السياسية – مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي*

 

“الوحدة اليمنية دائماً وأبداً قضية اليمن الأولى ومُعضلته الكبرى، وعبر التاريخ كانت تُشكّل عاطفة وجدانية محفورة في ضمير كل اليمنيين، وكانت القوى السياسية والوطنية تستمدّ شرعيتها من تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها”.

هكذا يرى الرئيس الخالد الذكر الشهيد “صالح الصماد” الوحدة اليمنية، حُلمنا الباقي والمتجدد، المحفور في وجدان كل اليمنيين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم، وأحد أهم الأهداف السامية والثوابت المقدسة غير القابلة للمساومة والمتاجرة عبر مراحل التاريخ المختلفة من كل القوى اليمنية الحية والحرة.

الشهيد “الصماد” أشار إلى جُزئية في غاية الأهمية، هي استمداد القوى السياسية والوطنية الحرة شرعيتها من “تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها”، ومن يُعاكس هذه الحقيقة، ويضع بيضه في سلال المستعمرين، ويعمل على تقويض أحلام أبناء بلاده في التوحد فمآله الزوال والتلاشي والضعف والهوان.

صحيح أن الحكم في بعض الفترات التاريخية كان مُقسماً بين أكثر من دويلة يمنية، لكنها لم تنجح في إرساء أي شكل من أشكال الانفصال، لأن الوحدة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية كانت أقوى وأكثر صلابة من النزعات الانفصالية الشاذّة والغريبة على اليمن وشعبه الواحد الموحد منذ فجر التاريخ في مساره ومصيره، وهذه واحدة من الحقائق المهمة التي عملت القوى الاستعمارية المختلفة على تذويبها، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، ما جعلها تتجه إلى وضع المعرقلات واختلاق المعضلات أمام الدول اليمنية الموحدة بهدف إغراقها في مستنقع الصراعات والحروب البينية، وكبح جماح جهودها الوحدوية، وإبقاء اليمن ضعيفاً، ومُجزئاً، ومُفتّتاً، ومُقسّماً.

وصحيحٌ أيضاً أن قضية الوحدة قد وُضِعت على بساط البحث في مراكز نضال الشعب اليمني، في كل مراحل تاريخه المليئة بالصراعات من أجل الوحدة، لكن هذا لا يعنِ عدم وجود قوى ذات نزعات انفصالية ضيقة الأفق، اتسعت في كل مراحل التاريخ اليمني، لتسير عكس تيار الوحدة تبعاً للعلاقة “البندولية”، تمدداً وانكماشاً، بين الثقافة المحلية والثقافة الوطنية، والهويات المحلية والهوية الوطنية، والصراعات المحلية ومكانة الدولة المركزية من حيث الضعف والقوة، والاستعمار والوحدة اليمنية.

ولم تكن قوى الاستعمار المختلفة بعيدة عن تغذية وغرس نزعات التشظّي والتشطير، وتقوية التوجهات والأفكار والأطروحات “الشوفينية” المغايرة لاتجاه حركة التاريخ الوحدوي اليمني، وتجذيرها، بهدف تمرير أجندتها الاستعمارية، وعلى رأسها إحكام السيطرة على باب المندب الذي يُمثل المفتاح السحري للتحكّم في التجارة البحرية بين الشرق والغرب، والتحكّم في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وجزيرة العرب، وهذه واحدةٌ من اللعنات التي جعلت اليمن منصعاً للقوى الاستعمارية منذ العام 70 قبل ميلاد المسيح عليه السلام، بدءاً بالرومان والفرس، ومروراً بالفرس والأحباش، ووصولاً إلى البريطانيين والعثمانيين، وانتهاءً بصبيان العاصفة العبرية.

ناهيك عن لعنة الثروات البكر التي تختزنها بلاد السعيدة، وهي الغاية الثانية للقوى الاستعمارية.

في هذه القراءة السريعة سنكتفي بالتوقف على أهم مُدخلات الاستعمار “البريطاني – العثماني” ومُخرجات الاحتلال “السعودي – الإماراتي”.

ومن المفارقات العجيبة هنا أن الاستعمار “السعودي – الإماراتي”، من صنيعة الاستعمار “البريطاني”، ومخرجاته مجرد استنساخ شائه لمدخلات الأب البريطاني غير الشرعي لهم وللصهاينة، والمفارقة الثانية عمل صبيان العاصفة لذات الأهداف وهي خدمة الصهيونية العالمية الطامحة إلى خلق بحر أحمر عبريّ الهوى والهوية وبسط السيطرة على مدخله الجنوبي لاعتقاد كيانيّ الاحتلال “الصهيو – سعودي” أن بقائهم الوجودي مرهونٌ ببقاء اليمن ضعيفاً مُجزئاً.

مداليل ذلك نجدها في وصية مؤسس الدولة السعودية الثالثة “عبدالعزيز بن سعود”، لأولاده وهو يحتضر، بعد أن أشار إلى موقع اليمن على الخريطة: “انتبهوا.. انتبهوا فمن هنا سيأتي هلاككم وزوال مُلككم، فلا تطمئنوا لهم وحاربوهم باستمرار وبكل الوسائل وفى كل الأوقات سلماً أو حرباً”، وكذا دعوة الصهيوني “بن غوريون” في مذكراته إلى ضرورة السيطرة على باب المندب، من أجل ضمان بقاء كيانه اللقيط في قلب الأمة العربية “فلسطين المحتلة”.

وكليهما استخدما نفس السياسة والأدوات لإجهاض حُلم الوحدة اليمنية، بما في ذلك إعمال سياسة “فرّق تسُد”، وتقوية النزعات والكيانات والهيئات الانفصالية، وتغذية العصبيات المناطقية، وإحياء العنصريات والتعصبات الجاهلية، وضرب النسيج الاجتماعي.

التآمر الاستعماري “البريطاني – العثماني”:

احتل الانجليز مدينة عدن في العام 1839 م بتواطؤ من العثمانيين، لإيقاف زحف “محمد علي باشا”، وبالتالي عودة العثمانيين إلى اليمن ثانية في العام 1849م، وفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات غرس مفاهيم التقسيم الجغرافي والسياسي لأول مرة في تاريخ اليمن الواحد، وإن اختلفت الأهداف.

تزامن الدخول العثماني الأول إلى اليمن في العام 1535م، مع تفرّق أيادي سبأ، ومع ذلك فقد حرص العثمانيون على إبقاء اليمن تحت رايتهم موحداً باستثناء بعض المناطق، ليتم إخراجهم في العام 1636م تحت ضغط المقاومة الوطنية المستمدة قوتها من وحدتها الوطنية، بينما كان الدخول الثاني للعثمانيين في العام 1849م متزامناً مع التمدد الإنجليزي، في وقت كانت فيه اليمن قد وصلت ذروة الانقسام والتشرذم، لذا كان من الطبيعي أن تُسجل المقاومة الوطنية فشلاً ذريعاً، لأنها كانت في غياب الوحدة.

إخراج العثمانيين في المرة الأولى أعقبه قيام دولة يمنية موحدة هي الدولة القاسمية، لكنها لم تدم طويلاً بفعل الانقسام المزري بين حكامها في فترة ضعفها، والذي أغرى في نهاية المطاف الإنجليز والأتراك لاحتلال اليمن، وتوجههما منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى إنشاء كيانين جغرافيين وسياسيين عُرفا لاحقاً باليمن الشمالي والجنوبي، وتعميد هذا الانشطار بخط حدود النفوذ “البريطاني – العثماني” “1902 – 1904″، وتسجيله رسمياً في العام 1914 بتوقيعهما معاهدة ترسيم الحدود، وهي أول إقرار رسمي مُوثق لتقسيم اليمن سياسياً وجغرافياً، والإشارة الأولى لوجود شطرين منفصلين، رسمت الحدود بينهما دولتان دخيلتان على الشعب اليمني، وبهذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن الحديث عنوانها “التقسيم المصطنع من أجل تثبيت الاستعمار المستغل”.

ورغم ذلك بقي اليمن موحداً في علاقاته الاجتماعية والثقافية والنضالية ضد الاستعمار “الإنجليزي – العثماني”، الأمر الذي مكّنه من إجلاء العثمانيين في نهاية العام 1918، لكن عن جزء من اليمن، وبقي الجزء الآخر تحت الاستعمار الإنجليزي، وتسلّم “آل حميد الدين”، حكم المناطق الشمالية والغربية، بعد أن كانوا قد استطاعوا بفضل رفعهم شعار إعادة الوحدة اليمنية، طرد العثمانيين كمقدمة لتحرير الجنوب المحتل.

السياسة الإنجليزية المتدحرجة في المناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام اتسمت بالحرص الشديد على تعميق تمزيق الوحدة اليمنية، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، سيما بعد خروج العثمانيين من حلبة الصراع، وتقاسم اليمن بين ثلاث سلطات لثلاثة أجزاء هي: الانجليز والأدارسة والأئمة.

في حين كانت عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ العام 1839 بدءاً بفرّق تسُد، ومروراً بمعاهدات واتفاقيات الحماية، وانتهاءً بالتقدم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، كمُعطى فرضته مُقتضيات التجزئة ومُتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني، الواصلة ذروتها في العام 1959 بإنشاء اتحاد الجنوب العربي، باعتباره أخر رهانات الاستعمار لتمديد سيطرته السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة، وقريبٌ من ذلك ما تعمل عليه قوى الاحتلال “السعودي – الإماراتي” اليوم في تقوية القوى اليمنية ذات النزعات الانفصالية.

هذا التوجه الجهنمي نتاج طبيعي للعمل الاستعماري الدؤوب والممنهج، المستمر منذ العام 1934 لسلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن عن هويتها التاريخية والجغرافية عبر تغليب الثقافات والهويات المحلية وتغذية النزعات الانفصالية، لضمان طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتعميق التناقضات الداخلية، وإسكات الصوت الوحدوي اليمني.

ولهذا الغرض القذر تم إيفاد “وليم هارولد إنجرامز” “1897 – 1973” الضابط السياسي الإنجليزي الشهير بذكائه ودهائه، ومهندس معاهدة الصداقة “الإنجليزية – المتوكلية”، وأحد أخطر مُنظري التجزئة، والمسئول الأول عن المفاوضات حول الحدود مع الأئمة وتنفيذ سياسة التقدم نحو الأمام.

حرص منذ وصوله إلى عدن عام 1934 على تأليف عدة كتب عن اليمن، الغرض الأساسي منها سلخ حضرموت وشبوة عن اليمن، وحصر مصطلح اليمن على الأجزاء الواقعة تحت نفوذ الأئمة فقط، فيما أعاد الأجزاء الجنوبية والشرقية الأخرى إلى ما أسماه بالجنوب العربي، مُدعياً بأنه استخدم هذا المصطلح كما استخدمه الجغرافيون والمؤرخون العرب لتمييز تلك المناطق عن اليمن، في وقت كان الانجليز يطمحون إلى خلق دولة بالجنوب اليمني على النمط الغربي وتحويل عدن إلى قاعدة لإطلاق ما أسموه “العالم الحر”.

يأتي هذا بعد فشل السياسات الاستعمارية المُتبعة قبل العام 1934، وإدراكهم خطورة تنامي الوعي الوطني اليمني على مخططاتهم البعيدة المدى، وبالتالي تطلب المرحلة ضرورة دق إسفين التجزئة وإشاعة التمايز التاريخي والاجتماعي والجغرافي والثقافي بين أبناء الشعب الواحد في خطوة مكشوفة لإحباط أحلام إعادة التحام الجسد اليمني.

ويكفينا للدلالة على هذا التوجه الخطير الوقوف عند مقولة “انجرامز” في كتابه “اليمن: الأئمة والحكام والثورات” صفحة 45 – 47:

“لقد وصفت اليمن ككيان طبيعي ضمن العالم العربي على الرغم من عدم اندماجها في كيان سياسي متحد.. إنها إقليم عربي مُعترف به تاريخياً وجغرافياً، وأولئك الذين يعيشون فيه أصبحوا يحملون في أعماقهم شعوراً مناطقياً مشتركاً.. إنه لم يكن لهذا الكيان على الإطلاق صفة الأمة الموحدة، بالمعنى الذي يفهمه الأوربيون من كلمة الأمة، فلم يحدث أبداً أن اعتبر اليمنيون أنفسهم بهذا المعنى حتى الوقت الحاضر.. إن العرب واليمنيون جزء أصيل منهم ميالون بطبعهم إلى الاختلاف والفُرقة والتنافس على السلطة، لذا فهم فرديون وأصحاب طفرات وفورات مفاجئة، ومفهومهم للوحدة ليس إلا فكرة غامضة وصوفية يمكن أن تتغلب عليها المغريات المادية..”

مع إطلالة العام 1952 بدأ الانجليز بترجمة سياستهم الجديدة عبر الترويج لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري القائم في الإمارات ومستعمرة عدن، وتوحيدها في دولة جديدة تُسمى “دولة الجنوب العربي الاتحادية”، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد.

وفي العام 1954 قدموا وجهة نظرهم بشأن الاتحاد الفيدرالي وإدارته المكونة من:

1 – المندوب السامي، تكون له رئاسة الاتحاد والصلاحيات المطلقة في إدارة ملف العلاقات الخارجية والقرار الأول في حالة الطوارئ.

2 – مجلس رؤساء يضم رؤساء البلاد الداخلية في الاتحاد.

3 – مجلس تنفيذي وآخر تشريعي.

وفي 19 فبراير 1959 أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي بالتوازي مع إعلان الإمام “أحمد حميد الدين” الانضمام للجمهورية العربية المتحدة، وهو ما جعل الجامعة العربية تنتقد اتحاد الجنوب بشدة مُحذرة من خطورته في ترسيخ التجزئة.

مصطلح دولة الجنوب العربي يظل في حقيقته مصطلح جهوي مزيف ومجافي للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لذا لم يشذّ عن مخططات تدجين الهوية الوطنية وإعلاء الهوية المحلية المصطنعة، وتعميق الهوة بين أبناء هذه المناطق وبين هويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية، والتي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة على أمل الحلول مكان الاستعمار بعد رحيله لتنفيذ مخططاته.

والحقيقة أن الاستعمار وجد حينها أن قوة وجوده واستمراره ومقومات أمانه متوقفة على التجزئة، لأنها ستبقى إذا اُضّطر للرحيل، تماماً كما يعمل اليوم الاستعمار “السعودي – الإماراتي”، ما نجد دلالته في قراءة “انجرامز” لمستقبل اليمن بعد زوال الوجود المصري والبريطاني:

“سيبقى – اليمن – على عادته القديمة في الانقسام، لأن طبيعة الأثرة والفردية عند العرب كفيلة بذلك، ولأن لهفتهم للفوز بالمغانم المادية.. ستقودهم حتماً بعيداً عن التسامي الروحي.. ومعنى ذلك أن التحديث سيأخذ مدى أبعد، لكن دون أن يكون هناك اتجاه أكثر من وحدة متماسكة إلا إذا كان نكاية في حكم مكروه من الشعب أو استجابة لبريق فكرة جديدة، وإذا ولدت هذه الوحدة فلا شك أنها ستدفع اليمنيين إلى الأمام ولكن لا بُد أنه سيمر وقت طويل قبل أن يمكن لأي أفكار جديدة أو وعي اجتماعي عميق أن يتغلب على تلك الأفكار القديمة”.

التآمر الاستعماري السعودي:

لأكثر من 100 عام والنظام السعودي يعمل بلا كلل ولا ملل على إجهاض جهود الوحدة اليمنية، وإبقاء اليمن مُقسماً وضعيفاً، وتحويله إلى مجرد حديقة خلفية، خوفاً على مملكتهم من التلاشي والزوال.

وتنتاب النظام السعودي مخاوف مُزمنة من قدرة الشعب اليمن وقوته في حال توحده وتمكنه من استعادة أراضيه السليبة في المخلاف السليماني، لذا كانت الوحدة على الدوام تُشكّل خطراً داهماً على هيمنة، ناهيك عن طمعه في ثروات اليمن وأرضه، وإيجاد منفذاً له على البحر العربي، بالإضافة إلى التخوف من التقارب الأيديولوجي بين القوميين في صنعاء واليساريين في عدن خلال فترة حكم الرئيس الشهيد “إبراهيم الحمدي”، وما يترتب على ذلك التقارب في حال انجاز حلم الوحدة من تهاوي الأنظمة الرجعية في الخليج، واستبدالها بأنظمة اشتراكية تقدمية.

بعد فشل الصراع “السعودي – المصري” في اليمن عقب ثورة 26 سبتمبر1962، وانتهاء ذلك الصراع بتصالح الجمهوريين والملكيين، تحول التدخل والعداء السعودي في اليمن من الطابع العسكري، إلى الطابع الاستخباراتي التآمري، فعملوا على تغذية وتمويل وتأجيج الصراعات والحروب بين شطريه، وتأزيم العلاقات “اليمنية – اليمنية”.

وتصدروا قائمة المعارضين الإقليميين للوحدة اليمنية منذ المصالحة الوطنية في شمال اليمن، والمصالحة القومية في الخرطوم، وعملوا على وأد أي تقارب بين الطرفين يُؤدي إلى التسريع بتحقيق الوحدة، وتعميق الخصومة والقطيعة بين أبناء الوطن الواحد، واحتضنوا قوى المعارضة اليمنية من شماليين وجنوبيين.

وبدأ اعتراض النظام السعودي بصورة واضحة وصريحة على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية منذ اتفاقية القاهرة الوحدوية في 28 أكتوبر 1972، واستمر حتى حرب صيف 1994، ومارس كل الأساليب القذرة لإحباط واجهاض جهود التوحد، من ذلك:

1 – اغتيال وتصفية الرؤساء اليمنيين، منهم:

أ – الرئيس “إبراهيم الحمدي” في 11 أكتوبر 1977 بعد اتفاقه مع الرئيس “سالم ربيع علي” ” سالمين” على إعلان الوحدة اليمنية في 14 أكتوبر 1977 من مدينة عدن، ليكون هذا الحدث التاريخي متزامناً مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر، لذا قرروا التخلص منه قبل يوم واحد فقط من زيارته المقررة لعدن.

استبقوا ذلك بعدة محاولات للانقلاب عليه في 13 يوليو 1975 و16 أغسطس 1975 و20 فبراير 1976 ويوليو، وعندما عجزوا قتلوه بدم بارد.

ب – الغشمي، رغم مشاركته في تصفية الحمدي، لكن ذلك لم يشفع له لدى السعوديين فقرروا التخلص منه في العام 1978.

ج – سالم ربيع، تم إعدامه في العام 1978.

2 – ممارسة كل أنواع الضغوطات لإقالة رؤساء الوزراء كما جرى مع “محسن العيني” بعد أن عجزوا عن ترويضه، وأحياناً فرض رؤساء وزراء موالين كما جرى مع “حسن العمري”.

3 – تجنيد العديد من القادة والمشيخات القبلية عملاء ومخبرين، أمثال: “عبدالله الأصنج” و”عبدالله بن حسين الأحمر”، وكانا أكثر عدائية للوحدة، من ذلك استخدام “الأحمر” في المفاوضات الوحدوية خلال الفترة “1979 – 1990” للتأثير على قرارات شمال اليمن حينها بشأن الوحدة في كل جلسات المفاوضات، وعدم تنفيذ اتفاقيات الوحدة التي وقعها مع اليمن الجنوبي.

كما استخدموا عملائهم لإشعال حرب الجبهة في المناطق الوسطى، وحرب الحدود بين الشطرين عدة مرات.

4 – الإغراءات المالية:

إرسال السعودية في العام 1989 وزير ماليتها “محمد أبا الخيل” إلى عدن، ليعرض على قيادتها مساعدات مالية بقيمة 17 مليار دولار مقابل التخلِّي عن اتفاقية الوحدة.

5 – الضغط الاقتصادي:

في العام 1990 استغل النظام السعودي حرب الخليج الثانية، فقام بطرد 2 مليون يمني من الأراضي السعودية، بهدف الإنهاك الاقتصادي لدولة الوحدة الوليدة.

6 – إفراغ الوحدة اليمنية من محتواها وجعلها بدون قيمة تُذكر، بعد موافقة نظام “علي عبدالله صالح” على ترسيم الحدود عام 2000 “اتفاقية جدة”، تاركاً لهم عسير وجيزان ونجران اليمنية.

7 – اقتطاع الأراضي اليمنية:

بعد العدوان “السعودي – الإماراتي”، وتقاسم قواه النفوذ والثروة في المناطق اليمنية المحتلة، دفعت السعودية بقواتها إلى محافظتي المهرة وحضرموت، واقتطعت مساحات واسعة من الأراضي اليمنية تُقدر بـ 45 ألف كيلو متر مربع من صحراء حضرموت، وأزالت مراسم الحدود، بهدف الاقتراب من البحر العربي، وفصل حضرموت والمهرة عن اليمن، مقابل تمدد الإمارات في “سقطرى” و”شبوة”.

ولم تكتفِ الرياض بذلك، بل وعملت على تعميق الهوة بين الشمال والجنوب، وليس آخرها تجاهل بيان القمة العربية المنعقدة في مدينة جدة السعودية في 19 مايو 2023 ذكر الوحدة اليمنية لأول مرة في تاريخ القمم العربية، في مؤامرة واضحة وفاضحة لعمل تحالف العاصفة على تشطير اليمن وإعادته إلى ما كان عليه قبل العام 1990.

ويذكر الكاتب اليمني “عبدالسلام قائد” في مقالٍ له بعنوان “العداء الأجنبي للوحدة اليمنية الجذور والدوافع”، نُشر بتاريخ 17 مايو 2022، عدة شواهد حية على العمل السعودي السافر لتقسيم اليمن، من ذلك:

1- تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لاتفاقية تمديد فترة الإيداع للوديعة السعودية لليمن التي سبق تقديمها في العام 2018 لدى البنك المركزي اليمني بعدن، وفيها تظهر لافتة كُتب عليها اسم شمال اليمن قبل الوحدة “الجمهورية العربية اليمنية”، ويظهر في الصورة طرفا التوقيع.

2 – تداول ناشطون صور وثائق سعودية لمُقيمين يمنيين في المملكة كُتبت فيها هوياتهم بمسميات انفصالية أو هوياتية صغيرة، مثل: يمني شمالي، يمني جنوبي، حضرمي، وغير ذلك من المسميات.

وتهدف السعودية من هكذا تصرفات إلى جسّ نبض اليمنيين بشأن الوحدة والانفصال واستفزازهم، ليكون أمر فصل الجنوب عن الشمال سهلاً عليهم في حال صدرت التوجيهات الصهيونية للرياض وأبو ظبي بإصدار القرار.

وختموا ذلك بتصفية قائمة طويلة من الشخصيات الوطنية ذات النفس الوحدوي، على رأسهم الرئيس الشهيد “صالح الصماد”.

التآمر الاستعماري الإماراتي:

في منتصف ثمانينيات القرن العشرين دخلت الإمارات على الخط معززة بطموحات “التعملق” الإقليمي من البوابة اليمنية، ثم أتت ما تُسمى بعاصفة الحزم ليجمع صبيان بريطانيا معاول الهدم في اليمن، ويمزقوا جسده الضعيف بسهام حقدهم الدفين.

الإمارات وجدت في اليمن “بساط علي بابا” للسيطرة على موانئ القرن الأفريقي واليمن، والتموضع في جزر وسواحل تلك المنطقة المنكوبة من العالم بالحروب والصراعات والفقر وغياب الدولة المركزية القوية، والتحكم في قرارها، خدمة لأسيادهم في تل أبيب.

فأعادت ممارسة كل القذارات البريطانية في اليمن، بعد سيطرتها المباشرة وغير المباشرة على المواقع الحيوية والاستراتيجية، أغلبها ساحلية، كجزيرة سقطرى وميناء عدن، وجزيرة ميون، والتمدد في معظم الخطوط الجوية والقواعد والموانئ البحرية على طول السواحل الجنوبية والغربية.

وتعمل الإمارات بكل قوتها لمنع وجود يمن قوي، لأن ذلك يُشكل خطراً على مصالحها، ومصالح أولياء نعمتها في تل أبيب والبيت الأسود، كما تطمح في توسيع نفوذها الإقليمي عبر الممرات المائية، وبسط نفوذها على السواحل والموانئ والقنوات المائية الدولية.

وترى في انفصال جنوب اليمن بوابة السعد للتحكم والسيطرة والنفوذ، لذا كانت مواقفها منذ وقت مبكر ضد الوحدة اليمنية، ويتحدث الشيخ “عبدالله بن حسين الأحمر” في مذكراته، عن زيارة قام بها للإمارات أثناء حرب 94 ولقائه الشيخ “زايد” وموقف الأخير الرافض للوحدة.

ومن أهم فرشات العمل الميدانية لتجذير وتعميق الانقسام اليمني:

1 – تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي المعروف بنزعته الانفصالية، في 5 مايو 2017، ورعايته مالياً وعسكرياً وسياسياً.

2 – تشكيل ميليشيات يمنية ذات نفس ونزعة وعقيدة انفصالية تضم نحو 200 ألف مرتزق، منها:

أ – قوات الحزام الأمني بعدن – تضم نحو 30 ألف جندي.

ب – النخبة الحضرمية.

ج – النخبة الشبوانية.

د – النخبة المهرية.

هـ – النخبة السقطرية.

و – ميليشيات المقاومة الجنوبية.

ز – ميليشيات المقاومة التهامية.

3 – دعم واحتضان القوى التكفيرية السلفية أمثال كتائب “أبو العباس” في تعز، والسعي لإنشاء حزام أمني هناك، وجماعات “هاني بن بريك” في عدن.

4 – إنشاء قوات تابعة في الساحل الغربي، ومحاولة فصل المخا عن محافظة تعز.

5 – قيام مواليها في عدن ولحج بعمليات تهجير وترحيل واسعة للسكان من المحافظات الشمالية، في محاولة قذرة لتعميق الفجوة المجتمعية، وطالت تلك الإجراءات الإجرامية المسافرين في الضالع ومأرب وعدن.

6 – إطلاق دعاية إعلامية واسعة للترويج لانفصال الجنوب، وإنشاء قناتين فضائيتين تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

7 – أطلق العديد من مسؤوليها ومغرديها سلسلة من المواقف المؤيدة للانفصال.

المراجع:

1 – زيد المحبشي، الوحدة اليمنية.. القلب ينبض جنوباً، قراءات، 20 مايو 2010.

2 – د. رفعت سيد أحمد، حقائق تاريخية هامة عن العداء السعودي لليمن، تنوع نيوز، الحلقة الأولى، 12 نوفمبر 2021.

3 – محمد شرف، الوحدة اليمنية.. حلم اليمنيين الذي تصر الرياض وأبوظبي على اغتياله، صحيفة الثورة، 22 مايو 2022.

4 – مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر – صنعاء، الطبعة الثانية – 2008.

5 – جريدة الشرق، الإمارات تطلق قناتين تليفزيونيتين لدعم انفصال جنوب اليمن، 21 أبريل 2019.

6 – موقع صحيفة 26 سبتمبر، السعودية والامارات.. مؤامرات مستمرة ضد الوحدة اليمنية، 22 مايو 2022.

7 – موقع المجلس الزيدي الإسلامي، نص كلمة رئيس المجلس السياسي لأنصار الله “صالح الصماد”، بمناسبة الذكرى الـ 26 لعيد الوحدة، 22 مايو 2016.