علي ظـافر

 

خلال قرابة 5 أشهر من الهدنة واللاهدنة، والحرب واللاحرب، والأمل واليأس، والتفاؤل، والتفاؤل الحذر والتشاؤم، أعقبت انتهاء الهدنة في 2 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، لم تتوقف المناقشات الثنائية المتنقلة بين صنعاء ومسقط وعواصم العدوان، ومن دون نتيجة واضحة ومعلنة.

للوهلة الأولى، يبدو لمن يراقب سير المفاوضات أن لا جدية لدى دول العدوان في حلحلة الملفات الإنسانية، وأن صنعاء غير مستعدة لتقديم أي تنازل، وأن الاتفاق في هذه الحالة شبه مستحيل، وذلك ربما ما يفسر المخاض العسير لولادة أي اتفاق أو تفاهم على صيغة جديدة ومرضية لجميع الأطراف، وفي المقدمة الشعب اليمني.

وسط هذه الضبابية والغموض في الأفق السياسي وسير المفاوضات المكثفة، لاحت “بارقة أمل غير كافية”، على حد توصيف نائب وزير الخارجية حسين العزي، بسماح العدوان للسفن التجارية بالوصول المباشر إلى ميناء الحديدة بعد سنوات عدة من المنع.

واعتبر العزي أن ذلك “خطوة أولية في الاتجاه الصحيح، وأنها تحتاج إلى تعزيز وتوسيع عبر إلغاء الأونفيم”، وأضاف أن مثل تلك الخطوة “يعزز فرص السلام”.

فرص وتعقيدات

ثمة فرص كثيرة من شأنها أن تعزز السلام وتوصل المفاوضات السرية والمتعسرة إلى بر الأمان، وفي مقدمتها رفع الحصار عن ميناء الحديدة، وعن السفن النفطية والتجارية وسفن الحاويات، وإلغاء الحظر عما يقارب 470 صنفاً من السلع التجارية، إضافة إلى إعادة حركة المطار إلى ما كانت عليه قبل العدوان أو في أقل الأحوال توسيع الرحلات بما يستجيب للحاجة الإنسانية والتجارية لليمن، إضافة إلى صرف مرتبات الموظفين من عائدات النفط والغاز اليمنيَيَن، وإنجاح صفقة تبادل كبرى للأسرى من مختلف الأطراف، لكن تحالف العدوان لا يزال يناور ويلعب بالوقت كما يبدو.

ورغم التعقيدات في مسار المفاوضات المكثفة على مدى ما يقارب نصف عام، والتردد السعودي الواضح، فإن دبلوماسيين وسياسيين يُبدون تفاؤلاً حذراً في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع كثافة الحراك الدبلوماسي إلى سلطنة عمان، بل ذهب البعض إلى القول: “إن دبلوماسيي أميركا والسعودية والأمم المتحدة والسويد طاروا إلى سلطنة عمان الأسبوع المنصرم لوضع اللمسات الأخيرة على صيغة اتفاق ربما يعلن قريباً من دون الخوض في التفاصيل.

ويمكن قراءة ما شهدته سلطنة عمان هذا الأسبوع من حراك دبلوماسي نشط في أمرين.

– أن يكون تتويجاً للمناقشات الثنائية بين صنعاء والرياض بوساطة عمانية، وبالتالي جاءت لوضع المبعوث الأممي هانس غراندبرغ، والأميركي تيم ليندر كينغ، والمبعوث السويدي بيتر سيمبني، في صورة مسودات الاتفاق التي تم التوصل إليها خلال الأشهر الماضية.

– أن تكون السعودية، ومن ورائها أميركا، يكيلون الوعود ويبيعون الوهم لشراء المزيد من الوقت، سواء في الحراك الدبلوماسي المكثف أو في السماح بدخول السفن مباشرة إلى ميناء الحديدة من دون تفتيش.

مسودة اتفاق وقضايا خلافية

في كلا الحالتين، فإن صنعاء ترقب الأفعال لا الأقوال، وتتريث في اتخاذ القرار المناسب سلماً أو حرباً، مع أننا لمسنا من مصادر دبلوماسية على صلة بسير المفاوضات تفاؤلاً شديد الحذر.

وفي هذا الصدد، تقول المصادر: “تم صياغة مسودات للاتفاق تخضع لنقاشات وحوارات مكثفة تتسم إلى حد كبير بالجدية”، وترجع تأخر توقيع الاتفاق إلى أمرين؛ الأول أنَّ “هناك مساعي لربط الإنساني ببعض الترتيبات السياسية والعسكرية”، والآخر “أن السعودية تتردد وتحاول أن تقدم نفسها وسيطاً لا طرفاً في الاتفاق”.

وتؤكد المصادر أن “الوفد الوطني لا يزال متمسكاً بالاستحقاقات الإنسانية كبوابة عبور أساسية نحو أي خطوة أخرى، وفي أولوية ذلك صرف المرتبات ورفع الحصار عن موانئ الحديدة ومطار صنعاء الدولي من دون أي عراقيل وحل ملف الأسرى”.

في المقابل، فإن المقاربة الأميركية، كما يبدو، لم تتغير في الإصرار على ربط الإنساني بالسياسي. يتضح ذلك من خلال تصريح أدلى به الممثل الأممي هانس غراندبرغ (الذي يتبنى المقاربات الأميركية حرفياً) أثناء اختتام زيارته إلى مسقط، بقوله إنه ناقش مع المسؤولين العمانيين “سبل البناء على التهدئة الحالية وبدء عملية سياسية جامعة يملكها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة لإنهاء النزاع بشكل مستدام”.

من ناحية أخرى، فإن أي اتفاق يتم سيعلنه المبعوث الدولي هانس غراندبرغ على أساس أنه بين صنعاء ومرتزقة العدوان، وليس بين صنعاء والرياض، ويعزز ذلك زيارة المرتزق العليمي إلى أوروبا تحت عنوان المشاركة في مؤتمر ميونخ للأمن والسلام.

ثمة توقعات ضعيفة جداً بإعلان أمر ما خلال جلسة مجلس الأمن المرتقبة منتصف الشهر، لكن مصادر سياسية في صنعاء تستبعد ذلك، بالنظر إلى قضايا لم يتم حسمها بعد. وقد لا تسعف الفترة القصيرة فيما تبقى من أيام على جلسة مجلس الأمن لحسمها قريباً.

وسواء حصل اتفاق أو لم يحصل، فإن التهافت الدبلوماسي إلى مسقط تحديداً يمثل مكسباً سياسياً كبيراً يعكس نجاح المفاوض اليمني وصلابة القيادة والشعب، ويؤكد حاجة دول العدوان لتهدئة أكثر من صنعاء، وهي فرصة إضافية، ربما تكون الفرصة الأخيرة، وبالتالي فإنها معنية أكثر من أي وقت مضى في أن تثبت جديتها في حلحلة الملفات الإنسانية بعيداً من المراوحة والتسويف الذي قد تكون نتائجه كارثية عليهم.

بدءاً من اليوم وحتى منتصف الشهر، هناك مدة كافية لإثبات الجدية ببوادر عملية تنقل ما يكتب من الطاولات إلى الواقع، حتى لا تنقلب الطاولة رأساً على عقب، وتعود الأمور إلى نقطة صفر.

 

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع