لماذا قد يكون 2023 عاماً فارقاً لجنوب آسيا؟
السياسية:
قد يكون عام 2023 في جنوب آسيا عاماً فارقاً، فقد يشهد احتمالات مضطربة، وقد يشكل فرصة لا تعوض لإحدى دوله تحديداً لتعزيز دورها السياسي والاقتصادي على الساحة الدولية، فلمن تكون الغلبة: الاتجاهات الاقتصادية الإيجابية ببعض دول المنطقة أم الاضطرابات السياسية والمالية القابلة للانفجار؟.
تقرير لمجلة The Foreign Policy يُلقي الضوء على أربع قضايا رئيسية يُتوقع أن تنال الاهتمام في عام 2023 في جنوب آسيا.
أبرز التحولات المحتملة في عام 2023 في جنوب آسيا
قد يكون عام التكنولوجيا والاقتصاد للهند، ولهذه الأسباب بات لديها أفضلية
تبدأ الهند عام 2023 ولها بعض الأفضلية على بقية دول المنطقة في أكثر من جانب، حسب المجلة الأمريكية.
ففي وقت ما من العام الجديد، ستُصبح الهند أكثر البلدان سكاناً في العالم. وعلى الرغم من مخاوف التضخم والبطالة التي خيَّمت عليها العام الماضي، فإنها تجنبت الاضطرابات الاقتصادية التي كان لها وقع شديد في دول أخرى بالمنطقة. ويحتل اقتصاد الهند المزدهر المرتبة الخامسة بين أكبر اقتصادات العالم، كما يُتوقع له أن يكون من أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً وتجاوزاً لتداعيات كورونا خلال العام المقبل.
عام 2023 في جنوب آسيا
من جهة أخرى، تملك الهند فرصة لتعزيز مكانتها ونفوذها العالمي خلال رئاستها الدورية لمنتدى “مجموعة العشرين”، الذي يضم أقوى كتلة اقتصادية في العالم، كما أن الهند تلقى اهتماماً خاصاً من قبل الغرب الذي يريد أن يجعلها منافس الصين العسكري والسياسي، وبديلاً لها في سلاسل التوريد العالمية.
ويرجِّح كثيرون أن يكون عام 2023 عاماً من الإنجازات للعلوم والتكنولوجيا الهندية، فأكبر شركات التكنولوجيا في العالم مثل شركة آبل الأمريكية تفكر في نقل جزء من إنتاجها من الصين إليها، وتخطط الهند كذلك لإجراء اختبارات مهمة لاستكشاف الفضاء، وتتضمن الخطط إطلاق أول مركبة فضائية هندية تحمل إنساناً إلى الفضاء.
مودي سيحاول الفوز بالانتخابات عبر النجاح الاقتصادي والتحريض ضد المسلمين
في غضون ذلك، تحتدم أجواء السياسة الداخلية للهند في ظل اقتراب البلاد من الانتخابات الوطنية عام 2024. ومن المقرر أن تشهد البلاد انتخابات في 9 ولايات خلال عام 2023، ويتحدث كثيرون عن احتفاظ حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم بسيطرته على الحكم بفضل الشعبية التي يحظى بها رئيس الوزراء مودي، والأقرب أن يكثف الحزب من نشر برامجه القومية الهندوسية خلال الحملة الانتخابية، خاصة بعد أن ساعده ذلك في الفوز بإعادة الانتخاب في عام 2019 وانتخابات الولايات الكبرى خلال المدة الماضية.
لكن بعض الخبراء حذروا من عواقب خطاب الكراهية الذي ينشره الحزب وتداعياته المرتبطة بتأجيج التوترات الطائفية. والخلاصة أن الهند لديها فرصة كبيرة للازدهار خلال العام المقبل، لكن الانقسام الذي تبثه سياسات الحزب الحاكم المثيرة للجدل قد يعوِّق مساعي البلاد لبسط نفوذها في العالم.
هل تخرج بقية دول المنطقة من تبعات الأزمة الأوكرانية؟
صارعت منطقة جنوب آسيا محنة كورونا في عام 2021، وبدأت في التعامل مع تداعيات الجائحة في عام 2022. وعلى الرغم من أن المشكلات التي لحقت بسلاسل التوريد وأضرَّت باقتصاد دول المنطقة في عام 2022، فإن هذه الدول قادرة على إدارة الأمور بنجاح إذا استمر الوباء في الانحسار في عام 2023.
على النقيض من ذلك، فإن المنطقة تضررت في عام 2022 تضرراً كبيراً بآثار الحرب الروسية في أوكرانيا، واشتدت الأزمات على اقتصاد دول جنوب آسيا، حتى تجلى أثرها في زيادة معدل التضخم وتباطؤ النمو. وكان لأزمة ارتفاع الأسعار العالمية وقع شديد على بعض الدول المنطقة خاصةً، إلا أن معظم هذه التداعيات ترجع أصول أسبابها إلى ما قبل الحرب: فاقتصاد نيبال وسريلانكا، على سبيل المثال، يعتمد اعتماداً مفرطاً على السياحة، وباكستان تعاني أثر سنوات طويلة من سوء الإدارة الاقتصادية.
إنهم يراهنون على تحويلات العاملين من دول الخليج
وتعمل حكومات جنوب آسيا على دفع الاقتصاد للعودة إلى المسار الصحيح، لكن هذا الأمر تزداد صعوبته ما دامت الحرب مستمرة في أوكرانيا. ومع ذلك، تعوِّل بعض البلدان على زيادة تحويلات العاملين في دول الخليج بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية في عام 2022.
وتسعى بنغلاديش وسريلانكا إلى إكمال البنود اللازمة للاتفاق على حزم إقراض جديدة من صندوق النقد الدولي. وتريد باكستان الإبقاء على نسب العجز التي بلغتها هذا العام دون زيادة. والغالب أن تستمر الهند في استيراد الطاقة الروسية الرخيصة، وقد أشارت باكستان إلى أنها تنوي فعل ذلك للمرة الأولى.
وفي ظل انشغال جنوب آسيا بالضغوط الاقتصادية العاجلة واقتراب موعد الانتخابات الرئيسية، يُستبعد أن تتخذ الحكومات إصلاحات اقتصادية ملحة ما دامت تنطوي على مخاطر سياسية، مثل قانون إصلاح الأراضي في الهند وتنويع الصادرات في باكستان.
الحكومات تواجه سخطاً شعبياً
تُقبل كثير من حكومات دول جنوب آسيا على عام 2023 وهي في حالة سياسية حرجة. فالحكومة الباكستانية تصارع منذ توليها السلطة في أبريل/نيسان لكبح جماح الأزمات الاقتصادية. ومع ذلك فإنها لا تزال تفتقر إلى التأييد الشعبي، ولا يُعرف ما قد يحمله لها المستقبل بالانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول. وفي المقابل، يستند رئيس الوزراء السابق، عمران خان، إلى قاعدة شعبية كبيرة ومتنامية ويحاول أن يفرض على الحكومة الاحتكام إلى انتخابات مبكرة.
عام 2023 في جنوب آسيا
وفي بنغلاديش، تتولَّى “رابطة عوامي” السلطة بالبلاد منذ عام 2009، لكن الضغوط الاقتصادية أثارت احتجاجات كبيرة للمعارضة هذا الشهر، وقد تبقى أقل من عام على الانتخابات. وفي غضون ذلك، تولت حكومة سريلانكا السلطة هذا الصيف، بعد احتجاجات حاشدة وتسعى إلى المضي قدماً في الحكم حتى انتخابات عام 2024. وتأمل حكومة سريلانكا أن تكفي استقالة الرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا في يوليو/تموز لتخفيف حدة السخط الشعبي، وإن كان المتظاهرون متمسكين بمطالب بتطهير الحكومة من السياسيين الفاسدين.
وقد تلجأ هذه الحكومات إلى الرد بقوةٍ على التحديات التي تواجه حكمها، ولا يُستبعد أن تستخدم إسلام آباد المحاكم لإبعاد خان عن السياسة، وأن تستخدم رابطة عوامي في بنغلاديش أدواتها المعتادة لإضعاف الاحتجاجات. ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد أكثر العوامل تأثيراً وأولاها بالتعقُّب خلال عام 2023. فإذا تمكنت الحكومات المتعثرة من تخفيف الأزمة الاقتصادية، فإن ذلك قد يعقبه انخفاض حدة السخط العام.
هل تكون المنطقة ضحية المنافسة بين القوى العظمى أم تستفيد منها؟
واشتدت المنافسة بين الصين والهند في جنوب آسيا. وفي هذا السياق، تقدمَّت الصين بعروض لبيع وإنتاج الغواصات لجيران الهند في بنغلادش وميانمار وباكستان، وزادت من حضورها البحري في منطقة المحيط الهندي. ويتنافس البلدان في توفير البنية التحتية والمساعدات واللقاحات في جميع أنحاء المنطقة.
في غضون ذلك، حملت الاشتباكات بين القوات الصينية والهندية على طول الحدود المتنازع عليها في ديسمبر/كانون الأول تذكيراً جديداً بمخاطر التنافس القائم بين البلدين. وتسعى معظم دول جنوب آسيا، ما عدا باكستان الحليفة للصين، إلى بلوغ قدر من التوازن في العلاقات وعدم الانجرار إلى فخ التنافس بين الهند والصين.
هل تستطيع الصين مواصلة دفع الأموال بالمنطقة؟
من المتوقع أن تكون المساعدات الاقتصادية مساحة نشطة للتنافس بين الصين والهند خلال العام المقبل، فقد حققت بكين نجاحات تجارية كبيرة في جنوب آسيا بالسنوات الأخيرة، من خلال مبادرة الحزام والطريق، لكنها قد تتراجع عن المساعدات المالية ومساعي دعم البنية التحتية بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو أمر قد تستفيد منه الهند، ويُحتمل أن تساندها واشنطن بتكثيف حضورها الاقتصادي في جنوب آسيا.
ويتعين على حكومات جنوب آسيا أن تُوازن بين حاجتها الملحة إلى المساعدات الاقتصادية ومصالحها في الحفاظ على قدر من الاستقلال بسياستها الخارجية. وربما يكون أفضل حل لها هو التماس المساعدة من بكين ونيودلهي معاً في الوقت نفسه، وبذلك قد يعود التنافس الاستراتيجي في المنطقة ببعض العوائد على هذه الدول أيضاً.
* المصدر: عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع