكبر وجذور أعمق، وتطور أكبر من أي وقت مضى، تلك العوامل تجعل العدو يواجه تحديات كبيرة في محاولة السيطرة على المقاومة وإسكات صوت النضال الفلسطيني في الضفة الغربية.
وإن أي تهديد باستئناف عمليات الإجرام الإسرائيلي ضد الضفة يأتي رغم علم الاحتلال بأن أي عملية ستواجه برد قاس من قبل المقاومة، ما قد يؤدي إلى اندلاع معركة عسكرية لا تخدم مصلحته. ويُعتقد أن اللقاء الذي جمع قبل أسابيع قليلة الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، حمل رسالة واضحة للعدو. وأظهر هذا اللقاء أن المقاومة مستعدة ومتأهبة وعلى أتم الاستعداد للرد القوي على أي عدوان صهيوني، وأنها ستفاجئ العدو بما لا يتوقعه كما قامت به غزة.
في الختام، إن ساحات فلسطين والمنطقة موحدة بالأساس، وبالنسبة للإجراءات الفاشلة التي تتخذها “إسرائيل” لاستعادة مكانتها بين مهاجريها، فيبدو أن التعاون بين أطراف وحدة المقاومة كان الحديث الأبرز بين الإسرائيليين، ويشكل قوة فعّالة ومؤثرة لمصلحة فلسطين، إنه يُظهر جسرًا قويًا يربط بين مختلف الفصائل الفلسطينية ومؤيديها، هذا التعاون يوفر حماية ودعمًا ضد الظروف الصعبة التي تواجهها القضية الفلسطينية، إنه يعبّر عن تضامن قوي وإرادة مشتركة لتحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني، وعلى مر السنوات، أثبتت أطراف وحدة المقاومة قدرتها على مواجهة التحديات بشجاعة وعزيمة والالتزام بمواصلة النضال من أجل تحقيق حقوق الفلسطينيين، ويساهم هذا التعاون في تعزيز قدرات المقاومة الفلسطينية وزيادة فرص تحقيق الأهداف الوطنية والاستقلال، وإن التعاون بين أطراف وحدة المقاومة يظل ذا أهمية كبيرة في التصدي للتحديات المستقبلية والمضي قدمًا في النضال من أجل تحرير فلسطين وجعلها عادلة ودائمة ومستقلة، هذه الوحدة تجسد الأمل والإصرار على تحقيق العدالة والسلام في الشرق الأوسط وتحقيق حقوق الفلسطينيين المشروعة.
* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر