عبدالعزيز الحزي*

شهر رمضان، هو شهر القرآن والعبادة والجهاد، لا شهر الكسل والخمول والأكل الشرب والمفاخرة في اعداد وجبات الطعام مما لذ وطاب ولقد فتح الله على هذه الأمة في الشهر المبارك فتوحات أرخها لنا المؤرخون.

لكننا هنا نتحدث عن جهادين وننظر كيف كان رفع الهمة في النفس ومجاهدة النفس على الصيام وقراءة القرآن والتهجد والقيام مما وردنا من أحوال آل البيت وصحابة رسول الله صل الله عليه وسلم، وتأثريها على نصر الأمة ورفع راية الإسلام.

وإن من أعظم الجهاد هو جهاد النفس، لحظها على الطاعات ولجمها عن المعاصي، فالنفس البشرية تكره مشقة الطاعة والصيام والجهاد، وتميل إلى الشهوات، وقد بين الله تعالى في كتابه الكريم أن النفس البشرية قد تكره بعض الطاعات التي فرضها الله، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .. البقرة (216).

مع أن القتال والجهاد أمر فرضه الله، فقد بين كره النفس للقتال، لميل النفس للراحة وبعض الأنفس تميل للكسل وعدم العمل، لذلك كان جهاد النفس أمرًا عظيم، وإذا ما استكانت النفس إلى بحثها عن الشهوات وبعدها عن الطاعات، أذلها الله لسعيها في غير طريق الحق، وإذا ما استكانت وعادت إلى طريق الحق أعزها الله بعزه ورفع من شأن صاحبها، ففي شهر رمضان عُرف عن آل البيت والصحابة زيادة الطاعات وكثرة التعبد، لما لرمضان من خصوصية وفرصة جعلها الله لعباده الصالحين.

وزيادة جميع أنواع الطاعات والعبادات في رمضان لأن من هديه صلى الله عليه وسلم – في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل – عليه الصلاة والسلام – يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف.

وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة فشهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]

وفتح الله على أمة الإسلام في شهرها الفضيل فتوحًات عظيمة، وأرغمت الأمة أنوف أعداءها في التراب، ونذكر من هذه الفتوح أشهرها:

1-غزوة بدر:

أول غزوة فاصلة بين المُسلمين والكفار، وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة، والتي قال فيها رسول الله صل الله عليه وسلم داعيًا الله: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض.” صحيح مسلم

2-فتح مكة:

الفتح العظيم، الذي مَن به الله على المُسلمين، والعزة الأخرى التي وقعت في شهر رمضان الفضيل، فتح مكة في العشرين من رمضان في العام الثامن من الهجرة، مع أن الصلح كان قائمًا بين رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقبيلة قريش، وشاء الله أن يُنقض الصلح (صلح الحديبية) بسبب اعتداء قريش على حلفاء في إغارتها على قبيلة خزاعة التي كانت حليفة للمسلمين أثناء الصلح.

3-فتح الأندلس:

من أعظم فتوحات المسلمين التي شهدها التاريخ، فتح أسس لحضارة عظيمة تشهد عليها قصور غرناطة وشهد بعظمة حضارة الأندلس الغرب قبل العرب، فتح وقع في عام 92هـ.

4-معركة عين جالوت:

أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وقعت المعركة في 25 رمضان 635 هجري، بقيادة سيف الدين قطز وركن الدين بيبرس، وحث من شيخ الإسلام وسلطان العلماء العز بن عبد السلام، والتي أسقط فيها المماليك طغيان المغول.

5 -معركة القادسية:

أهم المعارك لفتح العراق، ومن وراءها بلاد فارس، قامت المعركة بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص ومن جهة أخرى الإمبراطورية الفارسية بقيادة رستم فرخزاد، بتاريخ 15 رمضان.

6-موقعة حطين:

بتاريخ 26 من رمضان، بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وانتهت بفتح بيت المقدس وضمها لسلطة المسلمين، وكسر شوكة الصليبيين، وأعادت للأمة الإسلامية هيبتها

7-فتح عمورية:

فتحت عمورية في رمضان من العام 223 هجرية، على يد المسلمين بقيادة الخليفة العباسي المعتصم، وكان سبب الفتح امرأة صرخت “وا معتصماه”.

وغيرها الكثير من الفتوحات والمعارك والغزوات.

وأخيرا أخي المسلم أعمل على استغلال الفرصة في هذا الشهر الكريم المبارك، وارجع إلى الله ولا تيأس من روح الله، وأعلم أن الإنسان مهما بلغت ذنوبه، إن عاد وتاب، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين، فكن ممن يحبهم الله.