السياسية:

بعد الخطة الأمريكية لتقليص وجودها في منطقة غرب آسيا والتركيز على شرق آسيا لمواجهة الصين والسيطرة عليها، سعى الكيان الصهيوني، بدعم من الولايات المتحدة، إلى إقامة جبهة موحدة في منطقة غرب آسيا ضد إيران، إثر خطة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية. وتابع الكيان الصهيوني هذه الخطة تحت عنوان “الاتفاقيات الإبراهيمية”.

في هذه الخطة، أقدمت دول مثل الإمارات والبحرين على تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. وكأن الصهاينة مصممين على إضافة بعض الدول العربية الأخرى إلى هذه الاتفاقيات. في غضون ذلك، بالنسبة للصهاينة، كان أهم إنجاز في اتفاقيات السلام الإبراهيمية، هو انضمام السعودية إلى هذه الاتفاقيات.

كانت قضية التطبيع مع السعودية ولا تزال مهمةً جدًا للصهاينة، لدرجة أنهم شبهوا موقع وأهمية السعودية في اتفاقيات السلام الإبراهيمية بالجوهرة في التاج. وفي الواقع، بالنسبة للصهاينة، فإن انضمام السعودية إلى اتفاقيات السلام الإبراهيمية هو الهدف الرئيسي وإنجاز هذه الخطة، وهو إنجاز ما زال الكيان الصهيوني يسعى إلى تحقيقه.

في هذا الاتجاه، عقدت سلطات الكيان الصهيوني والسعودية اجتماعات سرية مع بعضهم البعض أكثر من مرة، وفي إطار هذه اللقاءات عقدوا أيضًا اتفاقيات سرية في مختلف المجالات.

في حالة واحدة فقط، كشفت القناة السابعة الصهيونية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قام برحلة سرية إلى السعودية قبل سنوات. ونقلت هذه الشبكة عن مصدر صهيوني أن نتنياهو زار مدينة نيوم.

وفقًا لهذا التقرير، بعد رحلته إلى السعودية، عقد نتنياهو اجتماعًا ثلاثيًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وهو لقاء عقد في مدينة نيوم. واستمر هذا الاجتماع الثلاثي قرابة 5 ساعات.

وفي هذا الصدد، أكد الصحفي الصهيوني باراك رافيد أن يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد، رافق نتنياهو في هذه الرحلة. في الوقت نفسه، أعلنت الإذاعة الصهيونية أن نتنياهو سافر إلى السعودية.

كما كشفت القناة 12 الإسرائيلية أنه في الأسابيع الماضية، أجريت محادثة هاتفية بين “بنيامين نتنياهو” و”ابن سلمان” بوساطة من البحرين للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين. لكن لم يسر كل شيء كما أراد الصهاينة حتى الآن.

حتى اليوم لم ينجح الكيان الصهيوني في تحقيق هدف التطبيع مع السعودية. فبعد الاتفاقات الأخيرة بين إيران والسعودية بوساطة الصين، وما ترتب عليها من خفض للتوتر بين إيران والسعودية والإمارات والبحرين، وكذلك إمكانية استئناف علاقات إيران مع الأردن ومصر، واجهت معادلات السلطات الصهيونية فيما يتعلق بمشروع التطبيع مع دول المنطقة تحت اسم الاتفاقيات الإبراهيمية وإنشاء الناتو العبري-العربي، مشاكل وعراقيل.

قال يولي إدلشتين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن في كنيست الكيان الصهيوني، بعد إعلان الاتفاق بين إيران والسعودية: “إيران والسعودية اتفقتا الآن على تجديد علاقاتهما، وهذا أمر سيء للغاية بالنسبة لإسرائيل”.

على الرغم من أن خطة الناتو العبري-العربي لم تصل بعد إلى حالة محددة، كان الصهاينة يأملون أن تصل هذه الخطة إلى حالة مقبولة في المستقبل القريب، لكن الإعلان المفاجئ عن الاتفاق بين إيران والسعودية، أطلق رصاصة الرحمة على هذه الخطة الصهيونية الأمريكية. والآن بعد أن انخفض التوتر بين إيران والدول الخليجية إلى حد ما، ليس من المنطقي أن يتابع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة هذه الخطة، وهي خطة لم تؤت ثمارها حتى قبل الاتفاق بين إيران والسعودية.

حالياً، فقدت دول المنطقة ثقتها بالأمريكيين، ومع تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، قرروا حل العقبات والمشاكل في المنطقة دون وجود الولايات المتحدة وبمساعدة قوى ناشئة مثل الصين، ومنها قضية التوتر مع إيران.

وكان لهذا الحدث تكلفة باهظة للأمريكيين، وربما يمكن اعتبار هذه القضية نقطة تحول تاريخية في غرب آسيا، لأن الولايات المتحدة أُهملت ولم تلعب أي دور في إيجاد حل لإحدى أكثر القضايا حيويةً في الشرق الأوسط.

