عبد القوي السباعي

يُرجِّحُ الكثيرُ من الباحثين -استناداً إلى التحَرّكات الأمريكية الأخيرة والتحذيرات اليمنية المتكرّرة- أن ثمة معركةً بحريةً حاسمةً يلوحُ أُوارُها في الأُفق القريب، معركة تتجاوز خليج عدن والقرن الأفريقي والساحل الغربي لليمن، بل وعلى طول البحر الأحمر، من تيران وإيلات في العقبة شمالاً، حتى خليج عدن فالمحيط الهندي، مُرورًا بمضيق باب المندب جنوباً، والذي يطلق عليه اليمنيون مجازاً “بوابة الدموع”، وتارةً أُخرى “بوابة النصر”.

وبحسب الباحثين فَــإنَّ هذه المعركةَ البحرية المتوقَّعة قد أعد لها الجيش اليمني العدة خلال سنوات العدوان الماضية، وخلافاً لكل التوقعات، يراها العسكريون في صنعاء إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ اليمني الحديث، والتي لا تقل أهميتها عن معركة “ذات الصواري” 35هـ / 655م، التي كان للبحارة اليمنيين الدورُ الأبرزُ فيها، فإذا كانت الأولى بداية ظهور القوة البحرية اليمنية في التاريخ الإسلامي، والتي أسهمت في إنهاء التفوق الروماني البحري، القوة العظمى في تلك الفترة، فَــإنَّ معركتهم اليوم “بوابة النصر”، بداية التفوق والاقتدار البحري اليمني على المستويَّين الإقليمي والدولي في العصر الحديث.

لو عُدنا بالذاكرة قليلًا إلى الوراء؛ أي إلى ما بعد اندلاع شرارة ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، سنرى كيف قام الثوار بالتمركُز والانتشار في مختلف المناطق اليمنية الاستراتيجية، سواءً الشريط الساحلي الغربي الممتد من أقصى ميدي إلى باب المندب، أَو جنوباً من خور عميرة ورأس عمران إلى عدن، وَأَيْـضاً على امتداد جغرافيا الثروات السيادية ما بين مأرب والجوف وشبوة، في المقابل كان توجُّـهُ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي الصهيوني ومنذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015م، ودأبُهم الالتفافَ حول اليمن وتطويقه من البحر وفي البر، وعمل بكل قوةٍ على إخراج الثوار من كُـلّ مناطق الثروات السيادية لليمن.

لقد جاء هذا التحالف، بحسب المراقبين، مدفوعاً بالدرجة الأولى بدوافعَ أمريكية صهيونية شرسة ضد الثوار اليمنيين، حَيثُ اعتبرت أمريكا نفسَها أنها المدافعة عن مصالح الغرب والمدبِّرة لشؤونهم وراعيتها وحاميتها ممّا أسمتهم “الحوثيين” و”الخطر الذي يتهدّد مصالحهم” من هؤلاء الثوار الأحرار، حَيثُ اعتبرت قتالهم ضرورةً ماسَّةً وصارمةً، ورأت فيهم العدوَّ اللدود الذي لا بُـدَّ من قتاله في هذا المكان، وكلّ مكان تتواجد فيه مصالحها، أَو يقوّض سياساتها ورغباتها، وظل الدافع الأمريكي والصهيوني من أهم العوامل التي دفعت الإدارة الأمريكية اليوم للمشاركة في هذا التحالف بصورةٍ مباشرة، بعد أن فشلت كُـلّ أدواتها المحلية والإقليمية من تحقيق أهدافها؛ فكان تواجدها في البحر والجزر اليمنية والمناطق النفطية والالتفاف حول اليمن في البحر والبر، هو الدافع الاقتصادي في الدرجة الأولى والذي يُعد عاملًا مؤثراً في سير التحَرّكات الأمريكية اليوم، بعد أن سهّلت تلك الأدوات المتمثلة بالسعوديّة والإمارات وأدواتها المحلية الغطاءَ المناسبَ لهذا التواجد.

لكن وفي ذات الوقت بدأت أمريكا تفقدُ مكانتَها تدريجيًّا خلال سنوات العدوان على اليمن، وباتت تترنَّحُ كسيدةٍ وحيدةٍ للعالم، في إطار ما كان يُعرف بـ”النظام الأُحادي القطبية”، وعلى الرغم من أنها كانت تهتم كَثيراً بتطوير قدراتها العسكرية ومنها البحرية، وتسعى للتواجد في كُـلّ الطرق التجارية والعسكرية في المحيطات وأعالي البحار ومداخلها، تحت مبرّر الحماية والأمن الدولي ومكافحة الإرهاب والقرصنة، ونشر الحرية والديمقراطية الأمريكية، كأهداف معلنة للحملات التي توالت على مدى أربعة عقود من الزمن، إلَّا أن ذلك بات مكشوفاً للشعوب الحرة، وصاروا على يقين أن الغرض الحقيقي لها هو تجسيد الهيمنة والتسلط والحصول على الثروات الأفريقية والعربية، في اليمن والخليج.

لهذا يشعر الثوار اليمنيون اليوم بالمسؤولية التاريخية تجاه تحرير الأرض وانتزاع الحقوق، على الرغم من المشاكل التي تعيشها دولتهم، جراء العدوان والحصار، إلا أنهم بذلوا الكثير للحد من وصول الأمريكيين والصهاينة إلى مبتغاهم، أَو إلى الأماكن التي تعتبر مقدسة بالنسبة للثوار، وبقي الحل الوحيد أمام اليمنيين الأحرار في المناطق المحتلّة هو التعاضد مع الثوار والاستنفار الكامل والتحرير الشامل، خَاصَّة بعدما نفدت كُـلّ الوسائل والطرق السلمية لثني هذا التحالف الذي تقوده أمريكا عن مخطّطاته وأطماعه، وتنصله عن تحمل كامل المسؤولية تجاه تبعات ما اقترفوه بحق اليمن “الأرض والإنسان”.

وفي هذا الصدد يتنبأ الباحثون والمراقبون أن هؤلاء الثوار لن يكونوا وحدَهم في المواجهة القادمة والمعركة الفاصلة؛ إذ إن الشعب اليمني قاطبة (شمالاً وجنوباً)، سيقف خلفهم ويؤازرهم، كما أن هناك ثمة قوىً إقليميةً ودوليةً قد أبدت استعداداً كَبيراً للمساهمة في النشاط العسكري القادم؛ للتخلص من الخطر والهيمنة الأمريكية إلى الأبد، وأضحت كُـلّ المؤشرات التحليلية تقول إن قادم الأيّام تؤكّـد حتمية سيادة أحرار وثوار اليمن على البحر والمضيق والخليج، والبر والجو، وباتت سيادتهم على المنطقة برمتها أمراً واقعاً ومسألة وقتٍ ليس إلَّا.

المصدر :صحيفة المسيرة