أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور*

 

 يُقال بأن الفيلسوف سقراط كتب ذات مرة في إحدى تجلياته الفلسفية العميقة (بأن العقول القوية تناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث، والعقول الضعيفة تناقش الأشخاص)، ولأن أرض اليمن في قديم الزمان وحتى يومنا هذا، هي أرض العجائب الفلسفية والأفكار العظيمة، وحتى أن الرسالات السماوية الإبراهيمية أشارت في كثير من كتبها المقدسة وسورها وآياتها إلى أن أرض اليمن العظيم بأنها أرض المعجزات الخارقة، والأساطير الخالدة.

ولو أخذنا لمحة موجزة عن تاريخ الأمة اليمنية بعظمتها وجبروتها ومنجزاتها الأسطورية (المكتشفة) لوقف الباحث عن الحقائق العلمية التاريخية منبهراً، معجباً ومفتوناً بذلك الإرث الذي خلَّفه الأجداد بما يسمى في اضابير التاريخ بالحضارة الإنسانية اليمنية.

للأسف أن الغالبية الساحقة من اليمنيين لا يعيرون ذلك الإرث التاريخي العظيم جزءً من اهتمامهم ولا قراءتهم ولا حتى في يومياتهم الحياتية، عدى تمرير تلك الجواهر الثمينة في أحاديث سطحية وجلسات (القات) العابرة كمضيعة للوقت ليس إلاّ.

لو نتذكر فحسب وبرصد سريع بأن اليمانيون قد ضاهوا جميع الحضارات الإنسانية الإغريقية، والبابلية والسورية الكبرى والمسماة بـ(السومرية) والمصرية وزادوا فوقها اضعاف اضعاف المنجزات.

 لقد خط اليمانيون العظماء تاريخهم بحروفهم اليمنية الخاصة، بخط المسند وبأرقام تاريخهم الخاص، وأثبتوا أن تاريخ الحضارة الحميرية قد بدأت قبل تاريخ ميلاد النبي عيسى ابن مريم عليه السلام “ق.م” بأزيد من 100 عام، من يتصور ذلك؟! في هذا العالم الظالم الموحش بأن أجدادنا اليمانيون العظماء قد سطروا تاريخهم الحضاري قبل ميلاد المسيح عليه السلام.

 وبالمناسبة هنا وما يجب ذكره والتفاخر به والاعتزاز به، بأن الكتاب المقدس التوراة وهو ما يسمى بـ(العهد القديم) كُتِب بالخط والحَرفْ اليمني السبئي الصنعاني الأول، هيا تصوروا معي ذلك التاريخ الشامخ (لأبو يمن)، متى كان ذلك التاريخ في نزول الكتاب السماوي المقدس من عند ربنا سبحانه وتعالى، والمنزل على النبي موسى عليه السلام، تخيَّلوا معي ذلك الزمان وذلك الخط وذلك الانجاز الحضاري الهام!!!.

 يتعمَّد جيراننا العرب من عُربان الجزيرة على تجاهل كل تلك المنجزات التاريخية العظيمة التي تحدثت عنها النقوش والهياكل والمباني والآثار التي تزخر بها الأرض اليمنية، ومن باب (الحسد أو الحقد) تركونا في دوامة من الصراع الداخلي والغزو الخارجي والإفقار حد الإملاق، لأنهم يقرؤون التاريخ أفضل مِنَّا، ويعرفون حق المعرفة بأن أي استقرار سياسي وأمني واجتماعي يعيشه اليمانيون ستكون آثاره ايجابية على اليمن وعلى العرب جميعاً، بل وحتى على عالمنا الإسلامي، شريطة تحرّر القرار الداخلي.

 وقضية انطلاق الحضارات اليمنية وتزامنها التدريجي مع انجاز المنجزات الخالدة، تظهر واحدية التراب والتضاريس اليمنية مُنذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، وأن جميع الرسالات السماوي لها صِلة من قريب أو بعيد بالتراب اليمني الطاهر.

 لنعود قليلاً إلى التوصيف أو لنقل التشخيص النفسي الدقيق لأنواع العقول البشرية التي يفترض أن تدير الأمور والسياسات والاستراتيجيات بشيء من المسؤولية العالية والحكمة الرصينة كما شخَّصها (الفيلسوف سقراط، فيلسوف الإغريق العظيم)، حينما قال مقولته المشهورة “بأن العقول القوية تناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث، والعقول الضعيفة تناقش الأشخاص”، قال مقولته العظيمة قبل أزيد من (400 عام ق. م.)، تصوروا ذلك الفيلسوف وكأنه يُشخِّص واقعنا اليوم في اليمن العظيم، كيف يمكن للمشاهد اليمني والعربي الفطن أن يعيد تكرار الأحداث والمواقف لعدد من السياسيين اليمنيين في المشهد الحالي.

 لنأخذ المشهد السياسي اليمني كحالة تشخيص إنسانية ونُقسِّم السياسيين في الوطن وفقاً للمعطيات السياسية والفكرية والثقافية اليمنية وتحديدا بعد تسع سنوات من العُدوان السعودي – الإماراتي – الأمريكي – الصهيوني.

 

المجموعة السياسية الأولى:

 القوة السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية الصامدة المقاومة في صنعاء بقيادة قائد الثورة الحبيب/ عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، وفخامة الرئيس/ مهدي محمد المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، ونائبه المجاهد الشيخ/ صادق بن أمين أبو راس نائب رئيس المجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية / صنعاء، قد اعتمدت هذه القوة السياسية في تشخيص الواقع والوضع على معطى (الأفكار)، بأن الشعب اليمني هو شعباً واحداً، ولديه كرامة وعِزَّه وصبراً قوياً في التحمل، وتاريخ شعبي طويل لمقاومة الغزو الخارجي مُنذ الغزو الروماني قبل الميلاد، وبعده الغزوات الخارجية مثل الحبشية والبرتغالية، ونسبياً التركية، والبريطانية، ولهذا قيل في التاريخ بأن اليمن “مقبرة الغُزاة”، وتم استخلاص الدرس بشكلٍ جيد بأن الانتصار سيكون حليفاً للشعب اليمني، ولهذا تحقق النصر للشعب اليمني بهزيمة دول العُدوان على اليمن.

 

المجموعة السياسية الثانية:

وهي القوة السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية، التي سمَّت ذاتها بالقوة السياسية بـ(الشرعية ) التي اعتمدت على تشخيص الوضع الأمني والعسكري وحتى الإنساني على مُعطى وحيد وهي (الأحداث)، وكانت تعتقد بأن اعتمادها على الحشود العسكرية الخارجية من عساكر وجيوش وأسلحة وأموال المملكة العربية السعودية ومشيخة الإمارات العربية المتحدة وبحِلفٍ عربي وإسلامي مُكوَّن من 17 دولة، وبدعم سياسي وخبراء عسكريون ودبلوماسيون أمريكي وغربي من حِلف تحالُف شمال الأطلسي “الناتو”، مع مجاميع يمنية عسكرية وأمنية وسياسية خدموا حِلف العُدوان، وعملوا معهم كمرتزقة مأجورين في جميع الجوانب حتى وصل البعض منهم أن يعمل كدوبي أو لاوندري Laundry (يغسل ثياب جنود الاحتلال المعتدين على بلدهم اليمن العظيم)، هؤلاء السياسيين اليمنيين الذين اعتقدوا أن جلب المرتزقة من الجنجويد السودانيين ومرتزقة البلاك ووتر الأمريكية وعدد من الشركات الصهيونية غير المعلن عنها، كلها ستكون عوامل نجاح انتصارها وهزيمة خصومها، لكن الواقع في الميدان قال غير ذلك وهُزمت الأحزاب والدول المعتدية الشريكة في جريمة حرب العُدوان على الشعب اليمني العظيم.

