كيف تصبح المنظماتُ من وسائل الحرب الناعمة الخفية؟
أمة الملك الخاشب
تتعدَّدُ وتتنوَّعُ أساليبُ الحرب الناعمة، والتي تهدفُ جميعُها إلى غزو الشعوب، واحتلالها والسيطرة على أفكارها ومعتقداتها، وكلّ ذلك بالقوة الناعمة دون أن تطلق رصاصةً واحدة، وعلى ضوئه يصبحُ مفهومُ الحرب الناعمة في عمق جذور خلايا التفكير الأميركية والغربية على إثر المتغيرات في السياسات العسكرية والخارجية؛ فعندما تفشلُ الضغوطاتُ الدبلوماسية والمقاطعة الاقتصادية في تطويع إرادَة العدوّ، وتصل خيارات القوة العسكرية إلى وضع مسدود مثلما حصل عندنا في اليمن؛ فهنا يأتي التلويحُ والتهويلُ باستعمال القوة العسكرية، بالتزامن مع شن حملة تشهير دولية بالنظم المعادية وزعزعة عقائدها، وخلخلة ركائزها الفكرية والسياسية وإسقاط رموزها الدينية، وبلبلة أفكار جماهيرها، وبث برامج لتضليل الوعي وحرف المشاعر، وتسميم إيمان وثقة الجماهير بالقادة، وإرباك العدوّ بصراعات ونزاعات وأزمات داخلية بين أجنحته ورجالاته؛ بهَدفِ إنهاك قواه وأحداث حالة من التآكل والاهتراء الذاتي تمهد لإسقاطه، وهذا ما رأيناه في الجمهورية الإسلامية في إيران مؤخّراً من محاولات فاشلة وبائسة لخلخلة الوضع من الداخل، وكذلك نراه كُـلّ يوم في مجتمعنا اليمني وللأسف هناك من ينجر خلف تلك الهجمات ويسهم بطريقة أَو بأُخرى لإحداث تلك النتيجة التي يخطط لها العدوّ، وهذا لا يعني أني أدعو لوقف أي انتقاد صحي أَو بنّاء؛ بحجّـة أن من ينتقد ويساند في حملات تشويه قيادة الدولة هو في صف العدوان، للنقد الصحي أساليبه والوعي مهم جِـدًّا أن يترسخ في الناقد والمنقود، وهذا ليس موضوعنا؛ فالموضوعُ يحتاجُ لإسهاب أكثر، ولكن ما أردت أن أصل إليه هو القول بأن معركةَ الوعي هي من أهم المعارك التي نحتاجُ لرفع وتيرتها على أعلى مستوى؛ كي نواجِهَ هجماتِ العدوّ المختلفة على مختلف الأصعدة، سواء الناعمة أَو الخفية أَو النفسية، وأعود للحرب الناعمة؛ فبالطبع الكاتبُ الأمريكي جوزيف ناي لم يذكر كُـلّ شيء بالتفصيل في كتابه الشهير عن مفهوم الحرب الناعمة؛ فهو لم يتناول سوى أمور عامة لا يمكنها أن تضر بمصالح ومخطّطات بلده وفضح كُـلّ أساليبها في غزو الشعوب ومحاولة استهدافها؛ فهناك من أساليب الحرب الناعمة ما لم يتناولها الكاتب الأمريكي وتغاضى عنها عن قصد، فعلى سبيل المثال أغفل متعمداً ذكر التطبيقات السرية للقوة الناعمة في حالات الحرب والمواجهات العسكرية؛ لأَنَّ هذه المخطّطات ستبقى طــــي الكتمان في أروقة البنتاغون والمخابرات المركزية الأميركية ما دام أنها في صلب المواجهة الدائرة حَـاليًّا مع إيران وقوى المقاومة والممانعة في المنطقة ومنها اليمن وبالرغم من محاولته إخفاء هذه المخطّطات، لكنها أفلتت منه في ثنايا بعض النصوص والعبارات في مطاوي الكتاب.
ليست تلك الأسرار الوحيدة التي لم يكشفها جوزيف ناي، ولكن الأهم من هذا وذاك هو حقيقة الأهداف التي أنشئت لأجلها هيئات ومنظمات دولية وأممية، وانبثقت منها منظمات مجتمع مدنية محلية ظاهرها أنها مستقلة وباطنها لها أهداف خفية يتم تجنيد أعضائها سواء شعروا أم لم يشعروا لتحقيق أهداف ومخطّطات تندرج تحت أهداف القوة الناعمة، وهذا لا يعني أننا نوجه أصابع الاتّهام لكل المنظمات المحلية، فهناك منظمات مستقلة ولها أهداف راقية وسامية أنشئت وتأسست؛ مِن أجلِها ولكن القصد هنا على مجموعة معينة من المنظمات التي تعمل تحت اسم منظمات حقوقية وإنسانية ويتم تمويلها بمبالغ كبيرة جِـدًّا للعمل في أوساط المجتمع المستهدف لتحقيق ما عجزت عنه الحروب العسكرية والحصار الاقتصادي، فبلادنا اليمن على سبيل المثال بعد كُـلّ هذه السنوات من العدوان والحصار وبعد الصمود الأُسطوري والتكاتف الشعبي الكبير الذي حصل مع القيادة والذي لولاه لما استطاعت الجبهات أن تصمد يوماً واحدًا أَو أسبوعاً في مواجهة آلة الحرب الصهيونية الأمريكية التي كانت كفيلة بإسقاط أقوى الدول وفشلت أمام اليمنيين أهل الإيمَـان والحكمة؛ هذا ما جعل العدوّ يوجه كُـلّ أهدافه الخبيثة باستهداف هذا المجتمع المتماسك والذي قدم قوافل العطاء من دماء الشهداء ومن أموال ورجال وكلّ ما يمكن أن تجود به الأسّر اليمنية الكريمة والمعطاءة في سبيل نيل حرية واستقلال الوطن ونصرة القائد العلم الذي حمل على عاتقه مسؤولية كبيرة وهي إصلاح وتزكية النفوس وإعدادها إعدادًا إيمانيًّا هامًّا يليق بحجم المواجهة التي نخوض غمارها مع عدو لا يمل ولا يهدأ ولا يفتأ عن استهداف المجتمع وغزوه والعمل على تفكيكه من الداخل ونشر أنواع الرذيلة والفساد بطرق غير مباشرة ودون أن يشعر الشخص المستهدف أنه أصبح هدفاً سائغاً للعدو.
المنظمات في اليمن
منظمات كثيرة بالآلاف تعمل في اليمن وفي عدة مجالات منها دولية ومنها أممية ومنها غير منظمات مجتمع مدني ولكل منظمة أهداف ورؤية في مجال ما.
فكيف يمكن أن تتحول بعض المنظمات إلى أدَاة من أدوات الحرب الناعمة، خَاصَّة المنظمات التي تتلقى تمويلها من جهات أَو دول تنتهج النهج العدائي تجاه الإسلام والمسلمين بشكل عام كما وتنتهج في سياستها على استعباد الشعوب وإذلالها ونهب ثرواتها وإغراقها في الصراعات والحروب حتى يتسنى لهم هذا.
منظمات على سبيل المثال تتلقى تمويلها عن طريق برامج تابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وهذا ما تكرّر في سوريا والعراق وفي فلسطين -عن طريق تمويل منظمات في الضفة الغربية وغزة- للقيام بمشاريع غير حكومية للممول الأميركي تخفي في طياتها برامج سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية ضمن استراتيجيات الحرب الناعمة.
في اليمن وتحت شعار منح المساعدات الغذائية والتنموية لليمنيين تتخذ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «USAID» من هذه الشعارات طريقاً لاستهداف المجتمع من الداخل واستهداف الشباب بالدرجة الأولى؛ لأَنَّهم الفئة الأهم في المجتمع وهم من تبنى الأوطان على أكتافهم وبعقولهم وهم الأمل القادم بأن ينهضوا بهذا الوطن الجريح، قيادة الدولة في صنعاء حريصة جِـدًّا على القيام بدورها الرقابي وإيقاف كُـلّ المشاريع التي من شأنها أن تستهدفَ هُــوِيَّة المجتمع مهما كان ظاهرها معسولاً؛ ولهذا ومن باب الحرص على التنسيق التام بين الدولة والمنظمات تم إنشاء المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي بقرار جمهوري في العام 2019 وواحد من أهداف إنشائه هو الحد من نشاط المنظمات المشبوه الذي كانت تنفِّذَه بعيداً عن رقابة الدولة، حَيثُ كانت كُـلّ جهة تحمل الجهة الأُخرى المسؤولية في غياب الدول الرقابي.
المنظماتُ الأمميةُ سجلت موقفَها السلبي تجاه ما يتعرض له اليمنيون من عدوانٍ وحشي وحصار وجرائم ارتكبت بحقهم وأشلاء تناثرت هنا وهناك وصور إنسانية تم التقاطها وتوثيقها لتكون شاهدة على أن وجودهم في اليمن مَـا هو إلا لعمل استخباراتي خفي، وما حصل من قصف للسجون بعد زيارة لجنة من الصليب الأحمر في صعدة للسجن خير شاهد على الأجندة الخفية للمنظمات الدولية التي تتلقى تمويلها من الجهات المشاركة في العدوان على اليمن، والتي تشرف على نهب الثروات النفطية والبحرية اليمنية وسرقتها تحت مبرّر حماية ما يسمى الشرعية التي أصبحت مصطلحاً مقرفاً يقرفُ منه كُـلّ مواطن يسمعه في الشمال أَو في الجنوب، في اليمن وبالتحديد في الشمال أصبحت أنشطة المنظمات تخضع لرقابة أمنية كبيرة وإعادة توجيهها لما يخدم الاحتياجات الحقيقية في المرحلة الحالية، وهذا لا يعني أنه تم حصر كُـلّ المنظمات العاملة على استهداف المجتمع وتفكيك نسيج الأسرة اليمنية المجاهدة والصابرة والتي صمدت أمام العدوان فعمل المنظمات الخفي والمشبوه يتم تحت عدة مسميات وهناك للأسف من يقعون ضحايا في براثن هذه المنظمات ودون أن يشعروا؛ لأَنَّهم يغيرون المسميات والمصطلحات ويشجعون الأسرة على التفكك ويشجّعون المرأةَ على الانفتاح ويعملون على معرفة تفاصيل كثيرة وجمع بيانات تفصيلية عن عدد أفراد الأسرة مثلاً وعن الحالات الاجتماعية للأسرة وعن العلاقات الأسرية بين الأزواج وحتى يريدون معرفة كم عدد أبناء الأسرة الملتحقين بالجبهات مثلًا؟ ويعلمون على حرف أهداف الشباب وتمييعهم، ولكن هيهات لهم هذا فالمعركة مُستمرّة بيننا وبين العدوّ وإن توقفت الحرب العسكرية لكن الحروب الناعمة تبقى هي الأشد فتكاً بالشعوب، ومعركة الوعي هي الأهم وبتعاون وتظافر جهود جميع الجهات وبتنفيذ توجيهات القائد العلم، في الأخير سيخرجون من بلدنا وتستقل اليمن بقرارها وسيادتها ولن تحتاج لمنظمة ولا لمساعدة فهي البلد الطيبة ولديها الرب الغفور.
- صحيفة المسيرة
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع