يحيى المحطوري
عضو المكتب الثقافي لانصارالله

 

دستورية القرآن 1
الحرية

وبحركة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بالقرآن، فقد سعى لتحقيق هذا الهدف المقَدَّس في تحرير المجتمع البشري، ولا تتحقق الحريَّة الحقيقية إلّا باتباعه، والإيمان برسالته، والاهتداء بنور الله (القرآن الكريم)، وما عدا ذلك ظلماتٌ يتيه بها الإنسان، ويُعَبِّدُ نفسه للطاغوت والشيطان.

دستورية القرآن 2
إقامة القسط

فتحرك رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بنور القرآن، وتعاليمه المباركة، بالتزكية للأنفس، وبترسيخ قيم الرحمة والخير والعدل، وبالجهاد والتصدي للظالمين؛ لإخراج الناس من ظلمات الظلم، إلى نور العدل والقسط، الذي هو من أبرز أهداف الرسالة الإلهية، وحظي فيها بمكانةٍ عظيمة، ومساحةٍ كبيرة من التعليمات والتوجيهات، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد: الآية25]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء: الآية135]، وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: الآية8].

دستورية القرآن 3
حقوق الإنسان

وكان من ظواهر الجاهلية وظلماتها:
امتهان الكرامة الإنسانيَّة بكل أشكال الامتهان، فالإنسان في نظرها وقانونها مهدور الدم، مستباح الحياة، مستباح العرض، مستباح المال، ومستباحٌ فيما يملك، طالما تعلَّقت بذلك مصالحٌ، أو رغباتٌ، أو أطماعٌ، من جهة من يستطيع أن يسلبه شيئًا من ذلك بالقهر والغلبة، أو المكيدة والحيلة، فالإنسان في نظر الجاهلية وطاغوتها ومروجيها الظلاميين رخيصٌ مستباح، والمهم هو مصالحهم.
فتحرك رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بنور القرآن لتغيير تلك المفاهيم، وتغيير الواقع المظلم المبني عليها، وإعادة الاعتبار للإنسان بآيات الله تعالى، التي بيَّنت كرامة الإنسان، ومكانته، ودوره الحقيقي، والحرمات المتعلقة به، في نفسه وعرضه وماله، فبيَّنَ الله تعالى في كتابه التكريم للإنسان في خلقه وواقع حياته، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: الآية4]، وقال “جَلَّ شَأنُه”: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: الآية70]، وبيَّن أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم أبي البشر “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وذلك تكريمٌ عظيمٌ.

ومن التكريم للإنسان:
أنَّ الله منَّ على البشرية بأعظم القادة الهداة من أنبيائه ورسله، الذين هم على مستوىً عظيم في كمالهم الإنسانيِّ والأخلاقي، وفي رشدهم، ومعارفهم، وحكمتهم، وزكاء أنفسهم، وفي منزلتهم عند الله، وفي رحمتهم بالناس، وحرصهم على هداية الناس وإنقاذهم، وأنزل كتبه إليهم، بما فيها من التعليمات والتوجيهات القيِّمةِ، والهداية الواسعة التي تسموا بهم، وتفيدهم الرشد والحكمة، وترسم لهم طريق الفوز والفلاح، والنجاة والعزة والكرامة، والخير العظيم في الدنيا والآخرة، وبيَّنَ للناس الهدف المقدَّسَ من وجودهم في هذه الحياة، التي سخَّر لهم فيها ما في السماوات وما في الأرض، وعن المسؤولية المرتبطة بالإنسان في أعماله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7 – 8].

دستورية القرآن 4
العدل والإحسان

والتعليمات والتوجيهات الإلهية التي ترعى للإنسان حقوقه كإنسانٍ، وحقوق كل أبناء المجتمع، وحقوق المرأة واليتيم والطفل، ومسئوليات المجتمع تجاه اليتامى والفقراء والمساكين وغيرهم، وكذلك ما يرتبط بالمعاملات من التزاماتٍ وضوابط، كلها تقوم على العدل والبر، والإحسان والقسط، وحفظ الحقوق، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل: الآية90].
وكما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء: الآية36].

دستورية القرآن 5
حماية الأسرة وتكريم المرأة

وفي القرآن الكريم الأسس، والتوجيهات، والتعليمات، والتفاصيل، التي شرعها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لعباده، والتي تبني المجتمع البشري بناءً راقيًا، على أساسٍ من العدل والخير، والمحبة والرحمة، والتعاون والتضامن، بدءًا من اللبنة الأولى للمجتمع، وهي الأسرة، فأتت التعليمات والتوجيهات المتعلقة بالعلاقة بين الزوج والزوجة، ومسؤولية كلٍّ منهما تجاه الآخر، ومسئوليات الأبوَّةِ والأمومة، وعلاقة الأسرة ببعضهم البعض: الأبناء مع الوالدين، والإخوة والأخوات، وغير ذلك، بتفاصيل دقيقة، وعلى أساس المبادئ الإلهية، والقيم العظيمة، وهكذا إلى بقية الأرحام والقرابة، وإلى المجتمع عمومًا.
وأعاد الاعتبار والكرامة الإنسانيَّة للمرأة بعد أن كانت الجاهلية بظلماتها وظلمها قد امتهنتها، وظلمتها، واحتقرتها، وحطَّتها عن قيمتها الإنسانيَّة، ورسَّخت نظرةً سلبيةً تجاهها، إلى درجة الإقدام على الجريمة الشنيعة بوأد البنات ودفنهن أحياء، فانتقل الإسلام بها نقلةً كبيرة، وأنقذها من ذلك الواقع المظلم، وأعاد لها اعتبارها كإنسانٍ ضمن دورها ومسئولياتها الفطرية، ودورها في إطار المهام المشتركة بين المؤمنين والمؤمنات.

دستورية القرآن 6
تحرير الإنسان من العبودية

والقرآن الكريم كتاب هداية شاملة يستوعب الحياة بكلها، وفي كل مراحلها إلى قيام الساعة، وهو النور الذي تحرك به النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” لإخراج الناس من الظلمات، فسعى لإخراجهم من تعبيد أنفسهم لغير الله تعالى من الأصنام والأهواء والطاغوت، ومن تأليه المادة والشهوات؛ ولإخراجهم من المفاسد والرذائل والفواحش والجرائم، ومن كل ما ينحط بهم ويسيء إلى كرامتهم الإنسانية، وسعى لإخراجهم من حالة الشتات والفرقة ومن حالة الضلال والضياع، وقد حقق نجاحًا عظيمًا في مدة زمنية يسيرة، انتقل فيها بالعرب من نقطة الصفر إلى المرتبة الأولى عالميًا آنذاك، وحَوَّلَ واقعهم إلى أمة مُوَحِّدَةً لله تعالى، مستقلةٍ وقوية ومُوَحَّدَةٍ ومتعاونة وفق المبادئ الإلهية المتميزة بالأخلاق والشرائع الإلهية، ولكن المشكلة الخطيرة.

دستورية القرآن 7
أسس البناء الحضاري

وفي القرآن الكريم أرقى الأسس للبناء الحضاري، الذي يتجه فيه الإنسان لعمارة الأرض، ويؤدي دوره كمستخلف استخلفه الله تعالى فيها، وسخر له في إطار ذلك الاستخلاف ما في السماوات والأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وقدم له التعليمات التي يتعامل على ضوئها مع نعم الله تعالى برشد وانتفاع سليم وبما يحميه من المضار والمفاسد والخبائث، وبما يحافظ على سلامته الأخلاقية، ويسمو به في سلم الارتقاء والكمال الإنساني، وما يبني الأمة لتكون قوية عزيزة منيعة تدفع الشر عن نفسها، وتحمل راية الجهاد، الجهاد،،، في سبيل الله تعالى، وفق تعليماته المباركة؛ للنهوض بمسئولياتها المقدَّسة في التصدي للأشرار والطغاة والمستكبرين والمجرمين الظالمين على أساسٍ من المبادئ والقيم والأخلاق والتعليمات الإلهية المبنية على الحق والخير والعدل والحكمة.

 

دستورية القرآن 8
ترسيخ مبدأ الشورى والمسؤولية الجماعية

وفي القرآن الكريم الأسس والتعليمات القيِّمة والحكيمة، والهداية الواسعة التي تنظم إدارة شؤون المجتمع على أساسٍ من المبادئ الإلهية والقيم والأخلاق والضوابط الشرعية، وضمن المهام المقدَّسة لتنفيذ تعليمات الله تعالى، وإقامة القسط وبناء الحياة، وتحمي المجتمع من التسلط والطغيان الفردي والفئوي، وتحرم الظلم ولا تعطي شرعية للظالمين، وتمنع الاستبداد وترسخ مبدأ الشورى في إطار الالتزام بتوجيهات الله تعالى، كما قال “جَلَّ شَأَنُه”: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: من الآية38]، وقال تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: من الآية124].
وكما قدم القرآن الكريم المفهوم الصحيح للمسؤولية كمسؤولية جماعية تتكامل فيها الأدوار، ولا يمتلك فيها أحدٌ صلاحية مطلقة بل الكل ملزم بتعليمات الله تعالى وحدود المسؤولية.

دستورية القرآن 9
العلاقات الإنسانية

وأتى في القرآن الكريم تنظيم العلاقة والمعاملة مع أبناء المجتمع الإنسانيِّ على أسسٍ صحيحة، تفرِّق بين المسالم والمعادي المحارب حتى من الكافرين، كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: الآية8].

دستورية القرآن 10
القرآن الأساس الصحيح والجامع

شعبنا العزيز، إنَّ من المعلوم قطعًا أنَّ البناء الصحيح لابدَّ له من أساسٍ صحيحٍ وجامعٍ، يؤمن به كلّ اليمنيين، ويعزز الشراكة فيما بينهم، ولا ينحصر لصالح حزبٍ أو فئة، ولا يدخل في حيّز المناطقية، ولا العنصرية، ولا الفئوية، وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها بلدنا، ويعاني فيها من احتلال أجزاء واسعة منه، ويسعى الأعداء إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لشعبنا تحت كل العناوين: العنصرية، والمذهبية، والمناطقية، والسياسية، ويسعون لاقتطاع أجزاء من البلاد.

وبناءً على ما سبق، فإنَّ ما يؤمن به الشعب اليمني في كل أرجاء الوطن، في شمال البلد وجنوبه، وشرقه وغربه، وفي كل محافظاته، وتجتمع كلمتهم على الإقرار به: هو القرآن الكريم، نور الله العظيم، وله الاعتبار فوق كل المقررات والقرارات، وهو الأساس الذي نعتمد عليه في مسار التغيير الجذري.

المشكلة المزمنة في كل عصر تغييب دور القرآن الكريم ولكن المشكلة الخطيرة – وللأسف الشديد – التي انحدرت بالمسلمين وأثَّرَت عليهم فيما بعد، وصولًا إلى هذا العصر: هو تغييب دور القرآن الكريم في أكثر المراحل التاريخية، وبعدهم عن الاقتداء والاتِّباع للرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، حيث تغيرت النظرة إلى حصر العلاقة بالقرآن الكريم والاهتداء به، والاقتداء برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في مجالات محدودة: كالجانب الروحي والشعائر العبادية، وبنظرة محدودة وضيقة، وفي بعض الأحكام والمسائل الشرعية لبعض المعاملات، ولم يستفيدوا من تجربة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في حركته بالقرآن الكريم، بالرغم من أنه تحرك به في واقع مظلم وسلبي للغاية والظلمات معتمة في أرجاء العالم فكانت حركته بنور الله القرآن الكريم هي التي تحققت بها النتائج المهمة، وحظي فيها مع أنصاره بتأييد الله تعالى ونصره، إنَّ مَنْ وراء تجزئة العلاقة للأمة بالرسول والقرآن في مقام الاتِّباع والاهتداء والاقتداء وما ترتب على ذلك من فشل كبير وانحدار رهيب للأمَّة هم الحكام والسلاطين الجائرون وعلماء السوء الذين أيدوهم، ومن بعدهم المعتنقون للأفكار الظلامية لقوى الطاغوت والاستكبار المعادية للإسلام.