الآن، بعد حضور الصين وتجاهل أمريكا، تم حل جزء مهم من مشاكل التوتر في المنطقة، ومن ناحية أخرى فإن خطة أمريكا والكيان الصهيوني لإنشاء ناتو عبري-عربي لم تصل بعد إلى نهايتها المرجوة، وبالتالي ستبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لإحياء موقعها في المنطقة، ومواجهة الوجود الصيني في غرب آسيا، ودعم مصالح الكيان الصهيوني، وخلق حدث مهم في المنطقة. وحالياً، لا يمكن أن يكون هذا الحدث سوى تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والسعودية.

إضافةً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى استعادة موقعها في منطقة غرب آسيا أمام الصين، والحفاظ على أمن النظام الصهيوني وتحسينه، تحتاج إدارة بايدن إلى إنجاز كبير في حملتها الانتخابية لعام 2024، وهو شيء فشلت في تحقيقه حتى الآن. ولذلك، فإن نجاح أمريكا في التوسط بين الكيان الصهيوني والسعودية لتطبيع العلاقات، يمكن اعتباره إنجازًا مهمًا لإدارة بايدن.

حسب ما أوردته صحيفة أكسيوس الأمريكية، فإن الحكومة الأمريكية تحاول التوصل إلى اتفاق سلام وتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني. ونقلت أكسيوس عن مسؤولين بالحكومة الأمريكية قولهما، إن إدارة جو بايدن تعتزم تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني خلال الأشهر القليلة المقبلة، وقبل بدء الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة.

طبعاً، العلاقات غير الرسمية وغير العلنية بين السعوديين والصهاينة قد تأسست منذ سنوات وهي تتزايد حالياً، لكن هدف الأمريكيين هو إقامة علاقة رسمية وعلنية. تحاول إدارة بايدن إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين السعودية والكيان الصهيوني في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية.

وفي هذا الصدد، سافر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وكبير مسؤولي البيت الأبيض في الشرق الأوسط بريت ماكغورك، وآموس هوکشتاین كبير مستشاري الطاقة في الحكومة الأمريكية، مؤخرًا إلى الرياض للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وبعد الاجتماع، ذهب ماكغورك وهوکشتاین إلى تل أبيب لمناقشة محادثاتهما مع ابن سلمان مع رئيس الوزراء العدو بنيامين نتنياهو.

وحسب وسائل الإعلام الأجنبية، وضعت السعودية ثلاثة شروط للأمريكيين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي: “الحق في امتلاك برنامج نووي سلمي” و”تعزيز العلاقات الدفاعية مع أمريكا وتوسيعها” و”توسيع التجارة مع أمريكا” و”إنهاء الانتقادات الأمريكية للسعودية على خلفية مقتل جمال خاشقجي”.

بالنظر إلى الأوضاع الراهنة في المنطقة وشروط السعودية لأمريكا لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وعدم قبول الأمريكيين بهذه الشروط حتى الآن، لا يوجد أفق واضح لتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني في الأشهر القليلة المقبلة، ويجب أن نرى في الأشهر المقبلة ما هي التنازلات التي سيكون مسؤولو البيت الأبيض على استعداد لتقديمها للقادة السعوديين، حتى تتمكن الولايات المتحدة أخيرًا من إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين السعودية والكيان الصهيوني.

المشكلة الأخرى تتعلق بالكيان الصهيوني. ففي الأشهر القليلة الماضية، زادت الحكومة اليمينية المتطرفة في الكيان الصهيوني من حدة التوتر مع الفلسطينيين، واتخذت مقاربةً عنصريةً تجاه القضية الفلسطينية. كما زادت التصريحات الحادة لمسؤولين مثل بن غفير وسموتريتش من نار هذا التوتر، بل تسببت في رد فعل واسع من الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الدول العربية في المنطقة.

بينما تدعي السعودية أنها زعيمة أهل السنة في العالم الإسلامي، فكيف توافق على التطبيع مع الكيان الصهيوني دون النظر في هذه الظروف والوضع الداخلي في الأراضي المحتلة؟

لذلك، أكدت السلطات السعودية في الأشهر القليلة الماضية للسلطات الصهيونية، أن أحد معوقات التطبيع هو القضية الفلسطينية. وفي الواقع، فإن أهم شرط للسعودية للتطبيع مع الكيان الصهيوني هو حل القضية الفلسطينية، وهو وضع لا يبدو أنه ممكن في أي وقت قريب بالنظر إلى طبيعة حكومة الكيان الصهيوني.

كما يظهر استطلاع الرأي العام المحلي في السعودية، أنه حتى المواطنين السعوديين يعارضون تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر