السياسية:

طوفانُ الجنيد*


قُلْ عنِ اليمنِ ما تشاء، وصِفْ أهلَها كيفما تُريد؛ فلن تستطيعَ أيُّ مؤسَّسةٍ ثقافيَّة، بكلِّ ما تحويه من مثقَّفين وأدباء وكُتّاب ومُدوِّنين للتاريخ والحضارات، أن تُوفيَها حقَّها، أو أن تفهم فسيولوجيا أهلها، أو تُوصِّفهم التوصيفَ الدقيق، أو تُعطيَ النموذجَ الحيَّ والحقيقيَّ لهم، ومدى الارتباط الوثيق بين الأرض والإنسان، والهويَّة والإيمان، والأصالة والحضارة، والعروبة والإنسانيَّة، والروح والعقيدة عبر القرون والأزمان.

فاليمنُ، عبرَ تاريخه، يُقدِّسُ المقدَّساتِ الدينيَّة، ويعتبرها خطًّا أحمرَ لا يقبلُ المساسَ أو التدنيس، ويبذلُ كلَّ ما يستطيع من أجل حمايتها، ويُجاهد ويُكافح لتحريرها. وإذا كان هذا الموقفُ ثابتًا تجاهَ المقدَّساتِ الدينيَّة، فكيف يكون الحالُ عندما يتعلَّق الأمرُ بكتابِ الله تعالى، القرآنِ الكريم، الذي يؤمنُ به ويعتقدُه أقدسَ المقدَّسات، وأعزَّها، وأعظمَها، وأحبَّها إليه؟

لقد شهدَ لأهلِ اليمنِ اللهُ ورسولُه بأنَّهم: «أهلُ الإيمانِ والحِكمة»، وأنَّ بلدَهم «نَفَسُ الرحمن، والأرضُ الطيِّبة». وهذا ليس وصفًا جغرافيًّا فحسب، بل حقيقةٌ اجتماعيَّةٌ وروحيَّةٌ تتجلَّى في اليمن واليمنيين. فإيمانُهم ليس مجرَّد شعارٍ يُرفع، أو طقوسٍ تُقام، بل هو منهجُ حياة، وعمقٌ وجدانيٌّ يُترجم إلى احترامٍ وتقديسٍ لكلِّ ما هو ديني، نابعٍ من ولاءٍ إيمانيٍّ، وفهمٍ عميقٍ للدين والهويَّة والقيم والإنسانيَّة.

ويُعدُّ الحفاظُ على حرمةِ المقدَّساتِ جزءًا أصيلًا من إيمانهم وهويَّتهم، وأيُّ اعتداءٍ عليها يُعدُّ جريمةً كبرى، وحربًا عدوانيَّةً ليس فقط ضدَّ المكان أو الرمز، بل ضدَّ المشاعر الدينيَّة لملايين المسلمين. وقد أمرَ القرآنُ الكريم باحترام الشعائر الدينيَّة جميعها، حتَّى تلك التي تعبَّدت بها المجتمعات غير الإسلاميَّة، قال تعالى:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: 40].

للقرآن قدسيَّةٌ عظمى ومكانةٌ متفرِّدة لدى اليمنيين:
نعم، إنَّ للقرآنِ الكريم قدسيَّةً عظمى، ومكانةً فريدةً في قلوب اليمنيين؛ كيف لا وهو الذكرُ الحكيم، والمنهجُ القويم، والصراطُ المستقيم، والنورُ المبين، والرحمةُ الواسعة، والفوزُ العظيم، والحبلُ المتين، والحقُّ المتين، والعزَّةُ الحقيقيَّة، والكرامةُ الرفيعة، والحريَّةُ الكاملة، والكلامُ الفصل، والنجاةُ الأكيدة؛ المُعجزُ في لفظه ومعناه، المحفوظُ بحفظِ الله إلى يومِ القيامة.

الإساءاتُ والاعتداءاتُ المتكرِّرة والحربُ الصليبيَّةُ على القرآن الكريم
إنَّ من ضمنِ الحروبِ التاريخيَّة، عبرَ العصور، حربَ أعداءِ الله الفكريَّة على القرآن الكريم، محاولين النيلَ من قدسيَّته، ظنًّا منهم أنَّ الباطلَ يمكن أن ينتصرَ على الحق، ولكنَّهم يعجزون. وفي حروبِ هذا العصرِ الحديث، والحروبِ الناعمة، نسمعُ بينَ حينٍ وآخر، ونشاهدُ أعداءَ الإنسانيَّة والإسلام — أمريكا، والكيان، والغرب الكافر — يتعمَّدون الإساءةَ والاستهتارَ بالرموز الدينيَّة والمقدَّسات الإسلاميَّة، واستفزازَ الأمَّة الإسلاميَّة.
كما حصل اليوم من تدنيسٍ للقرآن الكريم من قِبل المجرم اللعين، المرشَّح الأمريكي جيك بغ، بوضع المصحف الشريف في فمِ خنزير، إرضاءً للصهاينة، وتنفيذًا لأجندات الماسونيَّة العالميَّة.
هذا الفعلُ المشين استفزَّ مشاعرَ مليارٍ ونصفِ المليار من المسلمين، وعلى رأسهم الملايين من اليمنيين، وأثار في قلوبهم الغضب، وحرَّك فيهم الحميَّة، والنفيرَ العام للدفاع عن كتابهم، ودستور حياتهم، وهويَّتهم الإيمانيَّة.

اليمن والدفاع عن قدسيَّة القرآن:
عبرَ التاريخ، كان لليمنيين دورٌ بارزٌ في حفظ القرآن، ونشره، والتفقُّه فيه، والتمسُّك بهديه، والتأسِّي بأسوته، والذَّود عنه ونصرته. وها هم اليوم يواصلون الدفاعَ عن قدسيَّة القرآن بكلِّ ما أوتوا من قوَّة؛ لأنَّ الاعتداءَ على القرآن بالنسبة لهم اعتداءٌ مباشرٌ على هويَّتهم وصميم إيمانهم.
وهذا الموقفُ ليس ردَّ فعلٍ عاطفيًّا فحسب، بل التزامٌ دينيٌّ وأخلاقيٌّ يقوم على:
1- الإيمان العميق بأنَّ القرآن هو أساسُ الفطرة السليمة، والدين الحنيف، والمنهج القويم الذي تنطلق منه الحياة كلُّها.
2- الشعور بالمسؤوليَّة العظيمة؛ إذ يُدرك اليمنيون أنَّهم مسؤولون أمام الله ورسوله والمؤمنين عن حماية هذا الكتاب، ومكلَّفون بخدمته، وصون كرامته، شرفًا لقدسيَّته.

ختامًا:
كما أسلفنا، لقد استفزَّ المجرمُ الأمريكي مشاعرَنا، وأغاظ صدورَنا كيمنيين، ممَّا استدعى قائدَ الثورة والمسيرة القرآنيَّة إلى الخروج ببيانِ إدانةٍ واستنكارٍ لهذا الفعل المشين، خاطب فيه أمَّةَ الإسلام والقرآن بالتحرُّك الجاد، والتصدِّي لمثل هذه الأفعال، وحذَّر من خطورة الصمت عن هكذا تصرُّفات.
ودعا شعبَ الإيمان والحكمة إلى النفير والاستنفار في جميع المجالات، ومن كلِّ المكوِّنات، واتخاذ المواقف الغاضبة والمستنكرة، والخروج المشرف والكبير إلى الساحات والميادين، لإيصال رسالةٍ قويَّةٍ لأعداءِ الله بأنَّنا لن نسكتَ على الإساءة للقرآن والرموز الدينيَّة، ولن نتخلَّى عن المقدَّسات الإسلاميَّة، ولا عن أهل غزَّة، وسنواجههم ونقاتلهم ونتصدَّى لهم حتَّى النصر والتحرير لكلِّ الأرض، وتطهير المقدَّسات من رجسِ اليهود والنصارى، أعداءِ الإسلام والمسلمين والإنسانيَّة.
وإنَّ المقدَّساتِ الإسلاميَّة، وفي مقدِّمتها القرآن الكريم، خطّان أحمران لا يقبلان الاعتداء ولا المساومة، والدفاعُ عنهما دفاعٌ عن الكرامة والإنسانيَّة، وعن المبادئ والقيم الروحيَّة التي بدونها تفقدُ الحياةُ معناها.

*المقال يعبر عن رأي الكاتب