 

المجموعة السياسية الثالثة:

 وهي القوة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي سمَّت ذاتها بـ(المجلس الانتقالي) التابع لمشيخة الإمارات العربية المتحدة، والتي تماهت وقَبِلت بأن تكون أداة طيعة و(مخلب قط مسموم) تحت إمرة مشيخة الإمارات العربية المتحدة للتآمر على تقسيم اليمن وتجزئته، هؤلاء السياسيين قَبِلوا أن يكونوا تابعين لظل شيوخ الإمارات وكبيرهم الشيخ المتصهين/ محمد بن زايد آل نهيان رئيس مشيخة الإمارات الذي تبنى سياسة اقتطاع جزء من الأراضي اليمنية المقدسة كمستعمرات (لهو وفجور وفواحش) في الجزر اليمنية، وفي أطراف سواحلها وعمق موانئها الدافئ، وصنع من قيادات المجلس الانتقالي أشبه بدُمى كرتونية ومرتزقة رُخاص وبأقل الأثمان والأسعار، ووظفهم معه ليكونوا أبواق إعلامية هزيلة تُشرِّع وتُروِّج لقيام دولة انفصالية في جنوب اليمن، لم يقرأوا التاريخ، ولن يفهموا منْطِقه، واعتقدوا أن الترويج الإعلامي بأن الشعب اليمني لم يكن موحداً وخلافه من ترهات مزيفي التاريخ، ولتذكيرهم فحسب بأن مرحلة الحُكم التركي على اليمن شهد وحدة من نوع السيطرة الموحدة على اليمن، كل اليمن وأن الصراع قد نشب بين الاحتلال البريطاني و(الاحتلال) التركي حينما تقاتلا حددا خط الهُدنة بينهم في عام 1914م، ولولا هزيمة الامبراطورية التركية مع حلفائها في الحرب العالمية الأولى لأستمر خط الهُدنة حتى يومنا هذا، هؤلاء المتطاولين المأجورين على التاريخ اليمني سيخضعون اليوم أو غذاً لمحاكم الضمير الشعبي الإنساني اليمني، لأنهم تجاوزوا بسلوكهم الشاذ منطق السياسة ومُعطى التاريخ، وعُمق التلاحم الأخوي بين اليمنين، هؤلاء في التحليل الأخير ينطبق عليهم التشخيص النفسي الفلسفي بأنهم ضُعاف عقول ويناقشون (الأشخاص)، أي أشخاص أسيادهم من شيوخ الأَعْرَاب في مجلس التعاون الخليجي، التي ذكرته الآية الكريمة بسم الله الرحيم (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) صدق الله العظيم.

 

الخلاصة:

هناك مسيرة طويلة للقادة اليمانيون العظام الذين سطروا ملاحم بطولية خارقة للانتماء إلى اليمن العظيم ورفضوا أن يضعوا أيديهم في أيادي الغزاة والمحتلين الأجانب الطامعين في الأرض اليمنية والإنسان اليمني، ومن اشتغل بتكتيك سياسي لدحر عدو بيّن ليستفيد من حليف وصديق واضح لا ضير في ذلك، كما عمل القائد اليماني الحِمْيَري البطل/ سيف بن ذي يزن، وبحكمته ودهائه استطاع أن يدحر الغزاة الأحباش، ويتحالف مع الفرس الذين ناصروه بصدق وإيمان، وسيستمر سجل بطولات الخالدين مفتوح إلى يوم الدين لِمَن نصر وطنه وقاوم الأعداء في كل زمان ومكان، أما خونة اليمن فالسجل الأسود مفتوح لهم لرصد خيانتهم وعمالتهم وارتزاقهم للقوى الخارجية الطامعة لماضي وحاضر ومستقبل اليمن العظيم.

 ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

  • رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني / صنعاء